الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة ومعيقات التفلسف

الشدادي عزالدين

2015 / 11 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الدرس الفلسفي ومعيقات التفلسف

عزالدين الشدادي *

مدخل :

يعد الدرس الفلسفي داخل النظام التعليمي فرصة مميزة لتعلم قواعد التفكير السليم والوعي الهادف والنقد البناء ، ومحاولة لتجاوز مختلف التمثلات المشتركة والعامة الخاضعة لمعايير العادة والمألوف والمتداول إلى معارف خاصة ذات طابع علمي دقيق وممنهج خاضع لمنطق سليم ووعي محكم ، وتجربة الدرس الفلسفي داخل مؤسساتنا التعليمية ، وجعل الفلسفة مادة مدرسية تجربة نوعية للرشد الفكري والنضج الوجداني ، وهي بهذا الشكل عملية للتعلم وممارسة التفكير بحرية ووعي خالصين مع استقلالية في السؤال والتحليل والنقد ، وهي نفس القواعد التي تأسس عليها منهاج المادة واعتبرها ركائز وضرورات لا غنى عنها في عملية التفلسف نظريا ومنهجيا .
لكن بالرغم من هذه الأهمية وهذا التركيز ظلت عملية التفلسف ( بالمعنى الكانطي) تعترضها العديد من الاكراهات الموزعة بين الزمن واكتظاظ الأقسام (40/47 تلميذ) وغياب ظروف عمل ملائمة ولائقة تسمح للعقول بممارسة حريتها الفكرية في هدوء وسلام ، الأمر الذي جعل عملية التفلسف معرضة للعديد من التجاوزات البيداغوجية من جهة والمعرفية من جهة ثانية.
وهو نفس الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل :
أين تكمن هذه المعيقات ؟ وما السبيل إلى تجاوزها أو إلى تصحيحها ؟ هل للبيداغوجيا دور في ذلك ؟ وهل هناك طريق يحدد معالم نقد بناء ووعي خالص ؟ وهل تتماشى المقاربات البيداغوجية مع روح التعلم والنضج الوجداني ؟



أولا : الفلسفة والتمثلات

يتم تعريف التمثلات بكونها أنساق تفسيرية وتأويلية يوظفها المتعلم كي يفهم ما يحيط به بكيفية تتعارض في أغلب الأحيان إن لم نقل دائما مع قواعد العقل والمنطق ، وتظل هذه التمثلات موجهة لفكر الأفراد سلوكا وفعلا لتحدث بذلك نوعا من الاختلال في التوازن الذي هو شرط ضروري لنمو وتعلم سليمين ، ولتحقيق ذلك ينبغي تجاوز هذه التمثلا ت بغية تحقيق إدراك واضح وخالي من شوائب الاعتقاد السائد وذلك من خلال اعتماد وضعيات بيداغوجية ملائمة ومناسبة لمستوى نمو الافراد والمتعلمين .
تتشكل هذه التمثلات من آراء متداولة ونمطية يتلقاها الافراد بشكل مباشر من وسطهم الاجتماعي ، ولكي يتم التخلص منها ينبغي ممارسة الشك علة مكوناتها ونقدها وفحصها من الداخل ويوضح لنا الفيلسوف الفرنسي Réne Descartes في تأملاته الفلسفية مكونات هذا الفحص ، فضروري حسب رأيه الابتعاد عن كل ما تلقيناه عن طريق الحواس بغية الوصول إلى اليقين والوضوح والبداهة ، وهذا لن يحدث إلا من خلال عملية الشك وهوشك في كل ما تلقيناه من معارف وأفكار منذ نعومة أظافرنا .
تظهر التمثلات إذن كعائق أول ينبغي تجاوزه لفهم مكونات الدرس الفلسفي ، وكذلك تظهر كعائق إبستمولوجي وبيداغوجي إذا لم يحسن المدرس التعامل معه بحذر وذكاء في الوقت نفسه .

ثانيا : الفلسفة والبيداغوجيا

نتج عن هذه العلاقة ( الفلسفة والبيداغوجية) نقاشات وسجالات لا زال صداها إلى حد الان مدويا في مختلف النقاشات والملتقيات الفكرية والتربوية ، وقد أفرز لنا هذا السجال موقفين متعارضين :
-;- موقف مؤيد : رأى أصحاب هذا الموقف أن استخدام البيداغوجيا داخل الدرس الفلسفي مسألة ضرورة وأمر لا بد منه لتحقيق تعلم هادف وممنهج ، ومن بين رواد هذا الرأي الباحثين الفرنسيين( م.طوزي ، فيليب ميريو) الذين يعتبرون أن البيداغوجيا مسألة مهمة داخل حقل التعليم .

-;- موقف معارض : رأى أصحاب هذا الموقف أن الفلسفة قادرة على الدفاع عن نفسها وإدخال البيداغوجيا أو تحويل الفلسفة كممارسة بيداغوجية يفقد الفلسفة شموليتها وكونيتها ، وان كل ممارسة بهذا الشكل ستنسف لنا حرية التفكير والنقد .

نتيجة لهذين الموقفين تصبح البيداغوجيا مسألة منهجية وعائق في الوقت نفسه ، مسألة منهجية من خلال جعل المتعلمين يكتسبون كفايات من خلال الممارسة ، وعائق إبستمولوجي وبيداغوجي عندما لا يأخذ المدرس بعين الاعتبار التمثلات ومختلف التصورات القبلية لدى المتعلمين .

خلاصة :
هناك معيقات عديدة تتعلق بعدم تحقيق عملية التفلسف وما التمثلات وكذا البيداغوجيا إلا جزء ضئيل منها ، وهنا يصبح التساؤل مشروعا حول إعادة بناء تصور تربوي علمي يهدف إلى جعل الدرس الفلسفي درسا بناءا ، ولتحقيق ذلك لا بد من التركيز على الممارسة الفصلية باعتبارها الأساس في تجاوز كل عائق يعترض تحقيق عملية التفلسف ، بالإضافة إلى ربط ما هو نظري بما هو فصلي عملي ، فغالبا ما هو نظري يكون صائبا وصالحا لكن ليس لمختلف البيئات ، بل لبيئة معينة ومحددة .











*أستاذ الفلسفة بالسلك الثانوي التأهيلي

الهوامش :
التوجيهات التربوية وبرامج تدريس الفلسفة بسلك الثانوي التاهيلي . نونبر 2007
René Descartes. Méditations Métaphysique. Flammarion. Paris.1979.Première Méditation








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بالوظيفة.. يمكن أن تصبح مليونيرا


.. صباح العربية | تطبيقات بالذكاء الاصطناعي.. ستنظم رحالاتك ال




.. -صناعة المحتوى تحقق الثراء-.. صانع المحتوى أحمد الجمل يوضح أ


.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب




.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين