الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور التربية في صناعة النشء

محمد البورقادي

2015 / 11 / 22
التربية والتعليم والبحث العلمي


تلعب جماعة الأسرة الدور الأول في ترسيخ القيم المجتمعية الصحيحة وتأهيل النشء الجديد وفق عادات متعارف عليها أخلاقيا بشكل يمنعه من الإنزياح أو الشذوذ عن هاته القيم...إذ إن أي انحراف عن منهج التربية الأسرية قد يؤدي إلى تمرد أو جنوح لا يقبل به المجتمع والقانون على السواء...
إن لجماعة الأسرة دورا أساسيا في التنشئة السليمة للفرد داخل الجماعة ..وهي الكفيلة بتهذيب وتخليق الفرد والجماعة داخل المجتمع عن طريق كل ما ترسخه من قيم أخلاقية ورمزية تجعله قادرا على معرفة ضوابط وقوانين المجتمع والإلتزام بها والوقوف عند حدها ...وتبدأ هذه التربية من الجماعة الأولية التي ينشأ داخلها الحدث وهي الأسرة ..ففي هذا السياق يكتسب النشأ أو الطفل اللبنات الأولى والقواعد الأساسية للتربية الجيدة بمساعدة الوالدان اللذان يحرسان على تمرير كل من الرموز الثقافية والرأسمال الرمزي الذي نشآ عليه بدورهما ..هذا الرأسمال غالبا ما يكون غنيا بتجارب وملاحضات وخبرات متراكمة عبر عقود طوال لتجد طريقها وامتدادها في الجيل الصاعد ..أي الأبناء..فهذا الجيل إذن يقوم بعملية استدخال لكل ما يلحضه من أبواه وفق خطاطات متناسقة تمكنه من التنميط اللاإرادي والمعقلن لقيم ومبادئ يتأسس عليها منهج حياته فيما بعد..هذه العملية هي بمثابة تلقين آلي وتغذية مباشرة منهجية لإعادة إنتاج القيم السائدة وامتدادها ..
فإذا كانت الأسرة هي الجماعة الأولى المسؤولة عن تربية النشء أو الحدث ..فما هي الأسس التي ينبغي أن تتوفر عليها هذه الأسرة لتسهيل تمرير القيم المطلوبة التي تحفض توازنات المجتمع من قبيل قيم السلم وحب الخير والتعاون والتسامح والحوار والإحترام ..كما أن من أنجع الطرق التربوية الإعتماد على التربية بالمثال القدوة ..فالأب والأم لا بد لهما أن يكونا مثالين يحتدا بهما ونموذجين يستقي منهما النشء مقومات تنشئته الإجتماعية ..ولهذا يراعى في النموذج عدة شروط من ضمنها الكمال والإستقامة والتصرف وفق المبادئ السامية والمثل العليا التي دأبت على ذكرها الألسنة حتى استيقنتها القلوب فصارت مسلمة من المسلمات ..فما يوافق مبادئ النجاح والإلتزام هو بيِّن وما يدخل في دائرة الجنوح والتمرد والطغيان والسير ضد التيار...أي ضد ما ألفته الطبيعة "المجتمع " من قيم إنسانية وحسن تصرف هو كذلك واضح وجلي تزكيه الفطرة الإنسانية وتدعمه الخبرات المتعددة التي يكتسبها الفرد والمعاينات للكثير من مجريات الأحداث الواقعية ..
لذلك يلزم على الأبوان داخل الجماعة أن يكونا قائدين عظيمين للنشء الجديد بأخلاقهما وسلوكهما وكل سكناتهما وحركاتهما ..فما رأوه حسنا كالدأب على الدراسة والمبادرة في التعاون مع الأصدقاء والأقرباء يحسنوه له ويأمروه بفعله وما رأوه بخلاف ذلك من عادات ذميمة كشرب الخمر والتدخين والإنجراف وراء الشبهات أن يقوموا بحثِّه على عدم فعله وعدم الإنسياق إلى سياقاته ..كما يجب عليهما أن يصوبا فكره إن غاب عن التصور السليم والتمثل الصحيح لزيغ أو نسيان أو بتأثير من جماعة الأقران إذا ما أتيح لها يوما التغلل إلى منطلقات تفكيره ..
فالأسرة مما سلف ذكره هي الأساس الأول الذي يُشَيد عليه البناء كله ..فإن صلح صلح سائر عمله وإن فسد فسد سائر عمله ..ومن ثم وجب على هذا البناء أو يكون سديدا ومرنا في نفس الآن ..سديدا بحيث لا تزعزعه نوازع الغير ولا تأثر فيه ..ومرنا بحيث يتم بعده استيعاب منافذ التربية الأخرى وعلى رأسها جماعات الأقران ..ذلك أنه إن لم تنجح الجماعة الأولى في التلقين الحكيم والسديد ستقوم الجماعة الثانية بسد خلل ونقص الأولى مستفيدة من الثغرات ونقط الضعف التي تم إغفالها من طرف الجماعة السابقة ..فإما أن تكون جماعة الأقران صالحة لصلاح تأهيلها من جماعاتها الأولى فتأثر بالإيجاب على القرين الجديد أو أن تكون فاسدة فيكون خلاف ذلك ..
في حديثنا عن التربية تطرقنا إلى ذكر دور الأسرة في الدرجة الأولى.. لكن هناك مؤسسات اجتماعية أخرى تأتي في مقدمتها المدرسة والمجتمع ..واللذان يقومان بدورهما في تفعيل عادات ومعارف أخرى قد تأتي موافقة لمكتسبات النشء من الأسرة ومكملة لها وقد تأتي مختلفة مغايرة عنها ..
فإذا صار هذا التكامل بين وضائف الأسرة والمدرسة والمجتمع ..حقق كل طرف مهمته وساهم الكل في بناء سليم لشخصية الفرد بشكل يتلاؤم وقوانين وضوابط وأبجديات سير مجتمعه حتى يغدو في يوم من الأيام طرفا فاعلا ومؤهلا ومساهما بدوره في هذا الترابط الكلي ..كأن يصبح ضابطا أو رجل أمن داخل مديرية أمن تسهر على مكافحة الجريمة وجنوح الأحداث..وتلك قمة الإنجاز بل منتهى ما تطمح إليه كل مؤسسة تربوية ..لأن هذا هو دليل نجاحها وامتيازها بأن جعلت من أسسها التربوية دافعا لتصويب النشء وتقويم مساره ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران