الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور من الواقع..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أمر بجانبها وأنا ذاهب من هناك ..امرأة كهلة تفرش الأرض بجانب دكاكين التجار في المدينة القديمة ..إنها اعتادت على الجلوس هناك ..وفي مكان صغير جدا تفرش بضاعتها المتواضعة جدا ..مشط..معاجين للأسنان..علب الكلينكس ..إلخ ..وتجلس بجانبها في تواضع تام وعيناها لا تكاد تبارح بضاعتها إلى ما يمر أمامها ..فلا ترقب ذاهبا ولا ترصد واقفا ..ولا تتجسس على هذا ولا تكترث لذاك ولا تحشر أنفها في ما لا يعنيها ..قد أعود من نفس المكان وجد جميع الدكاكين قد أغلقت وهي لا تزال جالسة هناك تنتظر ما تجود به اللحضة من رزق وما يسوق لها القدر من زبون كريم ..وأقسم أني أراها سهرانة هناك حتى في أيام البرد القارس حيث الكل في بيته منكمش على حاله ..
أنا لا أعلم ظروفها ولكن أسرد لكم ما اقتطفته عيني وحز في قلبي فوددت أن أطلعكم عليه ولكم أن تتخيلوا حكايتها بأنفسكم ..
إنها بلا شك ليست امرأة واحدة من تفعل ذلك ..بل هناك العديد منهن ممن يبحثن عن كسب رزقهن بتلك الطريقة أو بأخرى..وممن أرهقهن شظف العيش وكابدن لسع الزمان ومرارة الأيام ..فارتأين اللجوء إلى الكسب الطيب والحلال لأعالة أنفسهن ..ولا ظير في ذلك ولا حرج ..بل الشرف كل الشرف لمن يشمر على ساعده ويكدح ويعرق من أجل لقمة عيش طيبة يدخلها في فمه ..ولكن التثريب على من يجلسن في أواسط الطرقات وهن في كامل صحتهن وفي أوج شبابهن ..ويمددن يدهن إلى الغير ..يتسولون الرحمة وهم ليسو أهلا للرحمة ..ويطلبون العون وهم لا يحتاجونه ..ويستعطفون من هم أقل منهم وزنا وشأنا ..ويذلون أنفسهن بإرادتهن.. ولو اجتهدو لصارو أعزاء أغنياء ..وليس كل فقير فقير وليس كل ما يزعم أنه فقير فهو كذلك.. ولا كل ما يدعي الغنى فهو غني ..فكم من فقير يملك ما تندهش له العقول وكم من غني لا يملك شيئا ..ولكن الكفاف والعفاف والقناعة والرضى هي الكنوز الحقة وهي لب الثراء وجوهر الغنى الحقيق..ولكن المظاهر خداعة وما تخفي البواطن لا تكشفه الباديات..
الغنى كل الغنى في الإستعفاف والفقر كل الفقر في الطلب ومد اليد ..وحسب الإنسان لقيمات يقمن صلبه ويعنّه على إصابة هدفه ..فما زاد عن الحاجة صار عادة ..وما صار عادة نما وقعه في القلب والنفس ..وما نما وقعه هناك زاد إلحاحه واشتد لهيبه ..والنفس لا تقنع ولا تُردع ولا تشبع وهي إلى نهم وشرهٍ متزايد إن لم تحكمها بعقلك وتوجهها ببصيرتك ..
هناك من توفى بَعلُها ولم يترك لها إرثا ولا دخلا ..وترك لها صغارا ضعافا ..فاقتادتهم جبرا وقهرا إلى الطرقات لاستجداء العطف والحنان ..ولا استجداء في ذلك وإنما تجارة بما ليس لك واستثمار في مالا تملكين.. ولو أحببت أطفالك فعلا كما تدعين لما فعلت ذلك بهم ..ولو أحببتهم حقا لاخترت عملا شريفا تنفق بفائدته عليهم ..وما أكثر الأعمال الشريفة وما أطيب الحلال وما أزكى العزة والنخوة والشهامة وما أذلّ السؤال والإلحاح وطلب العون ..
ولكن للعمل الشريف ثمنه وللكسب الطيب أجره .. فقد يتطلب الكدح والمثابرة والتعب وهو يستحق كل ذلك ويستحق أكثر من ذلك ..وهذا ما تأباه النفس ولا تطيقه ..فهي تلتذ بالراحة والخمول والكسل وتريدها جنة دائما ..ولكن ماذا فعلت هاته النفس لتستحق الجنة !!!! وهل الجنة هدية وهل هي هبة ..كلا بل هي لا تأخذ إلا غلابا ولا يفاز بها إلا بالصبر والإجتهاد ..فالحلال غال والحرام رخيص ..لكن العزة كذلك غالية وثمينة والذل رخيص ودنيء..ولك الإختيار؟ ..ولكل اختياره ..ولكل نفسه ..ولكل همته ..ولكل تطلعاته ..ولكل كرامته ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي