الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النبش في الماضي..المورسكيون فجيعة حضارة اسلامية منسية؟؟!

منير ابراهيم تايه

2015 / 11 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الموريسكيون هم المسلمون والأقليات غير المسيحية الأخرى التي حاولت البقاء في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط غرناطة، في يد القشتاليين المسيحيين عام 1492 ميلادي اي انهم "شعب غرناطة المنهزم" الذين تم طردهم بعد سقوط دولة الأندلس في القرن الخامس عشر ميلادي، حيث بدأت معاناة المسلمين واليهود في إسبانيا بعد سقوط الأندلس سنة 1492، مما اضطرهم لتغيير عاداتهم وديانتهم، أو ممارسة شعائرهم في الخفاء إلى أن اتخذ الملك فيليب الثالث قرارا بالطرد النهائي للموريسكيين في عام 1609... انهم أحفاد مسلمي الأندلس الذين تعرضوا للتنصير أو الطرد بعدما قام أبو عبد الله آخر ملوك غرناطة بإمضاء اتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة وعن جميع حقوقه فيها رغم أنه انتزع في حينها بعض الامتيازات لرعاياه ولمسلمي الأندلس لكن وبمجرد تسلم ملك الكاثوليك الحكم في غرناطة حتى تنصل من الإتفاقية و بدأ يجبر المسلمين على اعتناق المسيحية وطرد وقتل من يرفض
لقد عاش المسلمون في إسبانيا قرابة ثمانية قرون، وقد تركت الحضارة الأندلسية الإسلامية أثارا عميقة مازالت ماثلة حتى اليوم في الحياة الثقافية في اسبانيا وفي تقاليدها ولغتها.. ويرجع ذلك إلى طول الفترة الزمنية التي عاشها (الإسباني و الأندلسي) في شبه الجزيرة الإيبرية والامتزاج الذي طبع حياتهما المشتركة و إلى التفاعل الحضاري القوي بين الحضارتين .
كانت الحضارة الأندلسية تمتاز بتفوقها المادي والأدبي ، ولازالت هذه المؤثرات الحضارية ، قائمة الى يومنا هذا، يقول المستشرق الاسباني "الدون برونات" في كتابه (الموريسكسون الإسبان ونفيهم) :" إن السياسة الإسبانية لم تكتف بنفي الموريسكيون ، وما ترتب عن ذلك من نضوب حقولنا ومصانعنا ، وخزائننا، ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب وبربرية (ديوان التحقيق) ، بل تعداه إلى اختفاء الشعر، وشعور الجمال الموريسكي ، والأدب الذي رفع سمعته تاريخيا.
ومن دلائل هذا التفاعل بين الموريسكين والأسبان، أن المورسكين وجدوا في اللغة الفشتالية، متنفسا لتفكيرهم، وآدابهم وأدعيتهم وكتبهم الدينية ، وقاموا بعد فترة بابتكار لغة جديدة تعرف "بالالخميادو " وهي "اللغة الرومانية القشتالية، تكتب بحروف عربية" فكتب الموريسكيون القرآن سرا، مقرونا بشروح وتراجم (الخميادية) كما كتبوا بالخميادو سيرة الرسول ، والأمداح النبوية، وقصص الأنبياء، وبعض كتب الفقه والحديث.
بدأت عملية طرد الموريسكيين في سنة 1609 عندما وقع الملك فيليبي الثالث يوم التاسع من أبريل من نفس السنة، مرسوما لنفي مسلمي الأندلس. وانتهت عملية الطرد في سنة 1614 مع رحيل آخر الموريسكيين من مملكة قشتالة. لكن عمليات مغادرة مسلمي الأندلس لإسبانيا، انطلقت قبل هذا التاريخ، وذلك بعد سقوط مختلف الممالك المسلمة سنة 1492 وتمت عمليات الطرد بشكل ممنهج ومنظم في عهد الملكة إيزابيلا والملك فيرناندو، مع التوقيع يوم 14 فبراير 1502 على مرسوم، يقضي بطرد المسلمين من غرناطه..
هذه القرارات جاءت ختاما لعمليات التعذيب والترويع التي مارسها حكام اسبانيا ضد المسلمين وذلك بعد إطلاق أياد محاكم التفتيش لإجبار كل مسلم على تغيير دينه أو التعرض لأصناف التعذيب والتنكيل وفي النهاية الطرد والتشريد
لقد عانى مسلمو الاندلس ( الموريسكيون) شتى انواعِ التعذيبِ والتنكيل والقتل، على يد الملك فرناندو الثاني، ومروا خلال هذه الحقبة بمعاناة طويلة بلغت ذروتها بصدور مرسوم في التاسع من نيسان 1609 يقر بطرد كل مسلم نهائيا من اسبانيا. علما أن اتفاقية تسليم غرناطة الموقع عليها في 25 تشرين الثاني 1491 بين كبار قادة المسلمين والاسبان قد نصت على احترام المسيحيين لسكان غرناطة المسلمين واحترام ممتلكاتهم وعقائدهم وشرائعهم والابقاء على الشريعةِ الاسلاميةِ كمصدر للقضاء بالنسبةِ لهم، بالإضافةِ الى السماح لهم بالعودة الى اسبانيا في حالِ لم يرق لهم العيش في الدول التي هجروا اليها. غير ان كرادلة الكنيسة المسيحية مارسوا سياسة العنف ضد الموريسكيون، باتباعِ مراسيم تقضي باقتلاعهم من جذورهم التاريخية ومنعِ تداولهم اللغة العربية واجبارهم على الاكل في رمضان وقتل من يمسك متلبسا وهو يصلي الصلاة الاسلامية..! ما دفع الموريسكيون الى اقامة انتفاضتهم الشهيرة (ألبوخارا) ورفعِ السلاحِ ضده، ما دفع الحكومة الاسبانية الى اخمادِ انتفاضتهم واجبارهم على الوقوف بين ثلاث خيارات: إما اعتناق المسيحيةِ، أو مغادرة اسبانيا ، أو الموت بإصدار مرسوم كان عنوانه (تمرد المسلمين).
ان تاريخ الموريسكيين هو تاريخ الصراع بين اسبانيا المنتصرة الموحدة وبقايا العنصر العربي المنهزم بعد سقوط غرناطة وقد بدأت أول فصل فصول هذا التاريخ في القرن السادس عشر حين لجأ الموريسكيين الى إخفاء عقيدتهم اتقاءا للاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له لإجبارهم على اعتناق النصرانية، فقد كانوا يخفون إسلامهم ويظهرون النصرانية .. غير أن الاسبان أدركوا هذه الحقيقة، فأقر القضاء الإسباني تشريع الإبادة العرقية والدينية الذي وضعه البابا في منشور عام 1474م لاستئصال الإسلام ومن بقى من المسلمين في بلاد الأندلس. وقد عرف هذا التشريع "بمحاكم التفتيش" التي كانت تحاكم الناس على نواياهم وعقائدهم وإيمانهم، بعد التفتيش في مكامن أنفسهم وسرائرهم.
لقد كان العام 1609 كانت منعطفا خطيرا وحاسما في تاريخ أسبانيا خلال القرن الحادي عشر الهجري-السابع عشر الميلادي، حيث حددت ملامح ومسارات تاريخية كبيرة، استأثرت باهتمام المؤرخين والباحثين. وبديهي أن يكون الأمر كذلك، فبالإضافة إلى الظروف التي اتخذت فيها قرارات الطرد والسياقات التي استصدرت خلالها مراسيم التهجير، يعتبر حدث طرد الأندلسيين الموريسكيين من أسبانيا مأساة إنسانية بكل المقاييس، وتجربة تاريخية انبثقت وتشكلت في إطار منظومات سياسية مهلهلة، وضمن أحوال اقتصادية متردية، ووسط تصادم ديني وتصدع اجتماعي وثقافي بين المسلمين والمسيحيين حيث وجد الموريسكيون أنفسهم أمام مؤامرة كبرى لتصفيتهم عرقيا ودينيا، فأختاروا سبيل الثبات على الحق والمقاومة معولين على الاستعانة بالدولة الإسلامية والخلافة العثمانية، غير أن الخلافات التي كانت بين هذه الأخيرة وبعض الزعماء المسلمين حالت دون نصرتهم وهم المضطهدون في بلادهم، فتمكن الصليبيون من إخماد انتفاضتهم، وخيروهم بين اعتناق النصرانية أو الخروج من إسبانيا متنازلين عن أموالهم وديارهم، ليبدأ بعد ذلك تنفيذ خطة الإبادة العرقية بجميع أنواع التعذيب والتنكيل واساليب القهر والإيذاء والتقتيل الفردي والجماعي، والتي عرفت في أوروبا في تلك الحقبة بإدارة كنيسة الصليب.
بلغ هذا الإضطهاد ذروته عندما صدر قرار بتاريخ 30/2/1608م بطرد جميع الموريسكيين من أسبانيا، إذ تم تهجير نحو مئة وعشرين ألف مسلم إلى دول شمال أفريقيا، خاصة إلى دول المغرب العربي. وفي عام 1611م صدر قرار آخر بملاحقة المتخلفين عن التهجير يقضي بمنح ستين ليرة إسبانية جائزة لكل من يأتي بمسلم حي، مع حقه في إستعباده إن شاء .. وثلاثين ليرة لكل من يأتي برأس مسلم مقطوع وقد بلغ عدد الذين طردوا من أسبانيا في الفترة التي تتراوح بين عامي 1609 و 1614م نحو 327000 مسلم، استشهد منهم نحو 65000 غرقا في البحر أو قتلا في أثناء الرحلات .. أو تأثرا بالأهوال ومشاق الرحلة من تجويع وغيره .. وقد تمكن نحو 32000 مسلم من البقاء خفية في أسبانيا إلى عام 1726م. لتبدأ محاكم التفتيش سلسلة جديدة من أساليب اضطهادهم .. من ذلك أنها حكمت في غرناطة على نحو 1800 مسلم بتهمة الإيمان بالإسلام ورفض اعتناق النصرانية، وجرت المحاكمات نفسها في مدن ومناطق أخرى بالتهمة نفسها، وفي عام 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سري في مدينة قرطاجنة، فتمت مداهمته وألقى القبض على جميع من كانوا فيه من مسلمين وعددهم مئة مسلم، فحوكموا جميعا وأعدم معظمهم!
تقول إحدى الوثائق إن الرهبان الذين سموا أنفسهم "كلاب الرب" في إشارة إلى تفتيشهم لعقائد الناس، كانوا يمنعون الأطفال دون السابعة من مصاحبة آبائهم، وإن 46 حارسا بمدينة بلنسية قاموا بفصل حوالي 820 طفلا و1400 طفلة بالقوة عن أمهاتهم بمن فيهم الرضع.
ويقدم المقري في كتابه "أزهار الرياض" وصفا مؤثرا ومؤلما لما حلَ بالإسلام والمسلمين من طرف القساوسة: "فلو رأيتم ما صنع الكفر بالإسلام بالأندلس وأهليه، لكان كل مسلم يندبه ويبكيه، فقد عبث البلاء برسومه وعفى على أقماره ونجومه، ولو حضرتم من جبر بالقتل على الإسلام وتوعد بالنكال والمهالك العظام، ومن كان يعذب في الله بأنواع العذاب، ويدخل به من الشدة في باب ويخرج من باب، لأنساكم مصرعه، وساءكم مفظعه، وسيوف النصارى إذ ذاك على رءوس الشرذمة القليلة من المسلمين مسلولة، وأفواه الذاهلين محلولة، وهم يقولون: ليس لأحد بالتنصير أن يمطل، ولا يلبث حينا ولا يمهل، وهم يكابدون تلك الأهوال ويطلبون لطف الله في كل حال".
كما قدم باحث إسباني يدعى فيرمين مايورغا وثيقة تتحدث عن إحراق ثلاثمائة مورسكي أحياء في يوم واحد، وذكر أن الأطفال كانوا يربون في بيوت المسيحيين ليصبحوا فيما بعد عبيدا لهم، حتى اضطر المسلمون أن يخفوا إيمانهم ليحافظوا على أرواحهم، وأن يبنوا مقابر سرية للحفاظ على رفاتهم بعد الممات أما من بقي في اسبانيا من الموريسكيين وكانوا ممن ضمهم قانون تنصير المسلمين (دفعهم الى اعتناقِ المسيحية)، والذي كانَ يشتمل على سنِ قوانين تسلبهم تاريخهم ومنها منعهم من التحدث باللغة العربية نهائيا، و منع الحمامات التي اشتهر بها العرب في الاندلس، وفرض ضريبةٍ عالية على من اراد ان يلبس على الطريقةِ العربية، والابقاء على الابواب مفتوحه يوم الجمعة وفي تواريخ الاعياد كي تتم مراقبتهم كما يدعون الى الاكل وشرب الخمر علانية في رمضان كي يظهر عدم صيامهم، و أي عقودٍ كتبت باللغة العربية تعتبر لاغية وأن لا زواج الا في الكنيسة. حتى ان الكنيسة كانت ترسل امرأة لحضور عمليات الولادة لدى الموريسكيات لكي لا تقرأ الشهادة في آذانِ الاطفال بل يؤخذون الى الكنيسة لتعميدهم عوضاً عن ذلك!
كما تم انشاء مدارس خاصة بأبناء الموريسكيين لتعليمهم اللغة الاسبانية وتعاليم الدين المسيحي وبهذا تحول الموريسكيون من اشخاصٍ ذوو فكرٍ خلاقٍ وابداعٍ واصحاب حضارة قرطبة وقصر الحمراء الى مجردِ عبيد وخدم وعمال في حقول اغنياء الاسبان لا اكثر!

يقول الروائي الإسباني "إميليو بايستيروس" أن طرد الموريسكيين من أسبانيا كان ثاني جريمة ارتكبت في حق الحضارة الإسلامية بالأندلس، أما الجريمة الأولى، فقد ارتكبتها الملكة "إيزابيلا" الكاثوليكية التي أحرقت جميع كتب المسلمين في ساحة باب الرمل بمدينة "غرناطه" بإستثناء كتب الطب.
وحين دخل اليأس نفوس المسلمين، ثاروا في منطقتي سرقسطة، وبلنسية، إلى ضفاف نهر شقر. فنظمت الدولة الأراغونية جيشا من المتطوعين النصارى من كل أوروبا لمحاربة المسلمين، وتكون جيش ضخم بقيادة الملك كارلوس الخامس نفسه، فقضى على الثورة أواخر سنة 1562م، فقتل اعدادا كبيرة من المسلمين، واسترق عددا اخر منهم، وأجبر الباقين على التنصير، كما فر عدد من المجاهدين إلى الجزائر والمغرب. فتابع الباقون في البلاد حياتهم المزدوجة بين الإسلام في السر، والنصرانية في العلانية.
وعملت الدولة الأسبانية بشطريها، أراغون وقشتالة، على قطع الصلة بين المسلمين في المناطق المختلفة، خاصة بين مسلمي مملكة بلنسية ومملكة غرناطة. ففي سنة 1541م، حرمت على مسلمي غرناطة النزوح إلى بلنسية، وحرمت الهجرة من بلنسية إلا بترخيص ملكي مقابل غرامة باهظة.

ملك المسلمون ثلثى شبه الجزيرة وسموها بــ"الأندلس"، وأنشأوا بها مملكة قرطبة العظيمة، التى كانت أعجوبة العصور الوسطى، والتى حملت وحدها فى الغرب شعلة الثقافة والمدنية مؤتلقة وهّاجة وقت أن كانت أوربا غارقة فى الجهالة البربرية فريسة للشقاق والحروب
لقد حدد العلامة ابن خلدون في مقدمة تاريخه العوامل الحاكمة في التطور الإنساني عبرالعصور وهي المكان و الزمن والبشر..
ـ المكان: الجغرافيا أي الأرض والموقع والمناخ والموارد.
ـ الزمان: التاريخ أي تواريخ الشعوب والحضارات والصراعات والأفكار والعلوم..
ـ البشر : الأمم و الشعوب، والمجتمعات..
و إن كل قوة اجتماعية، لابد لها من التعبير السياسي عن نفسها، ولا بدلها من إستراتيجية شاملة تناسب حجم مصالحها، سواء في المجال الإقليمي أو العالمي، وهذا ما يتطلب الحضور الدائم في الزمان والمكان
و إذا كانت اللغة هي مرآة العالم فإن عمل الكاتب ينحصر في الإعراب عن المعاني أي البحث عن الحقيقة ..، أما الكتابة فهي طريقة من طرائق التفكير والتعبير تكشف عن حقيقة الحياة والوجود
الأندلس ليست بمكان ولا زمان.. بل هي تجربة حضارية إنسانية لا مثيل لها استمرت تنير ظلمات العالم زهاء الثمانية قرون من الزمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البدو الغزاة
سائس ابراهيم ( 2015 / 11 / 26 - 22:16 )
ألم يدخل إلى عقلك حتى اليوم أن الإسبان أي السكان الأصليين وأصحاب الأرض الحقيقيين قد طردوا من بلادهم هؤلاء البدو الأجلاف الغزاة

اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة