الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة جديدة للتاريخ

محمد قروق كركيش

2015 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


***(1)***
التاريخ: مبدأ الترتيب والإتساق

لا أعرفُ ماذاَ يحدثُ لي حينما أحاولُ ترتيبَ الأحداثْ التي تقعُ لي، بصراحة فإني أرى هذه الأحداث بطريقة خاصة لكي يتقبل عقلي منطقيا ووفق نظامه الخاصْ ترتيبها المذهل، يتقبَّلُ العقلُ ببساطة أن هذه الأحداث التي نسميها نحن البشر بالتاريخْ تحدثُ بفعلنا، لكنني حينما أنظر بتأمل صارم هذه الأحداث أجدها تسير في خط مستقيم وفق زمن مستقيم في أمكنة مترابطة.

كيفُ يحدثُ أن تتَّسِقَ كل تلك الأحداث لتكونَ غايةْ؟ أي غاية كانتْ، فالشخص مثلاً يموتُ وفقا للطبيعة البشرية، لكن عاملَ الموت هذا لا يمكن أن يحدثَ إلا وفقا لأحداث مترابطة تؤدي إلى الموتِ حقاً، إني أرى هذه الأحداث بصورة خاصةْ، معظم الناس لا يعيرون ذلك أي اهتمامْ، فيسيرونَ كالعميانْ داخلَ أحداث متسقة فعلاً دون أن يشعروا بذلكَ.

لنعدْ إلى مثال الموتْ، ولتتصور معي أنك مدعوٌّ لاجتماع عملِ مهم من أجل شركتكَ الخاصةْ في مدينة معينة، وطبعا ستأخذ سيارتك، وأنت في الطريق سيتصل بك صديق لتحمله معك لنفس الاجتماع، لنفترض أن صديقك من مدينة أخرى في طريقك للمكان المعلوم، وطبعا ستُجبر لدخول تلك المدينة لأخذه، ولمجرد وصولك سيدعوك صديقك لشرب القهوة أولا ثم الذهاب، وستركن سيارتك، وعند عودتكما ستجد أن السيارة أصابها عطب وأن اصلاحها سيستغرق وقتاً، وبالتأكيد ستفكر أنت وصديقك في طريقة أخرى للذهاب كي لا تخلفا موعد الاجتماع، أكيد ستختاران من بين الحلولِ الممكنةْ أن تذهبا للمحطةْ من أجل اقتناء تذكرتينْ للسفر إلى الوجهة، الحافلة ستنطلق حوالي 9 والربع صباحاً، ولأن أذنكَ ستشاركُ في موتكَ وستكونُ حدثا من أحداث الموتِ فإن هذه الأذن ستسمع من صاحب التذاكر أن الحافلة ستنطلق حوالي الـــ10 والربع عوض الــــ9 والربع، بالتأكيد ستذهبان إلى مقهى من أجل انتظار الساعة المطلوبة، وأنتما في المقهى سينظر صديقك إلى التذكرة، وطبعا لأنَّ عيناهُ ستشاركُ في موتكما فإنه لن يلاحظ في التذكرة سوى الثمن وتاريخ اليوم واسم الحافلة دون أن يلحظ ساعة الانطلاق، وعند عودتكما سَتُسْعَقانِ بالخبر، الحافلة خرجت في الـــ9 والربع، وستقيمان أنت وصديقك شوشرة، حينها سيقول لكما صاحب التذاكر أنكما أخلفتما الموعد، وفعلا حينما ستنظر إلى الساعة الحقيقية في التذكرة ستجدها الــــ9 والربع عوض الــ10 والربع، أكيد ستقتنيان تذكرة أخرى على السريع ولنقل في 11 عشرة، وستركبان معاً حافلة لا تحتوي سوى على الشروط الأدنى للسلامة الطرقية مُجبرين، وبما أن كل الأحداث تترتب في اتساق تام وبطريقة عجيبة من أجل أن تموتا اليومْ، تحدث مشاكل في الطريق، أولها نزول زخات مطرية ستؤدي بالحافلة إلى الخروج عن مسارها، أكيد ستنقلب على الجهة اليمنى، حيث أنت وصديقك تجلسان، وبالطبع ستموتان من بين أشخاص آخرين سيلقوا حتفهم لأنهم شاركوا في الحدث وفق مبدأ الإتساق.

هذا المثال ينصرف على أمثلة عديدة في الحياة، دعني أقول لكم عن كل شيء في الحياة، عن أي كبيرة وصغيرة، أحداث تاريخية تحدث من أجل النجاح، من أجل الإخفاق، من أجل الزواج، من أجل العمل، من أجل الحرب، من أجل السلام، من أجل الشقاء، من أجل كل شيء يمس الإنسان ويمس الحيوان ويمس الجماد، سنعرف طبقا لذلك أن تلك الأحداث التي ندعوها نحن بالتاريخ ليست سوى ركن من الأركان التي وضعها الرب في دستوره؛ القرآن، تحت مسمى القضاء والقدر، أو كما يحب مغاربتنا تسميته المُكْتابْ ، إن التسمية هنا ليست سوى فرق في المفاهيم، لقد وصف الله الأحداث التاريخية بالقضاء والقدر وسميناها نحن البشر بالتاريخ، ليس التاريخ سوى أحداث تقع لنا، نشارك فيها، اعتقادا منا أنها تدعن لنا وتنحني، هنا نكون نحنُ من يصنعُ التاريخْ، نحنُ من يتحكمُ فيهِ، بغض النظر عن كل هذا سنقول ما يلي:إن القضاء والقدر وفق شريعة الرب ركنٌ من أركان الإيمانْ، وقد قالَ لنا أن ندين بالإسلام أن نؤمنَ بأركانه؛ بمعنى أن أي بشري لم يؤمن بالقضاء والقدر وفق دستور الإله فقد خرج عن الشريعة، إن الأمر إذن بغض النظر عن الاختيار أو الإجبار فيه تأكيد ملحْ، تأكيد مسبق من الله عن أن الأحداث كائنة وأنها تحدث بالإتساق، حتى هنا يبدو أن طرح سؤال جوهري عن مفهوم الإتساق أمر ضروري؛ ماذا نعني إذا نحنُ بمفهوم الإتساق ؟

ببساطة، الإتساق بالنسبة لنا ليس سوى أن تتسق الأحداث التاريخية وتتشابك وتترابط فيما بينها بطريقة يقبلها العقل لتتجه بطريقة مباشرة إلى غاية هي نهاية الحدثْ، لنقل بطريقة منظمة يفهمها العقل دون أن يتذوقها جيداً، طريقة تدل دلالة قطعية عن تخطيط مدبَّر مسبقاً، ليس الإتساق عبثا ولا يحدث بطابع الغرابة، ولا يمكن أن نقولَ عنهُ بأنهُ يقعُ صُدفة، سنفهم إذن بأن الإتساق هو تخطيط مسبق للأحداث التي تترابط من أجل هدف، أياً كان الهدف، سنخرج وفقا لما ذهبنا إليه بنتيجة واضحة:ليس الإتساق سوى مبدأ، لا يحركُ التاريخ، ولكنه يكونه ليسيرَ بهِ إلى غاية، والسؤال الجوهري الآن هو؛ من يحركُ الإتساق ليكَوِّنَ التاريخ من أجل أن يسير إلى غايةْ واضحة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت