الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 11 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


على صفحته كتب الصديق العزيز عبد الجبار الغساني الهيتي هذه الرسالة:
-
الى .... ناعور الشعر الأخ الشاعر قحطان محمد صالح الهيتي.
-
كان يقف على غير موعد في مكان عام ، فمرت ملهمته ومن مكانها في حنايا قلبه ومقل عيونه، فمرت ولكن بصحبة أهلهـا، لحظته بنظرة حركت شاعريته، وعلى جناح حمامة عاشقين كتب اليها:
-
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
مخافــــة محــزون ولــم تتكلـــمِ
-
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا
وأهـــلا وســهلا بالحبيـب المتيمِ
-
فو الله لولا الله والخوف والرجــا
لعانقتهــا بين الحطيــم وزمــزمِ
-
واختتم رسالته بالقول: لك أنت يا دكتور حرية الإجابة إذا شئتَ. وقد وعدت الصديق العزيز بالكتابة عن الموضوع، وها أنا أكتب له ولكم فأقول: إن الأبيات التي ذكرتها، هي من قصيدة تنسب الى الخليفة يزيد بن عبد الملك، وتعد واحدة من أجمل وأرق قصائد الغزل، وفيها مشاعر حب رقيق،وبها ثورة عشق يكاد يصل إلى حد الجنون، وبها وصف رائع لا يتسع المجال لذكره، واكتفي بهذه الابيات منها:
-
خـــذوا بدمــي ذات الوشــاح فإننـي
رأيــتُ بعيـــني في أناملــها دمـــي
-
أغــــار عليهـــــا مــن أبيــــها وأمهــا
ومن خطوة المسواك إن دار في الفـم
-
أغـــار علـــى أعطافـــها مـن ثيابهــا
إذا ألبستهــــا فــوق جســـم منعـــم
- ِ
وأحســــد أقداحـــا تُقـبـــلُ ثغرهـــــا
إذا أوضعتهـا موضع المزج ِفي الفم ِ
-
لها حكــم لقمـان وصـــورة يوســف
ونغـــمـــــة داود وعـفـــــة مـريــــــم
- ِ
ولي حـزن يعقـوب ووحشـه يونـس
وآلام أيـــــــــوب وحـســـــــــرة آدم ِ
-
مدنيـــــة الألحـــاظ مكيــــة الحشـى
هلاليـــــة العينيـن طائيــــة الـفــــم
- ِ
أشــارت بطـرف العين خيفـة أهلهـا
إشـــــارة محـزون ٍ ولــــم تتــكـلـــم
- ِ
فأيقنــت أن الطرف قـد قـال مرحبـا
وأهــــلا وســهـلا بالحبيـب المتيـم
- ِ
فو الله لـــولا الله والخـوف والرجـــا
لعانقتهــــا بيـن الحطيــم ِ وزمـزم ِ
-
وقد أدى هذه الأبيات مقاما أكثر من مطرب، ومنهم الفنان فؤاد سالم، وهناك حكاية تروى في كتب الأدب عن هذين البيتين وهي:
-
قيل كان بالمدينة قينة من أحسن الناس وجهاً ، وأكملهم عقلاً ،وأكثرهم أدباً. قد قرأت القرآن وروت الأشعار، وتعلمت العربية؛ فوقعت عند يزيد بن عبد الملك بمنزلة فأخذت بمجامع قلبه، فقال لها ذات يوم: أمالك قرابة أو أحد تحبين أن أضيفه أو أسدي إليه معروفاً؟ فقالت: يا أمير المؤمنين أما قرابة فلا، ولكن بالمدينة ثلاثة نفر كانوا أصدقاء لمولاي، وأحب أن ينالهم من خير ما صرت إليه؛ فكتب إلى عامله بالمدينة في إحضارهم إليه، وأن يدفع إلى كل واحد منهم عشرة آلاف درهم. فلما وصلوا إلى باب يزيد استؤذن لهم فدخلوا عليه؛ فأكرمهم غاية الإكرام وسألهم عن حوائجهم، فأما اثنان فذكرا حوائجهم فقضاها، وأما الثالث فسأله عن حاجته؟ فقال يا أمير المؤمنين مالي حاجة فقال: ويحك ولم؟ ألست أقدر على ما تطلب؟ قال، بلى يا أمير المؤمنين ولكن حاجتي ما أظنك تقضيها فقال: ويحك سلني، فإنك لا تطلب حاجة إلا قضيتها.
-
قال ولي الأمان يا أمير المؤمنين؟! قال: نعم ولك الأمان، فقال: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تامر جاريتك فلانة التي أكرمتنا من اجلها أن تغني لي ثلاث مرات أشرب عليها ثلاثة أرطال فافعل، قال: فتغير وجه يزيد، وقام من مجلسه ودخل على الجارية، وأعلمها، فقالت: وما عليك يا أمير المؤمنين؛ فأمر بإحضار الفتى على كرسي ثالث، ثم دعا بصنوف الرياحين والطيب، فوضعت ثم أمر بثلاثة أرطال فملئت، ثم قال للفتى سل حاجتك، فقال: تامرها يا أمير المؤمنين أن تغني فغنت:
-
لا أســــتطيع ســـــلوّاً عـــن مـودتهــــا
ولو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا
-
أدعـــو إلى هجــرها قلبــي فيسعدني
حتـــى إذا قلــت هـــذا صادق فزعــا
-
ثم شرب يزيد وشرب الفتى، وشربت الجارية، وقال للفتى: سل حاجتك فقال: يا أمير المؤمنين تأمرها أن تغني فغنت:
-
مني الوصال ومنكم الهجرُ
حتــى يفرق بيننــــا الدهرُ
-
والله لا أســـــــلوكم أبـــــداً
ما لاح بــدر أو بــدا فجــرُ
-
ثم شرب يزيد وشرب الفتى، وشربت الجارية ،وقال للفتى: سل حاجتك، فقال يا أمير المؤمنين تأمرها أن تغني فغنت:
-
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشــــارة مـحــزون ولــــم تتكلم ِ
-
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا
وأهــلاً وســهلاً بالحبيب المتمم ِ
-
قال فلم تتم الجارية الأبيات حتى خرّ الفتى مغشياً عليه، فقال يزيد: للجارية قومي انظري إليه ،فقامت وحركته فإذا هو ميت، فقال لها يزيد: ابكيه. فقالت يا أمير المؤمنين: لا أبكيه وأنت حي، فقال ابكيه فو الله لو عاش لما انصرف إلا بك؛ فبكت الجارية، وبكى أمير المؤمنين بكاء شديداً، ثم أمر بالفتى فجهز ودفن، وأما الجارية فلم تمكث بعده إلا أياماً قلائل وماتت.
-
كتبت هذا برا بوعد قطعته على نفسي، وكتبته على وفق ما ورد بالمصادر الخاصة بالأدب والتراث العربي وبحسب المسميات الواردة فيه، كونه أدبا جميلا رقيقا بعيدا عن أية أهواءٍ أو ميول أو عواطف لا علاقة لها بالأدب الرفيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على