الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذم هوى المحبوب..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في ذم الهوى
مسكين من ذهب راضيا لا مكرها لوكر العذاب ..واختار وجع العشق على سلامة القلب ...واأسفاه على المهموم قد أضناه حب الهوى وآرقه حب المحبوب !!
ما أن تلقط العينان سحر المعشوق حتى تأسر من فرط الذهول ..فيعرض ذلك على القلب فيغدو تائها حائرا ..أتراه أوقفه لب الجمال وحلاوة النظر ..
ولا يأثر ذلك إلا في الواقف الجامد الذي لا حراك له ..أما الصاعد المرتقي فلا يأبى بما تسعى إليه عيناه ..فالكل محطات تعبر.. ووسائل توصل ..
ولا يشغل القلب بحب الهوى إلا لفراغه من المحتوى ..ولا يدخل الضيف إلا بترحاب المضيف.. ولا يحتل المكانة عينها إلا لخلوها وهوانها ..فانظر في هوان قلبك بعين البصر تدرك مكامن الضعف ونقط الخلل ..واعمل على الإصلاح قدر الوسع ..وعلى الإعمار بالمفيد قدر الإمكان ..فإن تحقق ذلك فقد تحصن الحصن من وعتاء النظر ..وقد سلم القلب من صبابة العشق .. فلا يعود يهبط إلى درك الهوى وقد علم وقع الوجع ..بل يسعى إلى بلوغ المرتقى بكامل القوى والعزم ..
وأنت إذ تبصر بالعين محاسن الجمال في المحبوب في النظر الأول ..تجمد الحواس وتتكبل البصيرة ..ويقف حارس العقل مشذوها مذهولا ..لا يتقن التصرف ولا يحسن الأمر ..كيف به وقد شاهد غير المألوف وعرض عليه ما لا يدري عنه ..ففتنه السحر وشوقه الجمال وألجمه الوجد فصار هائما في الهيمان ..لا هو قائد كما يعهد ولكن مقتاد كما لا ينبغي وبما لا ينبغي ..قادته شهوة المنظر فاستزاد من قوة النظر ..واستطال في مدة البصر ..قاصدا بذلك الرشف من سر الجمال ..وواعدا نفسه بالإغتنام من لب المحبوب بما يشفي وهج تطلعه .. وهو لا يدري أنه جاهل في أمور العشق والوجد ولا يريد أن يدري ..كالشارب من الخمر يريد النشوة وهو يقتل نفسه من حيث لا يدري ..وكالراشف من سم زعاف ويحسب أنه حلو مذاقه ..ففي ذلك هلاكه وفنائه وهوانه على نفسه حين أذاقها ما يفسدها وأعطاها مما يجب المنع ..فلو أنه حرمها الذوق لكان خيرا لها ..ولو ما استزاد النظر لحققت الطمأنينة واستكان الألم ..ولو غظ الطرف من الأول لسلم من مرارة الوجع ولغنم براحة البال وإشراقة الحال وعز النفس ..ولقوي على فعل المفيد والإستمتاع به وفي ذلك الخير كله ..
فالغافل يغفل قلبه ويغيب عقله عند رؤية المعشوق ..فيسقط في درك الصبابة ..والمتيقن يعلم علم اليقين بما يراه فلا يسلب من نور البصيرة ..ويحرص على الإرتقاء مهما حصل.. فهو في جذب دائم يبن قوى النفس وقوى الروح ..بين النجاة والغرق ..بين العز والذل ..وعلى شدة يقينه يدرك السلامة وعلى قدر عمق الفكر يرى نور الحقيقة ..ولكن ذلك لا يأتي يسيرا ولا يتيسر للكسالى والجهال ..ولا يدرك بالتمني ولا ينال بالأمل ..بل لا يصله إلا آحاد ولا يبلغه إلا أفراد ..وطوبى لمن بلغ ذلك ..
على أن العاقل لا يفوته الإعتبار ولا تتجاوزه المعاني فهو دائم العزم قوي البصيرة ..فهو إذ يرى الجمال لا يعشقه ولا يأخذه سحره ..ولا يسلبه لبه ..بل يكون دليله إلى مدلوله ..وموصله إلى حقيقة حبه ..ومرشده إلى خالق الجمال ..إلى جامع الكمالات كلها ..إلى الجميل جمالا مطلقا والكامل كمالا مطلقا ..
فهذا سحر المخلوق قد أوقف العقل مكانه ..فما قد يفعل سحر خالق المخلوق في عقل من ينظر ..وكيف يصير حال القلب عند التقاء النظر واكتمال المنظر في جنة الرضوان وفي رحاب الرحمان ..تبارك الملك الجميل ..وتقدس الكمال الكامل ..سبحانك ربي ما أعضمك ليس كمثلك شيء ..فهذا جمال المخلوق قد عجز اللسان عن وصفه لشدة حسنه وبهائه ..فكيف بوصف الخالق وهو لب الجمال ومنبع الصفاء وروح الفتن ومدد العطاء كله ..
فالجميلة ليست جميلة إن كنت تعلم ..ولكن جمالها مستعار ..ومحاسنها هبة ..وسحرها مأخوذ من سحر الخالق ..فلا تكن جاهلا وتقف مع الواقفين في محطة العبور ..وتوهم نفسك بالوصول ..وأنت مكبل في شرك الهوى وتظن بجهل علمك أنك بلغت المرتجى ..وما أنت إلى في وسط الطريق وتلك معالم المبتدى قد تجلت لك ..فكيف تكون نهايات المنتهى عند سدرة المنتهى..
فإن علمت ذلك لا بعلمك وإنما بإلهام ربك ..وبتزكية نفسك ..فحتما سيخف العشق عن قلبك ..وإن جهلته لضعف نفسك وخوائها ..سيقوى قلق قلبك وستصعب حالتك ويشتد مرضك ..وعلى قدر جمود ذهنك ستنغص لذيذ عيشك وستكدر صفاء قلبك ..
وأرباب اليقظة لا يعتريهم هذا الإحساس ..ولا يعرفون له سبيلا ..لأنهم مانعتهم حصونهم من الإلتفات إليه والسعي ورائه ..إذ لا يسعى العاقل لبلوغ السراب والظفر بالفاني ..كالأعمى يتحسس الثلج يذوب إثر لمسه بيده..
فتيقظ القلب يوجب الأنفة من رذالة الهوى ..ومن ذل العشق ..ونور البصيرة يسطع على ظلام الوجد فيبديه على حقيقته ويكشف المستور وراء الحلل ..فتصير عيوب المحبوب بالفكر واضحة وفي العقل لامعة ..فلا يقدم على الخمر يشربها يفقيق بعد شربها في عواقب يندمها ..
وأهل الغفلة دائموا الحيرة ..مشوشو البوصلة ..لا قرار لهم ولا استقرار.. وإنما اضطراب وقلق وقسر وأسر ..
فاجعل ياأخي قلبك موصل بالنبع المطلق ومتشبت بالصفاء المطلق ..ولا تلتفت طرف عين ولا لمح بصر عن نبع العطاء وهدى البصيرة فتحرم من عظيم الثواب وتمنع جزيل الرزق والخير ..وارتق الصعد طوال العمر بلا كل ولا ملل .. فلولا مشقة الأنفس لساد الناس كلهم ..واخل نفسها من عوائق تكبحها .. واعمرها بعمار المعرفة والفكر التي توجب الخلد والأبد في جنان الرضوان ..
وافقه عني يا أخي ما أردته ذكره فإن اللبيب بالإشارة يفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران