الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا خليل كلفت ، الشيوعي النوبي الجميل !

جابر حسين

2015 / 11 / 9
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


وداعا خليل ، الشيوعي النوبي الجميل !
---------------------------------------

" رجل خفيف العيون
ويصف سماء الحب
يجمع منها العجائب
كمثل أوراق الغاب
وكمثل أطيار في أجنحتها
وبشرا في الحلم !
... ... ...
رجل مات ،
لم تكن تحميه غير ذراعيه
المفتوحتين للحياة .
رجل مات ،
ما له من طريق
غير التي تكره فيها البنادق .
رجل مات ،
وهو يواصل الكفاح
ضد الموت
وضد النسيان ! " ...
- إيلوار -

خليل سليمان كلفت ، الذي أختصر أسمه مبكرا ليجعله " خليل كلفت " الذي شهر به ، يعد من الرعيل اليساري المجيد ، من نوبة مصر ، ومن الوجوه المزهرة في النوبة المصرية ، النيليون ، كما يسميهم ديشاب . مجايلا ومعاصرا ومعايشا لرفاقه النوبيون ، محمد خليل قاسم وزكي مراد ومحمد زهران ، وللذين هم من الصعيد في جنوب أرض النوبة ، أمل دنقل والأبنودي ...
خليل من الموسسين لأحزاب ومنظمات الشيوعيين المصريين ، فقد ساهم بجهد كبير في تأسيس " التنظيم الشيوعي المصري " أواخر ديسمبر 1969 الذي تحول ، من بعد ، ليعمل تحت أسم " حزب العمال الشيوعي المصري " . عمل لسنوات في حقول العمل الشيوعي السري تحت أسمه الحركي " صالح محمد صالح " ( لعل رفيقنا الذي لم ينجو بعد من لوثات عالمنا الملتبس ، بدر محمد صالح ، قد أستلهم سيرته وبعضا من أسمه الحركي) . شرع خليل يكتب منذ مطالع ستينيات القرن الماضي ، فكتب الدراسات النقدية العميقة في الأدب وفي الفنون بأفق تقدمي متميز وبحساسية عالية ، فكتب عن خليل حاوي والبياتي ، وعن محمد إبراهيم أبو سنة وسلسلة مقالات شهيرة عن أدونيس الذي كان " ظاهرة " شعرية وفكرية رؤيوية وقتذاك ، وعن غالي شكري ، ثم راح يكتب عن شعر وشعراء المقاومة التي كانت وجها شعريا متقدما في النضال لأجل التحرر والتقدم والسلام . جمع العديد من تلك الكتابات وأصدرها ، من بعد ، في كتابه المهم " خطوات في النقد الأدبي " . كتب مقالات ودراسات عديدة في الماركسية من حيث النظرية والتطبيق ، و عن القومية وتداعياتها علي أرض الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في عالمنا العربي . وكانت كتاباته السياسية والفكرية تحدث ، عند نشرها ، حوارات ومداولات ثرة وممتدة علي طول الوطن العربي الكبير وخارجه . وقبل أن يبدأ سمير أمين يكتب تنظيراته حول موضوعة " نمط الإنتاج الأسيوي " ، كان خليلا قد سبقه في الكتابة عن ذلك النمط في الإنتاج وبلوره بشكل موضوعي مدهش في سلسلة مقالات ودراسات في معرض رده علي أحمد صادق سعد . خليل ، كان ممتدا، بفكره ووعيه إلي آفاق وساحات واسعة من المعرفة والتنوير . فتناول " المسألة الزراعية " من حيث هي ضرورية في عمليات الإنتاج الساعية لتوفير العدالة الاجتماعية والنهوض بالإقتصاد والدخل القومي . ولطبيعته الشخصية وتذوقه الجمالي فقد أكثر من الدراسات الأدبية والفنية في وجهاتها العديدة وفي مضامينها ، وتمدد نشاطه في النشر في مساحات واسعة فظل ينشر في مجلتي " جاليري 68 " المصرية و" الآداب " البيروتية ، اضافة إلي مداومته الكتابة في جريدة " المساء " المصرية ثم في جريدتي " الإنتفاضة " و " الشيوعي المصري " . ومن عبقريات هذا المنور العظيم أنه قد تمتع بقدرات هائلة في الترجمة من اللغتين الانجليزية والفرنسية وهو الحاذق النابه في كليهما . فقام بترجمة أمهات الأعمال الأدبية للبرازيلي " ماشادو " ، وللروسي " يوري كاركين " عن ديستوفيسكي ، وللشاعر " بورخيس " ترجم له تحت عنوان جذاب إبتدعه " مختارات الميتافيزيقيا والفانتازيا " ، كما ترجم أيضا في موضوعات الفكر والفلسفة والسياسة ، ثم لم يكتف بكل هذه المعارف ينثرها في الناس فدلف ليثري العربية بإنشائه لعدد من القواميس والمعاجم نشرتها له كلها " دار الياس العصرية " ، هكذا أضاء ، بجهوده الجبارة تلك ، مناطق مهمة في تجديد النحو العربي .
خليل ، عاش الحياة ملء قلبه ووعيه مستندا علي قناعاته وإختياراته وإيمانه بالفكر الماركسي ، ملتزما – طوال عمره – صف الفقراء والكادحين ومستشرفا الغد الإشتراكي في وجهته المعاصرة وفقا للمتغيرات الكونية الهائلة في حياة الإنسان وراهنه ، خائضا ، بعزيمة لا تتعب ، في بلبال الفكر والأدب والسياسة واللغة والفنون جميعها ، رائيا وراغبا الحياة في عنفوانها وضجيجها الحي المزهر . زاملته في " الحوار المتمدن " زمانا فلم يتواني عن رأي أثرته وإلا دفع بمخزونه الثر شارحا ومبينا ومؤازرا – بأجلي ما يكون – في شأن الموضوع المثار ، بتواضع جم ، وقلب ذكي ، وروح ممتلئة بحب الحياة والإنسان . فقد جلل لاشك ، أن يرحل خليلا عنا في هذه البرهة من الزمان ، لكن عزاءنا أن آثاره وأعماله الفكرية والثقافية في حقول المعرفة جميعها علي اتساعها وتنوعها ستكون فينا هادية ومضيئة ، مؤشرا لنا صوب الغد والمستقبل الأجمل .
هكذا ، وياللحسرة ، منتصف ظهيرة هذا اليوم الأثنين 9 نوفمبر الجاري رحل خليلا عنا ، ذلك الإنسان الشيوعي النوبي الوسيم ، تاركا ضوءا ومسارا ورايات ، جعلها في عالمنا بمثابرته وجلده وعبقريته العلمية ، لقد ترك بعضا كثيرا منه فينا ، في دمنا النضالي وفي فكرنا ، في وعينا وضميرنا الثقافي : " فهل يموت / من كان يعيش الحياة ، كأن الحياة أبد " ؟ علي قول أمل . فكن ، كما السلالة التي في كنف الحياة ، في الخالدين يارفيقنا الحبيب !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خلاص العزاء لأسرته الكريمة
الشيخ الدكتور ونيس فتاوى ( 2015 / 11 / 9 - 19:29 )
ندعو بالرحمة للعقيد
وخالص العزاء لأسرته الكريمة
ولرفاقه اليساريين وقرائه الكرام.


2 - أرقد في سلام
السير جالاهاد ( 2015 / 11 / 9 - 21:02 )
أحزنني هذا الخبر كثيرا

قرأت للراحل خليل كلفت حتي بت كما لو أنني عرفته شخصيا, لذلك أحس بفقدانه كصديق رغم انه لم يكن من حظي شرف مقابلته

أرقد في سلام يا صديقي


3 - نم قرير العين
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 11 / 9 - 22:20 )
له الذكر الطيب و لذويه و رفاقه و محبيه الصبر
نم قرير العين نم
يا ايها الجبل الأشم
نم فالنوم حتم
و مصيرنا ايضا ننم
يا من عكرت صعابها
و مشيتها قمما قمم
ما جئت ارثيك
و هل لمثلي في رثاؤك فم

اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟