الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المراد من الزواج..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من معاني الزواج ومقاصده حفظ النوع وتحصين الفرج وعفة النظر لغير ما لا يحل ..كما أن الإنسان فطر على الميل للجنس الآخر ..ذلك أن خواطره تأزه للإقتراب منه والإستئناس به ..فلا يتكلف الطبع في رفضه بل يستحبه ويستصيغه لما في النفس من شوق للبعيد ومن توق لغير ذي ألفة كالرجل للرجل والمرأة للمرأة ..ولو لم يكن باعث لاستجلاب الغير للغير لما حصل المراد ولاستنفر أحدهما من الآخر ولما بدل أدنى جهد في التملق للغريب فلا يحدث بذلك انسجام ولا توافق ..
ومن المعلوم أن الحاجة تدفع للطلب والطلب يأتي بجهد وإلحاح وكلما كانت الحاجة مستعجلة ومستفزة زاد الطلب عليها ..والحاجة للنكاح متأصلة في النفوس السوية وهي الدافع لجلب المقصود إذ بدونها يضعف الطلب وقد يفقد قيمته مع الزمن حتى لا تجد له أثرا ...
لكن العكس لذلك هو الكائن وهو ما يجعل المراد يتم في غالب الأحيان إن لم نقل كلها ..فبعض النفوس تعشق الأنس مع الغير بغير التصاق لعجز فيها لا تقدر لدفعه سبيلا ..فتكفيها قرب القلوب ويكفؤها التعاون على طيب العيش وجلب المصلحة فلكل دوره في البيت المغلق ..فمن يضرب في الأرض لكسب القوت ومن يهم بشغل البيت فيحصل التكامل ..
ولما كان ذلك زادت الحاجة إليه ..والحاجة في سعي إلى الحصول على الأكمل والأجود والأجمل ..وهذا معلوم في النفس البشرية فهي عن الكمال تبحث وعن الأفضل في طلب مديد ولا يسترضيها إلا ما يقلقها السعي إليه ...وكلما كان الغير أرقى وأصلح كلما ابتغاه الغير الآخر ..ولا عجب أيضا ففي ذلك حكمة أخرى وهي كمال النسل ..ذلك أنه من أراد نجابة الولد وقضاء الوطر اصطفى من الغير ما يقع في نفسه وقع سحره ومن يجذبه لبه وسريرته إليه ..فكلما كان الغير مشتهى كلما دعى ذلك إلى استفراغ الماء كله بكمال اللذة حين الإفراغ.. وأما إن كان الغير ممن لا تستطيبه النفس لذمامة في صورته أو لقبح في طبعه أو لسوء قد بدر منه حصل الإحتقان حين الكف من انقضاء الوطر .وهذا كلام بالعلم والتجربة مثبت .فإن أردت معرفة ذلك قس مقدار خروج الماء في المحل المشتهى ولا يحتاج ذلك لمزيد بسط ..فالفهم يغني عن ذلك ..ولهذا كره نكاح الأقارب لما فيه من قبض النفس من انبساطها ومدح نكاح الغرائب لهذا المعنى ..
ثم ينبغي على المتخير أن يتفرس في الأخلاق فإنها من الخفي وإن الصورة إن خلت من المعنى لا تصلح لشيء ..فمصير الصورة إلى زوال بالألفة وكثر التعود ويعوضها في ذلك حسن التبعل وطيب التعايش وحلاوة الصنيع فإن لم يتحقق كل ذلك بعد الزواج انتفت الصورة وبيعت بأبخس الأثمان .وانصرف البصر إلى غير آخر...وإن تكاملت الصورة مع الجوهر وحصل التوافق مع الغير بالصبر والتنازل تارة والإستحسان والتلطف والتودد تارة أخرى نَعُمَ الغيرين برغد العيش وأْتَنس كلاهما ولم يستوحش أحدهما الآخر ..وهذا لا يتأتى إلا لمن فهم معنى الزواج ومن خطط قبل الشروع فيه ..فلا يكفي حسن الإختيار للغير فقط بل يجب أيضا على الغير الذي اختار أن تكون له نفس الحظوظ من المختار إن لم تكن أكمل منها ..أما إن كان الذي اختار قاصرا فقد أخل بالعقد وطلب في غيره ما ليس فيه.. وذلك ليس من العدل فلا يتكامل بعد ذلك الإثنان إلا باجتهاد المقصر وبتسامح من عهد منه الكمال حتى يصير التوافق والإلتقاء في الوسط ...
ولما كانت النفس تمل من القديم وتأمل في الجديد ما استغنت عليه في ما قدم حتى وإن تشابه الجديد مع القديم في الظاهر .. فقد لا يكون الحال كذلك بالنسبة لهوى النفس التي لا تبصر إلا القاصي ولا تتمنى إلا ما ليس تملكه ..فبعد حصول الزواج وبلوغ المراد تهدأ النفس من اشتياقها وولعها وتخلد للضجر من ما تعودت عليه ..فيصير الغير الذي كان مرغوبا بالأمس قبيل الزواج وفترة الخطوبة وحين شهر العسل كمثل اللباس الذي اشتريته أمسا وارتديته حتى ما عدت تطيقه ..وكأثات البيت الذي تعودت النظر إليه حين دخول البيت..فلا تعود تشعر بوجودها لاعتيادك إياها فلتبلد الشعور ناحيتها.. وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها فمهما كان وهج الإشتياق واللهفة لا بد أن تخبو وتسطو العادة عليها فتغرقها كما يغرق هوى الجديد ألفة القديم وكما يستر الأمل في الحاضر شقاء الماضي ..
ولذلك كان لزاما على مشروع الزواج أن يخالطه الضجر وأن يتسلل إليه الروتين والرتابة لتشابه الأحداث وتماثل توقع القادم من الغيرين ..وذلك مما يدعي القنوط والتوثر وينغص رغد العيش.. فكان علاجه يقتضي دفعه ولا يدفع إلا بضده ..ومن ضده التغيير والتجديد من الغير للغير ..ومن ذلك تغيير الأكل والديكور واللبس والتزين والكلام ..ومتابعة الإقبال إدبارا ..واسترسال التغنج تمنعا ..فذلك مدعاة لتأجيج العاطفة وتشويق النفس لِنَفَسٍ جديد ..وينبغي كذلك أن يحرص الغير على أن لا يطلع على عورة الغير الآخر وأقصد بالعورة هنا ما تأبى أن تبوح به النفس من مكنوناتها الخاصة ومن أسرارها الدفينة ..ولذلك فالحرص على الإطلاع على ذلك من الآخر كمن يفتح باب المرحاض على شخص وهو يقضي حاجته !! فالحذر الحذر من ذلك ولا تحسبن أن الزواج انكشاف تام والتقاء أرواح وبوح بكل المكنون لتحصل الشفافية فذلك اعتقاد خاطئ !!.
وكذلك بأن يجتهد إلى ستر ما قد يعلم وأن لا يحاول التصيد للخطأ والجري وراء الإحراج لإثبات الذات وإرضاء الكبرياء فذلك يفقد القيمة عند الآخر ويورث الحقد وطلب التنفيس والثأر والمقام في غنى عن ذلك ..ونسأل من الله التوفيق للسديد من هذا الفعل وتحقيق الصواب لكل من سعى إليه وإخفاء العيوب لتدوم العشرة ويحصل المراد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران