الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع العباسي – البيزنطي ( 1/3)

محمد يسري

2015 / 11 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



استطاع المسلمون اقامة دولة لهم في شبة الجزيرة العربية وعملوا على التوسع المطرد في النواحي المتاخمة لدولتهم وقد وجدوا ان الأراضي القريبة منهم والواقعة تحت سيطرة الامبراطورية الفارسية الساسانية شرقا والأراضي الواقعة تحت الحكم الروماني البيزنطي غربا هي التي تشكل مناطق ذات ابعاد استراتيجية هامة لدولتهم الناشئة.
وقد استطاع العرب المسلمون التوسع في تلك الأراضي بسرعة مبهرة فلم تحل سنة 650 م/29هـ حتى كانت سوريا والقسم الشرقي من اسيا الصغرى والعراق وفلسطين ومصر وجزء من الولايات البيزنطية في شمال افريقية قد دخلت تحت الحكم العربي
ومع نهاية القرن السابع فتح العرب افريقية كلها وبدوا يتطلعون الى فتح شبه الجزيرة الايبيرية وهو ما تحقق فعلا في بدايات القرن الثامن الميلادي.
ولم يقتصر المد الإسلامي في الأراضي البيزنطية على التوسع البري وحسب -بل ان العرب المسلمين الذين كانوا حديثي العهد بركوب البحر -قد استطاعوا
عام 655م ان يهزموا الاسطول البيزنطي في معركة ذات الصواري وبذلك استطاعوا ان يشاركوا البيزنطيين السيطرة على البحر المتوسط وان يستولوا على بعض الجزر الهامة في البحر المتوسط.
وقد تغير شكل العلاقات السياسية والحربية بين دول الاسلام المتعاقبة مع الامبراطورية البيزنطية فبينما كان الخلفاء الراشدون ينظرون الى التوسع في أراضي الإمبراطورية على كونه نوعا من الجهاد ونشر الدين الإسلامي في ارض جديدة الا ان الدولة الاموية قد وجدت في أراضي البيزنطيين ميدانا واسعا لتوسيع رقعة ملكهم وفرض نفوذهم.
وحاول الامويون- اكثر من مرة- ان يقضوا على الامبراطورية البيزنطية نهائيا، وان يفتحوا عاصمتها المنيعة القسطنطينية وقد بدأت تلك المحاولات في عهد الخليفة الأموي الاول معاوية بن ابى سفيان عندما قام بتجهيز حملة بحرية ضخمة شارك بها العديد من الصحابة عام 49هـ ، وبالرغم من فشل الحملة الا ان خلفائه حاولوا تحقيق ما كان يصبو اليه،فقام الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بتجهيز جيش ضخم وصل الى 100 الف جندي و 1800 سفينة حربية وجعل اخاه مسلمة بن عبد الملك قائدا على هذا الجيش ووجهه لغزو عاصمة البيزنطيين.
وبالرغم من الحصار الذي فرضه المسلمون على القسطنطينية لمدة عام كامل الا ان برد الشتاء القاس ووفاة الخليفة سليمان وولاية الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز الذي كان يريد تأمين الدولة داخليا قبل متابعة الفتوح والحروب كل تلك العوامل قد ادت الى رفع الحصار عن عاصمة الامبراطورية ورجوع الجيش الأموي الى قواعده عام 100 هـ.
ومع نهاية عصر الخلفاء الاقوياء في دولة بنى امية، بدأت فكرة فتح القسطنطينية تبتعد شئيا فشيئا عن الخلفاء الذين انشغلوا بمشاكلهم الداخلية والثورات التي ضربت الدولة الاموية في عدد من المناطق.
وبذلك خف الضغط عن الامبراطورية البيزنطية وبذات تحدث عدد من المناوشات على الحدود بين الدولة الاموية والامبراطورية البيزنطية.
وقد تزامن مع الضعف الذي اصاب الدولة الاموية بعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك عام 125 هـ، تزامن معه حدث اخر وهو صعود نجم الدعوة العباسية التي استغل اصحابها الحالة المضطربة التي تمر بها دولة الخلافة وقاموا بالترويج لفكرة الرضا من ال محمد الذي يقيم الحق والعدل بدلا من الظلم والجور.
وبالفعل استطاع دعاة العباسيين ان يثوروا في أكثر من مكان وان يستولوا على بعض الاقاليم من الولاة الامويين وهزموا مروان بن محمد اخر الخلفاء الامويين في أكثر من موقعة، وطارده صالح بن على العباسي حتى قتله في 17 من ذي الحجة سنة 132 هـ / 17 اغسطس سنة 750 م وتم احتراز راس مروان بن محمد وأرسل الى الكوفة ليشاهده ابن العباس اول الخلفاء العباسيين
وكان من الطبيعي ان يبدا العباسيون في تنظيم دولتهم وان يقضوا على الثورات التي اندلعت في بدايات عهدهم فشغله ذلك عن استئناف الجهاد ضد البيزنطيين بعض الوقت وتجدر الاشارة هنا الى ان الصراع العباسي البيزنطي قد اخذ شكلا مغايرا عن الصراع الأموي- البيزنطي فان كان الامويين قد نظروا الى صراعهم مع الامبراطورية على كونه صراع وجود يوجب القضاء نهائيا على الامبراطورية البيزنطية والاستيلاء على عاصمتها الا ان العباسيين قد نظروا في صراعهم مع البيزنطيين على انه صراع وجود لا يتعدى فرض السيطرة والاستيلاء على بعض المراكز الهامة للجانب البيزنطي مع تأمين الحصون الحدودية بين القوتين.
ويرى د. السيد عبد العزيز سالم ان هناك سببين مهمين لتغيير شكل الصراع بين العباسيين والبيزنطيين عن شكله السابق في عهد الامويين
السبب الاول وهو قلة اهتمام البيزنطيين بالبحرية في هذا العهد
السبب الثاني تحول سياسة العباسيين الى الشرق
وقد حاول البيزنطيين استغلال انشغال العباسيين بتثبيت قواعد دولتهم الناشئة فقام الامبراطور قسطنطين الخامس بمهاجمة منطقة الثغور الجزرية واغار على كل من ملطية والحدث وعندما عرف ابن العباس السفاح بذلك امر بتجهيز الجيوش للرد على ذلك العدوان الا ان الموت عاجله عام 136 هـ
استطاع الخليفة العباسي الثاني ابو جعفر المنصور ان يستعيد ملطية وان يحصنها ويعيد بناء اسوارها وقام بعقد معاهدة عام 139 هـ مع الامبراطور قسطنطين وبموجب تلك المعاهدة توقفت الغارات بين القوتين حتى عام 146 هـ
وقد اهتم المنصور بضرورة تجهيز العسكر والاجناد في حالة وقوع الحرب مع البيزنطيين فقام ببناء مرعش والمصيصة كما بنى مدينة الرافقة عام 155 هـ على الفرات وشحنها بالجند الخرساني لتكون مركز عسكري هام له في حالة الحرب
وسار المهدى على نفس سياسة ابيه، فحصن العديد من المدن والحصون الواقعة على الحدود بين الدولة العباسية والامبراطورية البيزنطية واهتم بطرسوس والحدث وعندما قام الامبراطور ليو الرابع بحملة ضد سميساط عام 159 هـ قام المهدى بحملة مماثلة للرد عليه وقد وصلت حملة المهدى حتى انقرة ولكنها لم تحرز أي نتائج.
وفى عام 162 هـ اغار البيزنطيون على حصن الحدث فخربوه وهدموا اسواره فأرسل المهدى قائده الحسن بن قحطبة في الصائغة ومعه جيش من ثلاثين ألف جندي فقام ببعض الاعمال التخريبية والتدميرية دون أي فائدة، ووجد المهدى انه يجب ان يقوم بعمل أكثر اهمية من ذلك فقام بتجهيز حملة كبيرة وخرج فيها بنفسه ومعه ابنه هارون عام 163 هـ وسار المهدى مع الحملة حتى البستان ثم رجع وترك القيادة لابنه واستطاع هارون ان يفتح حصن سمالو
ولم يلبث ان توفى الامبراطور ليو الرابع فخلفه ابنه قسطنطين السادس الذي كان ما يزال صغيرا فتولت امه ايرين الوصاية عليه وكانت ايرين تخاف من تغلب المسلمين على القسطنطينية ولذلك اثرت ان تعقد الصلح مع هارون الرشيد وان تدفع له الجزية
اما هارون فقد اعتلى كرسي الخلافة بعد فترة حكم قصيرة لأخيه الهادي ولعل من المهم ان نذكر هنا ان هناك عدد من المصادر الاوربية تذكر ان هناك عدد من السفارات الدبلوماسية تمت بين الدولة العباسية والدولة الرومانية المقدسة وان تقاربا في وجهات النظر قد حدث بين العاهلين العظيمين هارون الرشيد وشارلمان ومن الغريب ان المصادر العربية لم تشير اطلاقا لأمر تلك السفارات والهدايا المتبادلة بين الملكين
ويبدو ان مصلحة الرشيد وشارلمان كانت متفقة ضد الامبراطورية البيزنطية والدولة الاموية في الاندلس اذ كانت الممالك الاربعة الدولة العباسية الامبراطورية البيزنطية الدولة الرومانية المقدسة الدولة الاموية في الاندلس تقع بشكل متداخل وتتضارب مصالحهم ومناطق نفوذهم لدرجة جعلت السفارات الدبلوماسية بينهم لها اهمية كبرى.
واستمرت الهدنة التي عقدها بين الرشيد وايرين حتى استطاع نقفور الاول ان يدبر مؤامرة ويصل الى العرش الإمبراطوري.
واستغل المسلمون فرصة انشغال الامبراطور الجديد بحل مشاكله الداخلية فقام القاسم بن الرشيد عام 187 هـ بحملة في اسيا الصغرى وصل فيها حتى مدينة حصن قرة ثم انسحب مقابل الافراج عن بعض الاسرى المسلمين.
ولكن نقفور ما لبث ان نقض اتفاقه مع الرشيد وأرسل له خطابا شديد يتوعده ويهدده به فغضب الرشيد غضبا شديدا وجهز جيش كبير قاده بنفسه واقتحم منطقة الثغور ودمر وخرب الأراضي التي قابلته حتى وصل الى هرقلة وعندما أحس نقفور بالخطأ وخاف على ملكه فطلب الصلح والمهادنة وقام بتأدية الجزية الى هارون وكذلك فقد قام الرشيد بتحصين العديد من النقاط الحدودية المتاخمة للبيزنطيين واقام منطقة جديدة بين شمال الجزيرة وشمال الشام أطلق عليها اسم منطقة العواصم
وجعل قاعدة هذه المنطقة في منبج ورتب فيها جيشا دائما.
توفى هارون الرشيد عام 193 هـ وبوفاته حدث الصراع الشهير بين ولديه محمد الامين وعبد الله المأمون وقد أثر ذلك الصراع تأثيرا كبيرا على سياسة الدولة العباسية الخارجية تجاه الامبراطورية البيزنطية ذلك لان موارد الدولة كلها قد اضحت مستخدمة في الحرب الاهلية وهو الامر الذي اتاح الفرصة للبيزنطيين وخففت من الضغط الواقع عليهم.
ولكن عقب ولاية المأمون وجلوسه على كرسي الخلافة عاد الوضع الى حاله الاول وبدأ الضغط العباسي الممتد على الحدود مع الامبراطورية في الازدياد.
وحاول المأمون التدخل في الشئون الداخلية للإمبراطورية واستغل الفتنة الداخلية التي تزعمها توماس الصقلبي ضد الامبراطور ميخائيل الثاني عام 821 م واخذ المأمون يمد توماس بالمال والسلاح بل ان المأمون قد امر بطريرك انطاكية ان يتوج توماس امبراطورا وامده بجند من العرب والفرس والارمن كل ذلك حتى يصل توماس الى عرش القسطنطينية تحت سيطرة وحكم فعلى من الخليفة المأمون ولكن ميخائيل العموري استطاع ان يقضى على الثورة عام 823م
وبعد وفاة الامبراطور ميخائيل تولى الحكم ابنه ثيوفيلوس عام 829 م واراد ان ينتقم من المأمون فقام بمساعدة بابك الخرمي ودخل في عدة حروب مع المأمون وفى عام 218 هـ امر المأمون ببناء حصن الطوانة وان تسكنه فرق من الجند من مصر والشام والجزيرة
وتوفى المأمون بالقرب من حصن لؤلؤة وكان في طريقه لغزو البيزنطيين.



المصادر
1- ابن الاثير ( عز الدين الجزرى )
- الكامل في التاريخ
تحقيق : ابى الفداء عبد الله القاضي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1987 م

2- ابن الجوزى( أبو الفرج)
- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
دراسة وتحقيق : محمد عبد القادر عطا ، مصطفى عبد القادر عطا
راجعه وصححه : نعيم زرزور ، دار الكتب العلمية ، بيروت، 1992 م

3- ابن خلدون ( عبد الرحمن)
- ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربرومن عاصرهم من ذوى الشأن الأكبر ( 8 مجلدات)
مراجعة : سهيل زكار ، دار الفكر ، بيروت ، 2010 م

4- ابن طباطبا ( محمد بن على )
- الفخرى في الاداب السلطانية والدول الإسلامية
دار صادر ، بيروت ، 1997 م



5- الطبرى(ابن جرير)
- تاريخ الرسل والملوك
تقديم ومراجعة : صدقى جميل العطار ، ( 13 مجلد)
دار الفكر ، بيروت، 2010 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة