الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مُوّظَف كُردستاني

امين يونس

2015 / 11 / 17
المجتمع المدني


إستيقظتُ على صِياح زوجتي : .. إنهَض يارجُل ، إنها السادسة والنِصف . قنينة الغاز فارغة ، و" البريمز " خربان .. إجلب لنا الغاز وإشتري صمون وخمسة بيضات ، وإلا فأن الأولاد سيذهبون الى مدارسهم دون فطور .
نهضتُ مُتأفِفاً .. فمن أين أجلب قنينة غاز في هذا الصباح الباكر . قبل أن أخرج من الدار ، حسبتُ ما معي من نقود ، فكانت أحد عشر ألف دينار ( للعِلم والإطلاع ، فأن الدولار الواحد يساوي 1230 ديناراً ) ، حسناً .. قنينة الغاز بتسعة آلاف وخمسمئة ، وخمسةُ بيضات بألف دينار .. وخمسمئة دينار الباقية تكفي لشراء أربعة صمونات فقط .. إذن سأبقى اليوم أيضاً بدون سكائر .
ناديتُ اُم العِيال : هل معك بعض النقود ، فالتي لدي لاتكفي .. أجابتْ ساخطةً مُتبرِمة : من أينَ لي يا سبعي ؟ لاأدري كيف سأتصرف ، عندما ستطلب إبنتنا الصغيرة 250 ديناراً عند ذهابها للمدرسة .. فليسَ عندي في البيت دينار واحد ! .
رجفةٌ خفيفة أصابَتْني جراء البرد اللاسع في الخارِج ... وصلتُ الى السوق القريبة وأنا ألهثُ من وطأة القنينة الثقيلة على كتفي .. توقفتُ أمامَ الفرن ، وطلبتُ صموناً بخمسمئة دينار .. فأعطاني العاملُ ثمانية صموناتٍ بدلاً من أربعة ، مع إبتسامةِ لطيفة .. وكأنهُ كانَ يدرك ، بأن أربعة صموناتٍ لا تكفينا ... أو رُبما يكون قد أخطأ ، فقلتُ لهُ : أعطيتُكَ خمسمئة دينار فقط .. أجابَ بتعاطُفٍ واضح : لايهُم .. شكرتهُ وغادرت مُفكِراً : رُبما عطفَ عليّ بسبب حملي لقنينة الغاز على كتفي .
من دكانٍ بجانب الفُرن .. إشتريتُ خمس بيضاتٍ .. ومن حُسنِ حّظي ، مّرتْ سيارة بيع الغاز في هذه اللحظة .. توقفَتْ .. وأبدلتُ القنينة ، ونبشتُ جيوبي كُلها ، حتى جمعتُ تسعة آلاف وخمسمئة دينار .. قلتُ للسائِق : هل انتَ ذاهبٌ بهذا الإتجاه لُطفاً ؟ قال : نعم . هل بالإمكان توصيلي في طريقك ؟ قال : أهلاً وسهلاً . في الطريق سألني : هل حملتَ القنينة كُل هذه المسافة ؟ قلتُ : نعم .
قرب البيت ، طلبتُ منه التوقُف .. نزلت بتأنٍ حتى لاأكسر البيضات .. شكرتهُ كثيراً . قال ماداً يده : هذه ألفَي دينار ، نذّرَتْها اُمّي ، وأمرَتْني أن أعطيها لأوَلِ مُشترٍ اليوم ... أردتُ أن أعترِض .. لكن نظرتهُ كانتْ مُصّمِمة ومُشّجِعة .. أخَذتها وشكرته ثانيةً . هل حقاً ان اُمّه نذرتْ النقود أم أنهُ أشفقَ عليّ حينَ رآني أجمع بالكاد ثمن القنينة من جيوبي ؟ .
على أية حال ... هذا صباحٌ جميلٌ كما يبدو .. فعامِل الفرن ، أعطاني أربعة صمونات زائدة ، مما يعني ، بأنني واًم العِيال ، سوف نفطُر اليوم حتى نشبَع .. وصاحب قناني الغاز أو اُمّه ، أعطياني ألفَي دينار .. الحمدُ لله .. سأبقي خمسمئة دينار معي لأشتري عُلبة سجائر ، وألف وخمسمئة دينار أعطيها للمَدام لتقسمها على الأولاد .
سأستدينَ اليوم في الدائرةِ ، من بعض زملائي ، ثلاثين أو أربعينَ ألفاً .. رُبما تكفيني حتى الإسبوع القادِم .. وهنالك إشاعةٌ بأن راتب الشهر الثامن ، سوف يُوّزَع نهاية هذا الشهر أي الشهر الحادي عشر ! . آه .. كم سيكون رائِعاً حينَ إستلم راتبي ، حتى أدفع ماعليّ من ديون ، وأوّفِرَ لأولادي ثلاث وجباتٍ مُحتَرمة في اليوم .. صدقوني لا أطمحُ لأكثر من ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وقفه
سامي نوري ( 2015 / 11 / 17 - 23:52 )
وانا فاتح التلفاز وما بين اخبار الحروب والارهاب قلت لتفسي دعني ابدل الموجه فقرءت مقالك الجميل هذا ونقلتني مياشرة الى ايام الحصار في بغداد ايام التسعينيات,,وقلت لنفسي ايها العراقي لا زال هناك الكثير من الزمن لا بد من احتماله لكي تنعم بالراحه شكرا

اخر الافلام

.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?


.. شاهد| نقل نساء وأطفال أصيبوا في قصف إحدى مدارس الأونروا وسط




.. صعود اليمين في الانتخابات العامة يثير قلق المهاجرين في فرنسا


.. عبور الصحراء أخطر على المهاجرين من عبور البحر




.. كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا