الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احداث باريس وشهية المسلمين

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


احداث باريس وشهية المسلمين

ها قد عاد الإسلام مرة أخرى متصدرا المشهد السياسي والاجتماعي في كل أنحاء العالم ، ليس بسبب تفوق بعض أبنائه علميا أو تكنولوجيا، وليس بسبب اكتشاف بعض علمائه المسلمين لطفرات جينية أو مستحدثات كونية، بل عاد إلينا مع صيحات الله أكبر لبعض أبنائه ليقتلون ويذبحون ويرهنون البشر كضحايا لإجرام لا ينتهي، ولن ينتهي بالتأكيد كما هو واضح من تواتر قيام العمليات الإرهابية بحصد الأرواح بين فترة واخرى، لأن حلول المسلمين، أفراد وحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، لمواجهة الإرهاب الإسلامي لا تتعدى الاستنكار والشجب والإدانة دون أي ردة فعل حضارية أو إنسانية أو عملية تتوافق مع حجم الكارثة التي صنعوها حين جعلوا من الدين مصدرا للحكم، وحين استمدوا قوانينهم من الشريعة الإسلامية، متناسين أن الأديان لم تكن إلا مجرد حالات إيمانية فردية ولا يمكن أن تكون دولة وقانون ابدا ابدا، فهكذا تحدثت صيرورة التاريخ، وهكذا تقدمت الأمم المحترمة.
إن ما حصل في باريس وغيرها من الدول الغربية أو العربية من عمليات إرهابية إسلامية كان الضحية فيها الإنسان، وهو الإنسان الذي يدعي المسلمون بأنه خليفة الله في الأرض ليعمرها ويبنيها، لكن ما حدث هو العكس تماما، حيث مورس ضد الإنسان أشد أنواع التنكيل والتعذيب والقتل بوحشية لمجرد اختلاف الدين أو المذهب أو الرأي، ولم يمارس هذا النوع من القتل سوى المسلمون في تاريخهم القديم والحديث، فإن كانت الأديان الأخرى قد تم أنسنتها وتقليم أظافر نصوصها الداعية الي العنف والقسوة، وإرجاع كهنتها الي الأديرة والمعابد، بعد مخاضات وويلات وحروب عاشتها الشعوب الغربية، إلا أن الفكر الإسلامي ظل الي اليوم حرا طليقا يمارس شتى أصناف العداء والكراهية والتمييز، بدءا من المجتمع المغروس فيه، ووصولا الي دول العالم لنشر أفكاره وإقامة الخلافة على اجساد الضحايا وجماجم الشعوب الكافرة. والطامة الكبرى أن يتم نشر هذه المفاهيم وهذا الفقه وهذه الكراهية، في التعليم ومن فوق المنابر وعلى شاشات التلفزيون والقنوات الفضائية، لنحصد كشعوب أسوأ أنواع التسويق الديني، وأفشل أنواع البشر الراغبين في التقدم والتطور.
تحت ظل هذه الأفكار الدينية، ومن خلال الآلة الإعلامية الجبارة، وعبر دعم الأنظمة العربية الفاسدة للكهنوت الإسلامي، علينا أن نتساءل، أو يتساءل من يريد أن يعيش حرا في مجتمع يكون فيه الإنسان أولوية .. علينا أن نطلق السؤال الأكثر جرأة وصراحة، علينا أن نعترف بسبب الأزمة، بل علينا أن نقول بأن هناك أمرا ما يقف خلف ويدعم الإرهاب الإسلامي .. هذه الصراحة والمكاشفة هي من تعجل بانطلاق الحلول الحقيقية وتقف بالمرصاد ضد من يحاول الكذب والنفاق والاستفادة من تمييع الأزمة والبكاء عليها ليحصد هو الثمن عاليا في البنوك او الحظوة السلطانية، وهو ما يمارسه كهنة الدين وغالبية النخب الثقافية والعلمانية حين عجزوا عن مواجهة الحقيقة وآثروا الصمت أو استخدام لعبة تجميل القبيح.
في كل عملية ارهابية تقوم بها داعش أو غيرها من التيارات والأحزاب الإسلامية، تبدأ وتنطلق الغزوة من ديباجة دينية يتم فيها استخدام النصوص الدينية والأحاديث الفقهية لدعم شرعية العملية الجهادية. هنا نحن أمام دافع ومؤمن وفكرة، إذن نحن بالتالي أمام جريمة متكاملة الأضلاع، فلا يمكن أن يمارس أي متهم جريمته دون وجود دافع حقيقي وإلا لأصبح شخصا معتوها.. وهنا أيضا فلت من يدعم عمليات الارهاب الاسلامي من العقاب لانهم وبكل بساطة لا يتم اتهامهم بتشجيع بعضهم البعض على قيام غيرهم بالعمليات الارهابية، فالأفكار الدينية موجودة في كتبهم الدينية وفي مناهجهم التعليمية وفي معابدهم الدينية، وهو ما يعني وجود الدافع والمؤمن والجريمة، وهو ما يعني اننا أمام جريمة متكاملة الأركان، يكون فيها الكتاب الديني احد المتهمين الرئيسيين في أي عملية ارهابية.
فالأيديولوجية الدينية، والدين نفسه بما أنهما، في العقل العربي المسلم نسقا واحدا، استطاعت بكل اندماج بالدولة والسياسة والتعليم، من بناء أشد الموانع لتحرير الإنسان العربي من ربقة الغيب والقدر والعنف، فغالبية الشعوب العربية والاسلامية ألغت العقل في مقابل أن تعبث بها ثقافة الغيبيات والقدريات والشموليات الدينية والمذهبية. ففي مقابل التعلق بأوهام الخلافة الإسلامية، وفي مقابل التغنّي بأحلام الأمة الإسلامية، وفي مقابل السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية، لم يتم الاعتراف بالإنسان كائناً حرا صانعاً لوجوده واختياره وقراره وحريته، بل أرادته الايديولوجية الدينية حطاماً تتفرد به السلطة الدينية ورجال الدين والفقهاء ليفترسونه بتعاليمهم وباعتقاداتهم وبيقينياتهم وبتوجيهاتهم وبشمولياتهم، وذلك مقابل القفز على القانون المدني لأنه بشري وأرضي وقاصر عن الإلمام بكل شيء. إن من يرى في الأدلجة الدينية قوةً وبريقاً وجمالاً أرفع من العقل وأثمن من الإنسان وأكبر من الوطن، سيرى نماذجَ بشرية دينية أصولية ارهابية، تستفرغ في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي مناخات التعصب الطائفي والديني والقومي والماضوي، وسيرى في النهاية أن عقله وإنسانيته قد تلطخا في أوحال الطائفية والموت الخراب.
يقبع تخلف العرب والمسلمين في مدارات العقل نفسه، في طريقة التفكير واتخاذ الرأي والقرار، في مجموعة العادات والتقاليد والدين، في تاريخ من الكراهية والتعصب والانتقام الذي لم ينتهي منذ عصر دولة الخلافة الأولي. لقد أصبحت محددات التفكير ومنهجية التعاطي مع القضايا والأزمات في عصر اليوم نابعة من أزمات سابقة وليست منفصلة عنها، فمن يود أن ينطلق الي التقدم لا ينظر الي الماضي، ولا ينظر الي أفراد عاصروا أزمانا لم تعد صالحة للتعاطي مع أزماننا الحالية، بل ينظر الي الأمام، ينظر الي تجارب التقدم بدون حساسية مفرطة من الاختلاف في الدين واللغة والعرق، فإذا لم نفعل ذلك، فستتوالد دول الخلافة ويتكاثر اولاد وأحفاد أبو بكر البغدادي، وحينها لن نسأل سؤال الأمير شكيب أرسلان لماذا تخلفنا، بل سنعيش في الكهوف لنصبح فرجة للأمم المتحضرة في الكون الفسيح.
فحين يصبح الدين دولة، لا يمكن أن نصوغ في الأزمنة الحديثة دولة من العلم والفلسفة. إن مشكلتنا مع الدين ليست مشكلة إيمان، ولكن المشكلة تبدأ حين يبدأ الخلط بين الدين والدولة، وننشئ أجيالا وأجيالا تحارب طواحين الهواء وتقتل على الهوية الدينية، كما تم قتل الأبرياء في باريس وفي سوريا والعراق واليمن وليبيا.
إن المواجهة الآن مع داعش على الأرض، ولكل لنتأمل في كتب المسلمين ومصادرهم ورسائلهم العمليّة ستجد التكفير وأحكام الحرب وأحكام أهل الكتاب هي ذاتها التي يمارسها داعش على الأرض. هذه معضلةٌ فريدة نلمسها واقعاً في بنية الخطاب الديني داخل المؤسسات الدينية، سواء في الأزهر، أو في السعودية أو في إيران. فتشابه المؤسسات الدينية في تلك الدول من ناحية آلية الفتاوى ومنهجية النقل والتقليد والتكفير، أفرزت الصراعات وغياب الإصلاحات الدينية المؤطرة للنهضة وتصحيح المسار. إن الخطوة الصحيحة والأساسية في مواجهة الإرهاب الاسلامي تتمثل في إنتقاد المنظومة الدينية بكاملها، في نقد مصادرها، في تغيير أولوياتها، في تجميد بعض نصوصها الدالة على العنف والكراهية وقتل الآخر، في إلغاء كلّ ما هو خرافيّ ووحشيّ وعنصريّ وتمييزي من النصوص، في تقديم رؤية علمانية جديدة توافق العصر والحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطية، حتى لا تكون شهية المسلمون مفتوحة دائما للقتل والدماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذ عزيز القناعي
Ahmedodah ( 2015 / 11 / 15 - 11:49 )
سلمت الأنامل يا استاذنا القدير .. في الصميم ما اوردت من علة و معلول


2 - الي Ahmedodah
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 11 / 15 - 12:38 )
شكرا لك عزيزي على قراءة المقال

تحياتي


3 - مقال..ولا كل المقالات
ماجدة منصور ( 2015 / 11 / 15 - 14:46 )
نعم أستاذي..كنا و ما زلنا نطالب بتدريس كل آيات التحضر و خاصة تلك التي تبدأ..بياأيها الناس!!0
كنا وما زلنا نطالب بشطب كل الآيات التي تتعارض و العقل و الحس الإنساني السليم0
إذا كان شعور الرجل المسلم يُشكل عليه كل هذا الضغط العصبي..فما بالك أستاذي..بمعاناة المرأة!!0
معاناة المرأة في مجتمع شديد العدائية لنفسه بالدرجة الأولى و للمرأة بالدرجة الثانية..قاسية و مريعة
فما زالت النساء تصلب،،من جراء تلك الشريعة السمحاء،،و ما زال يعتبرها البعض رجس من عمل الشيطان!!!0
ماذا أقول و ماذا لا أقول!!!لقد خلص الحكي0


4 - إلى ماجده
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 11 / 15 - 15:18 )
تحياتي لك ماجده
اتفق معك تماما بضرورة إزالة أو تجميد بعض النصوص والتراث الديني لما يخلقه من كراهية مستمرةولعن متواصل ونفاق اجتماعي يكون نتيجته قتل البشر وتدمير حضارتهم.. وخصوصا المرأة حيث تعاني من ازدراء واضح ولعن متواصل وتعامل سلوكي سلبي وهو ما أثر على مجتمعاتنا بشكل عنفي.
شكرا لمرورك


5 - إلى ماجده
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 11 / 15 - 15:31 )
تحياتي لك ماجده
اتفق معك تماما بضرورة إزالة أو تجميد بعض النصوص والتراث الديني لما يخلقه من كراهية مستمرةولعن متواصل ونفاق اجتماعي يكون نتيجته قتل البشر وتدمير حضارتهم.. وخصوصا المرأة حيث تعاني من ازدراء واضح ولعن متواصل وتعامل سلوكي سلبي وهو ما أثر على مجتمعاتنا بشكل عنفي.
شكرا لمرورك


6 - للجميع
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 11 / 16 - 08:34 )
https://youtu.be/Sa5rHj8ib7k

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran