الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا تحتضر ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أفيقوا أيها السادة !!
بلاد الحرية بلا قيد .. وبلاد الفردانية وبلاد الرفاهية والوفرة والإنطلاق والإباحية ..بلاد الثقافة والعلم ..بلاد الجري واللهاث وبلاد السعار والتسابق والتسارع.. إلى ماذا وإلى أين ..!!!
ليس منا من أحد من ينكر على أمريكا ذلك فهي بامتياز بلاد الترف والمتع والإنسياق وراء اللذات والفناء مع المادية وفي المادية وللمادية فالشعار هو الهنا والآن ..والغد يوم آخر واحتفال آخر وطبق آخر ومزاج متجدد وروح أخرى منهكة بلذة الأمس متطلعة للذة اليوم ..والغالب يطمح للحياة هناك وللعيش في أحضان هذا البذخ والرخاء والسخاء والكرم والرغد ..والغالب يحقد على من يعيش هناك ويمني النفس لو أنه يصير هناك لينعم بما ينعم به هؤلاء ...أليس ذلك بالحق !!!
أليس ذلك باد في تسارعكم إلى التسجيل في القرعة الأمريكية كل سنة وانتظار نتائجها بفارغ الصبر علّكم تكونو من المقبولين ..فإن كان ذلك نسجتم الأحلام الوردية وأرهقتم مخيلتكم بالآمال والأوهام وسرحتم في جنان أمريكا قبل أن تطؤوها ..وسبحتم في أراضيها وأنتم في جحر داركم ..وإن لم تكونو من المقبولين نذبتم حضكم ولعنتم أيامكم وتسخطتم على مصيركم الذي ساقت به الأقدار إلى هذه البلد الكريمة !! ومنكم من يعاود الكرة تلو الكرة وفي كل سنة يتحسر ويعاود الحسرة ولا يفقد الأمل البتة في الذهاب كأنه ذاهب إلى جنة في الدنيا لم نسمع لها مثيلا ..
لكن ألم يسأل نفسه هذا المتلهف عن ما سبب وجود هذا السائح الأجنبي في بلده والذي أصبح يفد عليه بالآلاف !! وهو لم يعد سائحا فقط كما عُهد عليه بالامس ولكن قد أصبح مقيما له حقوقه وجنسيته ..أصبح مواطنا مثلك أنت لا يختلف عنك إلا في اللغة والعرق بل وحتى لغتك أصبح يجيدها ومنهم من يخلط عليك نسبه من شدة إتقانه لها..
لماذا يترك النعيم المقيم في بلده ، والثراء والرفاه والحرية ويأتيك راغبا لا راهبا لبلدك ويسكن جوارك ويصير صديقك !! ..هناك أكثر من منظور لهذا الفعل ولكن سأسرد لك فقط ما جاء على لسان البعض منهم ممن ألقتني الصدفة في رحابهم وممن رماني حب الفضول على سبر أغوارهم لا لشيء وإنما قصد المعرفة والتحليل لا غير ..
يأتوننا لأن منهم من أنهكته اللهفة والجري المتواصل والسرعة العالية التي تسير بها هذه الإمبراطورية ..فمع السرعة يأتي الصخب والضجيج والتهافت والتسارع ..فوثيرة الإيقاع سريعة ونمط الحياة يسير من استهلاك إلى استهلاك والحياة هناك لا تعرف النوم ولا الراحة ..والضوضاء في كل مكان والأضواء في كل مكان ..والنهار هناك لا يطلع عليه الليل فلا سبات ولا سكون وإنما لهات وتسابق ..
يهربون من ذلك الصخب وذلك الإيقاع المتسارع ويبحثون عن التمهل والتريت وعن الألفة وعن الأنس وعن الإنسجام وعن الإعتدال في كل شيء وعن الوسطية في كل شيء ..ولا شك أيضا أن هذا الإيقاع المتسارع له كلفته وله ثمنه فمستوى العيش هناك أعلى بكثير من هنا وما ينفقه في شهر هناك قد يكفيه لقضاء سنة كاملة هنا !! كما أن العمل هناك مضاعف والمسؤولية مضاعفة ويتطلب ذلك مجهودا أكبر وإرهاقا ذهنيا أشد وهذا ما قد يضعف مردوده ويرهق كاهله ولا يقوى عليه الإنسان بطبعه ..فالإنسان يحب الكسل والراحة والخمول وإن كان في ذلك شقائه ولا يحب الإجتهاد والمتابرة والتضحية وإن علم علم اليقين أن في ذلك تفوقه وارتقاءه وسعادته ...لهذا يفضل المكوت في بلدنا ..حيث إيقاع العمل بطيء والتسارع لا يضني ولا ينهك ومستوى العيش منخفض ..فيلتقي كل ذلك مع ما يطمح وما يشتهي فيألف به ويصير حالا فيه آنسا به ...
ومن جهة أخرى ..يجد السائح قربا اجتماعيا غير معهود وألفة إنسانية واندماجا وانسجاما مع كل طبقات المجتمع ..فهنا الأنس وهنا التلاحم والتضامن ..هنا تحس أنك تعرف جارك وتعرف الناس في الأسواق ولو لم تكن تعرفهم فعلا ..تشعر أنك قريب منهم وهم يشعرون بذلك أيضا ..وهناك الوحشة والوحدة بالرغم من تواجدك مع أقرانك تحس أنك وحيد في داخلك ..وبالرغم من الكثرة تشعر بالغربة والضياع والتيه ..هناك فراغ ..خواء ..ميوعة.. وهنا العائلة الواحدة وإن تعددت أطرافها ..هنا البساطة والعمق وهناك التعقيد والتشابك والحيرة والسطحية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران