الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة الى دراسة إستطلاعية

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2015 / 11 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في البدء أود القول: إن المادة الموسومة بـ"الفساد.. من ابتدأه.. ومن أشاعه؟ دراسة استطلاعية" للأستاذ د. قاسم حسين صالح أثارت إهتمامي على الطريقة المعروفة؛ المكتوب يقرأ من عنوانه. وبالتحديد أقول: إن الذي أثار إهتمامي في المقال أولاً إشارته الى كون المادة دراسة إستطلاعية، فمثل هذا النوع من الدراسات، خاصة إذا كانت تتصدى لقضية راهنة، فإنها تكتسب أو تتصف في العادة بطبيعة بناءة، قد تنافس الكثير من أنماط الدراسات الأخرى، ليس في جمالية وإغراء موضوعها حسب، بل بتلك الخلاصات المتوقعة، التي يُفترض أن تتوصل إليها، وتمكن الآخرين من ذات الإختصاص أو الإختصاصات الأخرى لإعادة بناءٍ موضوعة ما، أو أن توظف لمزيد من الإطلاع أو لإستنباط التوجهات والحلول بصدد قضية عامة.

لاشك في أن الكاتب دؤب وجدي في سعيه العلمي، وهذا التقدير يأتي إنطلاقاً من الإطلاع على المتوفر من نتاجاته، وهو في الغالب يلمس وينظر ويعالج العديد من القضايا والزوايا العامة، التي يتجنب الآخرون الإحتكاك بها، وهو واضح في إنحيازاته بالمعنى الإيجابي لمفهوم الإنحيار. ولكن أظن أن الكاتب قد يوافقني فيما أذهب إليه، بصدد الإعتقاد بأنه إستخدم كلمة "دراسة استطلاعية" قد جاءت بمعناها الزمري أو الواسع جداً، وليس بالمعنى الوضعي أو الإصطلاحي، فالمقال "الدراسة" لا يمتلك جوانب أساسية من خصائص ومستلزمات الدرسات الإستطلاعية، خاصة تلك التي لا يمكن تجاهلها على أي حال.

يبدو لي أن الباحث إستخدم عيّنة مغلقة، تتكون من شركائه في وسائل الإتصال الجماهيري والبريد الآلكتروني، أو ربما تتكون من مجموعة مختارة بتعمد من زملائه وأصدقائه، أو ربما غير ذلك، ولا شك أن الإستاذ على إطلاع كامل بالممارسة العلمية والمهنية لما نشير إليه والى أهميته، خاصة ما يتعلق منها بإعطاء وصف دقيق لعيّنته وأفضلياتها ومبررات إختيارها.

ولكن عدم وضوح طبيعة العيّنة وظروفها وشروطها من جانب آخر لم تحول دون قيادة الباحث للمادة، دون إكراه أو تعسف، نحو الوجهة الأكثر أهمية فيما يتعلق بمسألة أو حالة الفساد في العراق، فقد وجهها الى الجانب الذي لم ينل العناية المطلوبة في أحسن الأحوال، أي نحو التعرف على وجهة نظر الناس في ظاهرة الفساد القائمة، التي لم يشهد تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها نظيراً لها.

طرح الكاتب على الذين أستطلعت آراؤهم ثلاثة أسئلة مهمة، ومن المفيد هنا إعادتها كما وردت لأهميتها:
1 ـ من هو المسؤول الأول أو الأكبر عن شيوع الفساد في العراق؟. حدد جهة واحدة فقط.
2 ـ حدد ثلاثة أسماء من المسؤولين تعتقد أنهم أكبر ثلاثة فاسدين.
3 ـ ما هي أسباب الفساد من وجهة نظرك؟.

وكانت نتيجة السؤال الأول:
ـ الأحزاب الدينية في السلطة
ـ سلطة الإحتلال بعد سقوط النظام
ـ الأحزاب المشاركة في العملية السياسية
ـ حزب البعث في النظام السابق

إن تلك الأجوبة ذات دلالة مهمة للغاية، وأفترض أن التسلسل الوارد في المقال مؤشر على أعلى النسب الى أقلها، ولكن مع الأسف فإن غياب ذكر نسبة كل طرف في العينة قد قلل أو غيب الأهمية الإحصائية ودلالاتها السياسية والبحثية، ولا أظن أن الباحث لم يلتفت الى ذلك، وربما كان دافعه لعدم الإشارة الى النسب المئوية محدودية أعداد أعضاء العينة.

وبالنسبة الى السؤال الثاني حول أكبر الفاسدين أشار الكاتب الى أنهم جاؤوا على أساس تنازلي، وكان نوري المالكي على رأس قائمة أسماء الفاسدين، حسب تقدير الأشخاص الذين جرى إستطلاع آرائهم. وإفتقدت قائمة الأسماء النسب التي حصدها كل منهم أيضاً. وما إنطبق على السؤالين الأولين إنطبق على السؤال الثالث، ولكن ذلك لم يفقد التشخيصات الواردة دقتها وملموسيتها، التي تعكس وعي الناس حول أسباب الفساد والعناصر التي تقف خلفه.

يُعد إدراج منتخبات من أجوبة أفراد العينة، التي تحمل مضموناً مميزاً، والذي لجأ إليه الباحث أمراً مهماً، وكذلك الحال بالنسبة لتدوين أبرز الإستنتاجات. وفي الجزء الأخير من المادة قدم الباحث تحليلاً سيكولوجياً حول المحركات أو الظواهر الإجتماعية، التي وفرت المناخ الضروري لتفاعل العوامل السلبية المشجعة والممهدة للفساد نفسياً، ولكن مما يُضعف أهميتها أن المادة بأكملها تفتقر الى الأرقام والمعالجة الإحصائية، التي من دونها قد تجعل المادة الحيوية المقدمة، أو قد يُنظر إليها، وكأنها أقرب الى محاولات إسقاط التقديرات الشخصية على الموضوع المطروح أكثر من أنها خلاصة لجهد علمي يعتمد البحث والفحص الى جانب الإحصاء الإجتماعي ووسائله. وأخيراً، تظل الموضوعة المطروحة هامة، وتستحق المزيد والمزيد من الجهد الفردية والمشترك، وفي كل الأحول كانت المادة ممتعة ومثمرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون