الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمنا الذي يتهرأ: السلطة، الثقافة، الهوية، والعنف

سعد محمد رحيم

2015 / 11 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مدخل:
قبل نصف قرن كان العالم أكثر تماسكاً واستقراراً وتفاؤلاً، وأقل ازدحاماً وقبحاً وكآبة. ومنذ ذلك الوقت شهدنا تحوّلات دراماتيكية مهولة على الصُعد كافة، وفي كل مكان من الأرض، تفوق التحوّلات التي حصلت منذ الخليقة وحتى ذلك التاريخ. تلك التحوّلات التي كان بعضها في صالح الإنسانية وبعضها ضدها، لم نستوعبها، باعتقادي، ـ نحن جنس البشر ـ حتى الآن، تماماً، بأبعادها وتأثيراتها على حياتنا، ولم نستطع التكيف معها بشكل مثمر، لأنها ببساطة أكبر وأسرع وأعقد وأغرب من أن يلتقطها كلها ويحتويها أي ذهن فردي ويتمثلها ويطوِّعها من ثم لأغراض ومصالح المجتمع البشري.
هذا هو المصدر الأول، ربما، وليس الوحيد بطبيعة الحال، لمشكلات العالم، ولحيرة الإنسان المعاصر واغترابه ويأسه. وقد رافق ذلك كله شعور حاد بفقدان المعنى والعمق والجدوى. ومع توسع الفوارق الطبقية والبون بين دول الشمال والجنوب، وتدمير البيئة الحيوية، وتمزّق نسيج مجتمعات عديدة، وزيادة معدلات الفساد والجريمة والإرهاب والأشكال الجديدة من العبودية والاستبداد، وما نشهده من صور الاقتلاع والتهجير والتطهير العرقي والطائفي والفقر والبطالة والجوع والطلاق والتفكك الأسري وتجارة البغاء والانتحار، وتكريس ما يسمى بالاقتصاديات المشبوهة وظهور المافيات، وإشعال الحروب الصغيرة والكبيرة، وتكوين المنظمات الإرهابية العابرة للحدود.. أقول؛ مع هذا كله وغيره، صرنا نعيش خواء روحياً غير مسبوق. وبات العالم مكاناً مثيراً جداً للقلق والخوف والعصاب بأشكاله، تعمه الفوضى والعنف.
إنه عالم يستنزف موارده ومعناه ويضيّع اتجاهه وهدفه، ويتهرأ.. فحيثما نلتفت نجد الرثاثة والسطحية والابتذال في ما يجب أن يكون متسقاً وجميلاً وعميقاً.. لتشحب في موازاتها دلالات مفاهيم إنسانية كبرى كالحرية والعدالة والمحبة والتراحم والتسامح. ولتهتز القيم التي عملت مئات الأجيال منذ بزوغ فجر الحضارة على إنشائها وتجذيرها في الضمير الجمعي.
نعرف أن الأمر لا يجري في الأمكنة والبلدان المختلفة على المنوال نفسه وبالدرجة نفسها. وإذا ما أمعنا النظر في وضعنا العراقي ومشكلاته في سياقهما التاريخي والسياسي والاجتماعي نفاجأ بأن بلادنا وأمتنا العراقية كانت واحدة من الضحايا الكبرى لتلك التحوّلات والانهيارات والتمزقات والمآسي. وهذه الدراسة القصيرة تُعنى بالحالة التي نوجزها باصطلاح "الرثاثة".. الرثاثة التي راحت تتجلى في مشهدنا المكاني/ الاجتماعي، لتنعكس على نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين، أي هويتنا، وعلى ثقافتنا. وهي، لاشك، تتعلق بممارسات السلطات التي تسببت بها، ليس في إطارها الداخلي وحسب وإنما في ضمن سياقها الإقليمي والعولمي.. ومظاهر العنف والإرهاب والخراب التي نجمت عنها.
تتأصل الرثاثة في النفس وتتلبس اللاوعي قبل أن تتمظهر في السلوك والممارسات الاجتماعية وعلاقات الأفراد بعضهم ببعض وببيئتهم الطبيعية وأمكنة سكناهم. وكذلك في اللغة المتداولة والفنون والطقوس الاجتماعية والدينية. وهي كظاهرة فردية واجتماعية ذات محتوى سيكولوجي تنتج عن عوامل عديدة أهمها؛ طبيعة السلطات (السياسية والاجتماعية والدينية) السائدة في المجتمع، ونمط الإيديولوجيات والعقائد التي يجري الترويج لها، فضلاً عن أشكال البنى الاقتصادية وعلاقات الإنتاج في المجتمع.
وبهذا الصدد لابد أن تواجهنا جملة من الأسئلة منها:
- كيف نتعرف على الرثاثة، أي كيف نصف شيئاً ما، أو ظاهرة ما، أو سلوكاً ما بأنه رث؟ والمعايير الواقعية والموضوعية التي يمكن اعتمادها بهذا الخصوص؟
- ومن ثم كيف نقيس درجة الرثاثة في الشيء والظاهرة والسلوك؟
- ما أسبابها الرئيسة والمساعدة؟ وما تجلياتها وعقابيلها؟
- وما علاقتها بالسلطات الفاعلة داخل المجتمع؟
- وهل تراها ظاهرة محلية أم عالمية؟
- وكيف تصيب الثقافة والهوية، وتهيئ الأرضية للعنف والإرهاب؟
- وهل لإشكاليتها من حلول؟.
في توصيف الرثاثة
الرثُّ في اللغة رديء المتاع وسقط البيت. ورثُّ الهيئة؛ قبيح المنظر. ورثَّ الثوبُ؛ بلي، خَلُق. ورثّت هيئته: قَبُحَت، هانت.. وكلام غث رث؛ سخيف. والكلمة "رثاثة" مصدر الفعل: رثَّ. أما رثاثة ثوب فمعناه اهتراؤه.
ما نقصده في هذا المقام ليس رثاثة الملابس وتهرؤها، وليس السقط من متاع البيت، ولا يعنينا الرجل/ الفرد رثُّ الهيئة، ولا حتى الكلام الغث الرث السخيف العابر لبعضهم.. ها هنا نحن نتكلم عن شيء آخر أخطر وأدهى وأشمل.. نستعير مفردة "الرثاثة" من معجم اللغة لنصوغ منها مجازاتنا الواقعية المؤسية ونحن ننظر في حاضرنا، في موقعنا الهامشي في العالم والوجود، حالياً، ووضعنا الاجتماعي المأزوم، والتخوم الوعرة الجرداء التي وصلنا إليها، فيما ننظر إلى الهاوية المهولة أمامنا جزعين حيارى. وإذن ما سنتحدث عنه هو؛ رثاثة الحياة، ورثاثة المكان، والرثاثة التي تلحق بالروح الإنسانية، والرثاثة التي تطبع السلوك الفردي والاجتماعي في سياق تاريخي محدد، وبفعل مؤثرات بيئية اجتماعية، ونتيجة خطوات سياسية دنيئة محسوبة، أو لم يجر حسبانها بدقة بسبب رثاثة العقل السياسي السلطوي الناشط/ الفعّال، المنتج للرثاثة، وغبائه.
لا تحدث رثاثة الحياة بفعل القدم (على عكس الثياب المستعملة مثلاً) بل بسبب اضمحلال شروط الحياة السليمة، والاختلال الذي يطرأ على منظومة القيم الاجتماعية. وأولئك الذين يعيشون حياة طبيعية، في محيط صحي وآمن ومنتج، لا يمكن أن يكونوا رثين، (نستثني بعض الحالات الفردية الشاذة النادرة التي لها عوامل إنتاجها السيكوسوسيولوجية).
الرثاثة هي الاقتراب من الحالة ما قبل التحضر.
للرثاثة تمثلات وتجليات شتى يختلف بعضها عن بعض بحسب الظروف والعوامل المتواطئة والمولِّدة، والتغيرات المحايثة التي تطرأ على البيئتين الطبيعية والاجتماعية. وتظهر صور الرثاثة وأعراضها حين:
-;- تُبتذل الحياة وتُرخّص.
-;- يعجز الناس عن إنتاج حياة كريمة.
-;- يُمج الابتكار والإبداع. ويُقصى الأفراد الأكثر ثقافة وذكاءً عن مراكز القرار.
-;- تكون البيئة المحيطة التي يعيش فيها الناس مهملة وقذرة.
-;- يصبح الكذب والنفاق والنميمة والانتهازية سلوكاً اعتيادياً.
-;- تُفتقد فرص تحقيق الذات.
-;- لا يتعلم الأفراد والجماعات والسلطات والمؤسسات من تجاربهم.
-;- يُضمر حس الواقع والمستقبل، ولا يُحترم الزمن.
-;- يطغي نوع من العدمية الأخلاقية.
-;- يسلك فئات من المجتمع بطرق أقل تهذيباً وكياسة ورقّة وحميمية، ويتعامل بعضهم مع بعض بفظاظة وخشونة وقسوة.
-;- يُحتقر التعليم والثقافة. وتنتشر الخرافات والأفكار الغيبية.
-;- يغيب حس الجمال.
عندئذِ يصبح احتمال أن يكون نتائج الأفعال الفردية والاجتماعية وممارسات السلطات كارثية، عالياً.
قد يكون الفقر، والمستوى الاجتماعي، والمكانة، ونوع العمل ومستوى الدخل والتعليم عوامل مساعدة أحياناً في انتشار الرثاثة. لكن الرثاثة ليست نتاجاً طبيعياً للبيئات الفقيرة التقليدية، ولا ترتبط حتمياً بالطبقات التي تحصل على دخول متدنية. وإنما هي إفراز لممارسات سلطوية أولاً، ولنوعية الثقافة والقيم التي يجري تسويقها ثانياً، ولطبيعة الاقتصاد القائم وعلاقات الإنتاج السائدة ثالثاً.
عولمة الرثاثة
تكاد الرثاثة اليوم أن تصبح ظاهرة عالمية.. إنها جزء من مخلفات العولمة ونتاج عرضي لها.. وهي الوجه الآخر لمجتمع الاستهلاك.. والعالم الذي شهد فتوحات عظيمة في مجال الاتصالات والمعلوماتية والصناعات المختلفة باتت منظوماته القديمة، وتوازناته البيئية والاجتماعية والسياسية، تختل من غير أن تستطيع، في أحايين كثيرة، إعادة بناء منظوماته وتوازناته على أسس جديدة ملائمة، لاسيما في البلدان التي تفتقر إلى المؤسسات والتقاليد الضابطة لعمليات التحوّل الاجتماعي والاقتصادي.
وفي حالة العراق الذي يرتبط اقتصاده الطرفي/ الريعي بمراكز السوق الرأسمالية العالمية، وتنفتح أسواقه أمام المنتجات الأجنبية من دون قيود حمائية كافية، ومن غير وجود رؤية وفلسفة عصرية حداثية رصينة لبناء الدولة وتنمية اقتصادها ومجالات حياتها الأخرى يؤدي التعامل المتخلف مع الأجهزة والتقنيات ومنتجات الثقافة والموضات المستوردة إلى اختلالات عميقة في البنى والمعتقدات والإدارات.
بالمقابل نجد أن ثروات النفط الكبيرة وعائداتها الهائلة قد خلقت فئات طفيلية اتكالية متخمة بالمال بسبب الفساد المستشري، تكتفي بالاستهلاك السلبي، وتهدر موارد المجتمع. فهي غير منتجة، بالمعايير الاقتصادية، ولا تكاد تدفع الضرائب.. ولكي تديم امتيازاتها وتتجنب المساءلة تساهم في تقوية الأعراف العشائرية والمظاهر الاجتماعية الباذخة، وإنعاش الطقوس الدينية.. فثرواتها غير المشروعة لا تتجه نحو التراكم الرأسمالي الضروري لتنمية قطاعات الاقتصاد وبناء البلد، وإنما تُهرّب إلى الخارج، أو تُكنز، ليوزع جزء منها على شكل رشىً لشراء الذمم وتخريبها، وبذا تعوق تلك الثروات قيام الدولة المدنية الحديثة بدل المساهمة في بنائها. وفي ظل آليات انتخابية ملتبسة، وباستعارة نماذج غير ملائمة، ومع تدني مستوى التعليم، واتساع نطاق الأمية، وتسيد مؤسسات المجتمع الأهلي، تقفز أكثر الشرائح تخلفاً ورجعية ورثاثة لتتبوأ أهم المناصب القيادية في مؤسسات "شبه الدولة".
يمكن أن نلمح إشارات الرثاثة في تلك المفارقة المأساوية التي تتلخص في حقيقة أن العالم الآخذ بالتعولم آخذ بالتفكك كذلك. وهو تفكك يتعدى ما جرى لدول كثيرة في أوروبا الشرقية والبلقان بعد الحرب الباردة، وبلدان أخرى في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، ليشمل الجماعة الواحدة والأمة الواحدة أحياناً. وبانكفاء الجماعات إلى هوياتهم الفرعية الضيقة، وانعدام الثقة بينها، وطغيان سوء الفهم، إلى جانب غياب قيم التسامح برز ما يسمى بصراعات الهويات وحروبها. وهي في الغالب حروب بالإنابة، وخلالها تغدو عشرات ومئات آلاف البشر ضحايا لأهواء أمراء حرب محرِّضين، لهم أجنداتهم ومصالحهم الخاصة في تأجيج تلك الصراعات والحروب. ففيما يربح هؤلاء المكانة والسلطة والثروة والنفوذ يفقد الملايين سلام حياتهم وفرحها، ويخسر كثيرون أرواحهم.
أعادت القوى الرأسمالية الكبرى، بعد حقبة الحرب الباردة، إنتاج ما بدأت أمم كثيرة بنسيانه ومواراته وتركه في الخلف، وهو التخندق الاثني العرقي والطائفي للجماعات التي تتكون منها الأمم/ الدول. شجعت مؤسسات السياسة والاستخبارات والدعاية والإعلام والثقافة الرأسمالية إحياء الهويات ما قبل الدولتية في مختلف البلدان التي غزتها عسكرياً أو استخبارياً أو إعلامياً، أو بهذه الوسائل الثلاث معاً، بحجة ضمان حقوق الأقليات والجماعات، وكانت تلك بادرة حق يراد بها باطل. وذريعة للتدخل وتوسيع النفوذ، وتقويض مؤسسات الدول وخلق أجواء الخوف والشك التي تجعل الأفراد يبحثون عن الأمان تحت خيمة جماعاتهم القبلية والطائفية. مرتدين إلى هوياتهم الفرعية بنفوس مترعة بكراهية الآخرين والخوف منهم، وبرؤية متعصبة ضيقة وشوهاء. وعراق ما بعد 2003 مثال واضح لذلك.
الرثاثة والثقافة والهوية
المعنى البدئي للثقافة هو التهذيب الذي يعد عنصراً من عناصر الجمال، ويرى "تيري إيغلتون" في كتابه "معنى الثقافة" أن الثقافة في تطور معانيها الحديثة كانت في البداية قد عنت شيئاً قريباً مما تعنيه الكياسة Civility لتتطور من ثم في القرن الثامن عشر وتغدو مرادفاً إلى هذا الحد أو ذاك لكلمة الحضارة Civilization.
وثقافة أي مجتمع ما هي إلاّ طريقة حياة ذلك المجتمع أيضاً. والثقافة بوصفها، بحسب إيغلتون: "طريقة حياة هي طبعة من المجتمع أضفي عليها الطابع الجمالي، حيث نجد في هذا المجتمع تلك الوحدة، والمبادهة المحسوسة، والخلو من الصراع مما نقرنه في العادة بالنتاج الفني الجمالي. بل أن كلمة الثقافة التي يُفترض بها أن تشير إلى نوع من المجتمع، هي في واقع الأمر طريقة معيارية لتخيل ذلك المجتمع". ويتسع مفهوم الثقافة ليتضمن المنجز البشري المضاف على الطبيعة ليشتمل عند رايموند وليامز على "تنظيم الإنتاج، وبنية العائلة، وبنية المؤسسات التي تعبِّر عن العلاقات الاجتماعية أو تتحكم بها، والأشكال المميّزة التي يتواصل عبرها أعضاء المجتمع".
وإذن ما علاقة الثقافة بالرثاثة؟ وما معنى أن تكون ثقافة ما رثة؟
بإيجاز شديد، ما نعنيه في هذا المقام، هو شحوب عنصري الثقافة الرئيسين وضمورهما، أي المعنى والجمال. ولا ننطلق، هنا، من مبدأ التفرقة التقليدية بين نوعي الثقافة؛ الرفيعة الخاصة بالنخب التي يُسمّي أفرادَها "جوليان بندا" بالفلاسفة الملوك، في مقابل الثقافة الشعبية. فحتى هذه الأخيرة تتضمن، في الغالب، معاني ودلالات اجتماعية، وربما وجودية وكونية عميقة كذلك، إلى جانب حملها لقيمها الجمالية المائزة.
الرثاثة التي نقصد مرادفة لسوء الذوق وقلّته، لتدني المعايير الجمالية في النظر إلى الأشياء، وإلى الذات والعالم، ولضمور قيمة الحياة وانحطاط أساليبها. وهي أيضاً مرادفة للقسوة والخشونة واللاأبالية، لانعدام الرقة والحنان والشغف، حتى في العلاقة مع الجنس الآخر. وحتى الممارسة الجنسية تستحيل، في المناخ الاجتماعي الرث، إلى محض عملية ميكانيكية حيوانية وقد غاب عنها الحب واحترام الآخر/ الشريك، أي حس المشاركة، وعدم الدراية بفنون استقطار اللذة الصافية ذات الكثافة الوجدانية والروحية والجمالية.
ترتبط الرثاثة بتضاؤل تقدير المرء لذاته، حين يكون الاعتراف بالذوات في المحيط الاجتماعي ضعيفاً أو معدوماً، وحين تتضاعف مشاعر الانكسار والهزيمة والفشل. اللغة المتداولة نفسها، ها هنا، تبدأ بالانحطاط، تصبح مسطّحة مفككة، ومتهرئة، تتحول إلى مجموعة من المجازات الرثة الفارغة المثيرة للشفقة والسخرية، تكون هي نفسها ساخرة، نعم، لكنها السخرية التي تؤكد اللامعنى والضحالة والوهن الروحي.. يتسطح الكلام إلى حد مريع، ويفقد دلالاته ومقاصده في التواصل؛ يعتمد أحياناً السجع والإيقاع المتكرر الواحد، والمفردات المنحوتة الخالية من المعنى، وتُنطق بكثير من التهكم والهزء.. وهذه كلها تصبح بديلاً عن الفنون الجميلة، وتنتقل إليها مثلما نرى، مثالاً، في عروض المسرح التهريجي والغناء الهابط.
الرثاثة شكل من أشكال العدمية.. لكنها عدمية رثّة هي الأخرى، سطحية وبائسة، على عكس عدمية الفلاسفة والأدباء والفنانين العدميين. إنها عدمية أخلاقية. وخطورة الرثاثة تكون على أشدها حين تصيب الضمير والأخلاق.. حين تكون الأخلاق رثة فهذا معناه القبول بخداع الآخر والكذب عليه، والتحايل عليه، وابتزازه، وسرقته، والغدر به، والوشاية به، باختصار عدم الاهتمام بأمره ومصيره. وكل هذا يحدث، عند بعضهم، بضمير مستريح. وهنا تغدو صفات مثل الحياء والخجل والتواضع والمسامحة والاعتذار والشعور بالذنب، والندم علامة على الضعف في مقابل صفات المغالبة والتحايل والغش والخداع. الرثاثة هي صورة لعطب أخلاقي، ونبذ النظام.
تفشل المجتمعات الرثّة في تربية الضمير وإنمائه. حين ينعدم الضمير يغدو كل فعل وسلوك مباحاً.. لا شيء يردع من السوء كالضمير الحي.. لا يكفي الخوف من العقاب الدنيوي والآخروي ليجعل من إنسان ما سويّاً وخيّراً وطيباً.. لأنه في هذه الحالة سيحاول أن يجد طرقاً وحيلاً للإفلات من العقوبة الاجتماعية والقضائية/ المؤسسية. في الوقت الذي يستطيع (إن آمن بالدين) تسويغ انحرافاته للاطمئنان إلى أن الرب لن يعاقبه في الآخرة. فهناك من يرتكب الجرائم والمعاصي ويتوسل بالتوبة وزيارة الأماكن المقدسة ليغسل ذنوبه ثم ليعود كرّة أخرى لارتكابها طالما أبيح له تكرار توبته وغسل ذنوبه إلى ما لا نهاية. ليس بمقدور المؤسسة الدينية بفقهها التقليدي خلق الأخيار. فالمركز الروحي والنفسي والوجداني والعقلي الذي يحصِّن الإنسان ضد الشر والجريمة والانحراف هو الضمير، إذا ما ضُمر الضمير أو مات فكل شيء جائز ومباح ويمكن تبريره وشرعنته. وكان الجواهري الكبير صادقاً في قوله:
من لم يخف حكم الضمير من سواه لن يخافا
تربية الضمير الحي وتنميته هي المقدمة للحد من انتشار وباء الرثاثة.
الرثاثة هي أن تتعاطى مع عصرك بقيم متخلفة لا تتساوق مع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم ورقي، حيث صفات الرثاثة هي غير الجميل وغير اللائق وغير المهذب، أي الضد ثقافية، والضد حضارية، على وجه الدقة والتحديد.
تكمن الرثاثة في السطحي والعابر، وفي التنكيل بالذاكرة، وبالثقافة وبالذاكرة الثقافية. البشر الأكثر رثاثة هم الذين يخفقون في مراكمة الخبرات والتعلم من التجارب. فهم أولئك الذين يعيشون في البلادة والنسيان.
الحياة الرثّة كوميديا مبتذلة.. يمكننا عندئذ الإشارة إلى الفنون الرثّة، المسرح الرثّ والغناء الرثّ والأدب الرثّ والفكر الرثّ والصحافة الرثّة. كما يمكن الحديث عن لغة رثة وبلاغة رثة. وبالتراكم تغدو الرثاثة ثقافة؛ ثقافة وضيعة شوهاء.
الرثاثة والسلطة
إذا قلنا أن الرثاثة في وجه من وجوهها صناعة، فهي صناعة سياسية-اجتماعية، تصدر مؤسساتياً من خلال فعاليات مرسومة تتجه لتحقيق أهداف بعينها. المؤسسة في البيئات غير الديمقراطية هي امتداد لشخص واحد أو لأوليغارشية ضيقة، تنقل أمراضها وأعراضها وعُقدها وتشوهاتها الروحية والنفسية إلى بيئتها الأوسع (محيطها الاجتماعي). وحين تكون المؤسسة سياسية حاكمة فإن مقدار التأثير وعمقه يزداد بدرجات مضاعفة. مع السلطة الرثّة تنتشر الرثاثة، كتحصيل حاصل، مثل بقعة حبر على منديل ورقي ناشف.
ترتبط الرثاثة عراقياً ببنية الدولة الريعية حيث تصبح النخب الحاكمة مستقلة اقتصادياً وغير معتمدة على الإنتاج المجتمعي. ما يحصل، ها هنا، هو العكس، إذ أن المجتمع نفسه يكون خاضعاً للدولة، وبعبارة أدق لمن يقومون بإدارة دفّة الدولة. والأخيرون هم من يستولون على الحصة الأعظم من العائدات الريعية (عائدات النفط في العراق مثالاً) ويتحكمون بها وكأنها ملك شخصي لهم تطبيقاً لمبدأ الغزو والغنيمة. أما الحصة الباقية فتوزّع غالباً بحسب درجة الولاء، أو الخدمة التي تؤدى لا للمجتمع والدولة (بمعناها المجرد) وإنما للنظام الحاكم. وجزء كبير من عملية التوزيع تلك يحدث بصيغة الهبات والصدقات والمكارم وليس بصيغة منح الأجر العادل مقابل العمل. وهذا ما يغذّي بالطاقة آلية دورة الفساد وشراء الذمم وانتهاك الحقوق ومصادرة الحريات، ومن ثمّ يهيئ للعنف.. يصبح الصراع على السلطة دموياً (لنستذكر تاريخ الانقلابات العسكرية والمؤامرات الداخلية والخارجية، عراقياً، منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن).
وحتى مع استعارة نظام ديمقراطي انتخابي فإن طبيعة الاقتصاد الريعي (مع عوامل أخرى تتعلق بآليات النظام الانتخابي وطبيعة القوى والتيارات السياسية المتصارعة وبرامجها، الأصح طرقها في استمرار الاستحواذ على السلطة والثروة، فضلاً عن مستوى التعليم السائد في المجتمع، والبنية الاجتماعية العشائرية والجو الطائفي) تساعد في عمليات التزوير، وصعود الانتهازيين والمغامرين والطارئين على المجال السياسي إلى سدة الحكم.
النظام السياسي الرث يشيع الرثاثة ويسوِّقها من أجل أن يبقى ويستمر ويحافظ على سلطاته وامتيازاته، والدولة الريعية تكون قادرة أكثر من غيرها على قولبة جزء كبير من المجتمع بحسب رغباتها وحاجاتها. وليس ثمة أجدى لها من أن تعيد خلق المجتمع التابع على نمطها. ولأن الرثاثة معدية، وباستعارة قانون غريشام الاقتصادي والذي مؤداه أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق فإن الأنماط الرثّة للحياة، لاسيما في الدول الريعية، وتلك التي تصنّف بالفاشلة، تحل محل الأنماط الحضارية.
لم تؤمن معظم الأحزاب والحركات والقوى وكل أنظمة الحكم في العراق، لاسيما خلال العقود الخمسة أو الستة الأخيرة بإقامة مؤسسات ناظمة للمشاركة الشعبية الحقيقية في الشأن العام والحياة السياسية على ضوء قوانين متسقة وتقاليد فاعلة، بل كانت تتوجه إلى الجمهور الذي يمكن التلاعب بانفعالاته وعواطفه وغرائزه لتحرِّكه في الشارع، وبشرط أن تكون الكاميرات الإعلامية حاضرة لتصوير كتل الأجساد المندفعة بهياج وهي تهتف في الشوارع والساحات طالبة بالثأر (ممّن؟!)، أو معلنة استعدادها للتضحية بالروح والدم.
كانت الوسيلة هي التحشيد، هي جرّ الأجساد إلى الميدان، إلى المشهد الطقسي، فيستوي بهذا الصدد الديني/ الطائفي مع العشائري، مع السياسي، حيث تذوب في الكتلة الصاخبة المنفعلة الباهرة تلكم الأجساد. وللأرقام والحجوم ها هنا مغزاها ودلالاتها. فالعملية كلها لا تعدو كونها أكثر من استعراض للقوة وتهديداً للآخرين. إن النزعة الاستعراضية التي غالبا ما تلجأ إليها الأحزاب والقوى الشعبوية والأنظمة الديكتاتورية تحمل إيحاءً بالقوة الساحقة، والاستعداد لممارسة العنف. إنها، في النهاية، رسالة وعيد للمختلفين والخصوم.
يشتبك الاقتصاد الريعي مع جوهر علاقات السلطة فينتج الاستبداد، الاستبداد الذي يتوسل بالقمع وصناعة الخوف لخلق المجتمع الصاغر الممتثل. وقد عاشت أجيال من العراقيين وما تزال منذ عقود طويلة، في مناخ الخوف؛ الخوف القاهر والمستمر، حيث يشعر الأفراد والجماعات أنهم بلا حماية كافية وبلا ضمانات تحقق لهم الاستقرار النفسي والأمل. الخوف الذي يوهن علاقتهم بالحياة ويمسخ النفوس ويُخرِّب الأرواح، ويجعل كل فرد قابعاً في أسفل سلّم الحاجات الإنسانية. فغياب الأمان يضيّق حدود التفكير، ويفرغ طاقة الإنسان، ويشلّ الإرادة، ويحول دون الارتقاء في مجالات العلم والإبداع والعمل.
الخوف عامل مساعد في تغذية الرثاثة.
حين تختفي ممكنات الحياة الكريمة يبدأ البشر بالتفكير بالموت والتهيؤ له. لا أقصد التفكير المنطقي الصحي والضروري، حيث الموت قضية وجود تقتضي التأمل، وعاقبة حتمية لكل كائن حي، بل الهوس المرضي الناجم عن اليأس وكراهية النفس والحياة. وليس في مجال الثقافة الدينية التقليدية وحدها راجت ثقافة الموت أكثر مما راجت ثقافة الحياة بل في الأدبيات السياسية للأحزاب في العراق. فالحديث عن الموت فاق الحديث عن الحياة. كان الجسد الموصوم بالإثم والخطيئة في الثقافة التقليدية متهماً إلى أن يحصل على الاعتراف بإماتة الرغبات ويتطهر بالموت. فيما أوجدت الإيديولوجيات المعنى المجيد للتضحية من أجل أشخاص قادة معبودين، أو في سبيل قيم عظمى غيبية وغايات مثالية من المستحيل تحقيقها في المدى المنظور، أو حتى غير المنظور.
ما يقابل الرثاثة في الواقع ويضادها هو التماسك والثقة بالنفس والاعتراف (اعتراف الآخرين بذاتي وموقعها في العالم). وهذه هي أقانيم كل هوية.. الهوية التي هي وعي الذات في إطار الخريطة الاجتماعية والوجودية التي تشمل الآخرين من البشر. المحيط غير الآمن يكسر الثقة بالنفس ويحطم جدوى الاعتراف، ويمزق نسيج الهوية. إن المرء لا يمكن أن يكون نفسه مع شروط متدنية للحياة الكريمة، أي أنه لن يتطابق، عندئذٍ، مع جوهر هويته الإنسانية. الصراع القائم على الهوية في جانب منه هو عملية زحزحة سلبية قد تؤدي إلى تشويش نظرة الإنسان إلى نفسه والآخرين. وأيضاً، لا تستقيم فكرة الهوية مع الذات المنعزلة.. كل يبحث عن ذاته في مرآة نفسه والآخرين، وفي مرآة الآخرين قبل مرآة النفس. الذهاب إلى العنف لا يحسم معركة الهوية وإنما يزيدها تشوهاً وتعقيداً، فيما الرجوع إلى الحيوانية والتوحش لا يعني، مثلما يُشاع، أن الإنسان يعود إلى حقيقته الأصلية، بل الأصح أنه يغادرها. الهوية التي تخسر بعدها الإنساني تتهرأ.. تغدو صورة للرثاثة والانحطاط.
الرثاثة والعنف
هل تسبق الرثاثة الجنوحَ إلى العنف؟
الرثاثة قبل كل شيء إحساس داخلي، وقد قلنا أن الرثاثة تتلبس اللاوعي فيقتنع المرء بواقعه الرث.. وهو شعور يستحيل إلى سلوكيات شاذة. يكون الإحساس بالرثاثة مصاحباً أو تالياً للإحساس بالفشل، وللفشل أسبابه وصوره وحالاته ودرجاته التي لا أريد الخوض فيها الآن، لكن ما يجب تأكيده هو أن الرثاثة مناظر للنقص والعجز، فيما الرث في دخيلته مهزوم، مثقل بعار الهزيمة. وهذا ما يولِّد الإحباط أو الغضب أو كليهما معاً، ويفضي إلى البحث عن تعويض، عن قربان، عن أضحية بديلة، وهذا هو فحوى العنف وجوهره عند الجماعات الأكثر رثاثة حيث يغدو العنف قاسياً ووحشياً يوجَّه لا إلى مصدر التهديد لأنه في الغالب منيع ومحمي وقوي وإنما إلى ممثّل عنه، وتبنى التسويغات، وهي زائفة، على وفق مبدأ الاختلاف بين المنتقم والضحية، ومبدأ التوافق بين مصدر التهديد والضحية البديلة.
لذا ففي المناخات الأشد فوضوية (الإرهاب والقتال الطائفي المخزي في العراق مثالاً) يكون العنف ذا طابع عشوائي تشترك فيه الجماعة أو قسم منها في محاولة لإعادة التوازن النفسي والاقتناع بأن فعل الانتقام قد حصل. غير أن الفعل الأخرق باختيار ضحية ضعيفة لا حول لها يزيد الشعور بالإحباط واليأس والفشل والرثاثة عند المنتقم. يلجأ المنتقم إلى نوع من التدين المؤقت، غير القائم على التقوى والإيمان الحقيقي، وهو تدين يرتبط بمناسبات بعينها، حيث يحصل نوع من التشارك الجماعي الوجداني، ويشتد حس الانتماء. هذا التشارك يخلق نوعاً من التطهر، والتخفف من الذنب والتوبة أحياناً، وربما التهيؤ لفصل آخر من الإقدام على العنف والانتقام. ينطبق الأمر ذاته على من يخرقون النظم والتقاليد الاجتماعية، ويقترفون الجرائم (السرقة والابتزاز والسطو المسلح، الخ..).
لا يمكن أن نصف الرثاثة بأنها شريرة، لكنها يمكن أن تغدو مرتعاً للشر. الشر ينمو حيث يعم الجهل وتنحط القيم والمعايير، وتستوطن الأنانية المرضية، وتبهت المشاعر الإنسانية، وتعم الكراهية والحقد والحسد وازدراء الذات واحتقار الآخرين.
الرثاثة هي نبذ النظام، والتنكيل به، لا من أجل نظام أرقى، بل لإشاعة الفوضى. الرثاثة تقود لخرق القانون، لعدم احترام القيم الإنسانية العليا، وتمهد للعنف. إنها الأرضية الخصبة اجتماعياً للجريمة.
الميل إلى العنف أحياناً هو نوع من معاقبة النفس، حين يكون صادراً عن الفشل واليأس والغضب على الذات، لا على الآخر. وفي البيئات المسيّرة بأنظمة فاشلة يرتفع منسوب العدوانية بالتناظر مع انخفاض منسوب الثقة بالنفس؛ فيما الخوف من السلطة أو غيرها والشعور بالعجز أمام الظرف الخارجي يجعل المرء يصب غيظه على نفسه. فاضطراب الوعي بالذات، أي الوعي بالهوية، تُنتج عنه سلوكيات غير سويّة.
الخاتمة
كانت أدبيات اليسار، في الربع الثالث من القرن العشرين، تروِّج لفكرة أن الأرض يمكن أن تضمن حياة كريمة لعشرين مليار من البشر إذا ما توفرت الإرادة الطيبة، والعقلانية في الأداء، والاستثمار الأمثل للموارد، والعدالة الاجتماعية. ويبدو أن أولئك اليساريين (اللا مالثوسيين) كانوا متفائلين أكثر مما يجب.. كانت نيّاتهم السليمة تعميهم عن رؤية تناقضات العالم الذي يعيشونه والموجهات الخفية لصراعات المصالح التي تقود إلى الرثاثة والعنف والخراب.
حصلت زيادة غير مسبوقة، لكنها متوقعة، في أعداد السكان، لكن البيئة الطبيعية للإنسان بدأت تمرض، والموارد تُستنزف بشكل يفوق المتوقع. أما الأسس والطرق المتبعة في إدارة تلك الموارد في ضمن الأطر المؤسسية المعروفة، لا سيما في بلدان ما عرف بالعالم الثالث، فلم تعد قادرة على تلبية الحاجات المتزايدة للسكان ناهيك عن إخفاقها في تحقيق الوفرة. ولكي يبقى الأغنياء محافظين على مستوياتهم من الرفاهية العالية صار على نسبة أعظم من البشر أن تعاني الفقر والجوع والجهل والتخلف. وهذا باعتقادي السماد الذي يغذي التعصب والعنف والإرهاب والفوضى.
وفي هذا المناخ، ومع فساد أنظمة الحكم بدأت جماعات أكبر وأكبر تخرج من تحت سيطرة الدول ولا تكترث بالقوانين، تبتدع قوانينها الخاصة، وتفرض سلطتها، خارج تأثير الدولة، وفي مناطق عديدة كأمر واقع. هنا تبدأ الهوامش بالتهام المتون، وتسود شرائع الأطراف على المراكز.. يتراجع التمدين، وتتضاءل مظاهره وتتهدم. وتسود المؤسسات ما قبل الدولتية لتتقلص أمامها مؤسسات المجتمع المدني. وتتدنى ثقافة المجتمع، ولغته، في مقابل صعود ثقافة مبتذلة ولغة رثة وبلاغة خرقاء. وهكذا يمسي، في الوعي السائد، غياب العدالة قدراً إلهياً، والحرية رذيلة، والجمال خطيئة، والحق لن يأتي به إلا منقذ من الله علينا انتظاره.
تعيد الرثاثة إنتاج نفسها.. تنتقل عمودياً وأفقياً من أفراد وفئات وجماعات بعينها إلى أفراد وفئات وجماعات أخرى، وتصيب البنى المؤسساتية ونظم الثقافة وأشكالها، فهي تنتشر.. إنها بطريقة ما معدية، ليس في انتقالها بين الأشخاص وحسب، وإنما في انتقالها بين حقول الحياة كذلك.. من الحياة الشخصية إلى الحياة العامة، إلى العمل وأشكال التسلية وممارسة الرياضة وتنظيم مناسبات الفرح والحزن، إلى الآداب والفنون والعمارة وتنظيم مواقع السكن وشكل الأسواق. الخ.. وإذ تتجلى في المجال الأخلاقي عبر انهيار القيم ومظاهر السلوك السوي، فإن بقية مجالات المجتمع سيصيبها التصدّع والهشاشة.
ليس مهماً "جداً" أن نصنّف الرثاثة مرضاً اجتماعياً ونفسياً وثقافياً أو نعدّه عرضاً لمرض اجتماعي نفسي وثقافي. المهم كيف يمكن الحد من انتشارها أولاً قبل اجتراح الطرق والوسائل لدحر جرثومتها، والقضاء على أعراضها ومظاهرها بعد ذلك. وهذا بحد ذاته يحتاج منا إلى دراسات مستفيضة وبرامج عمل وأنشطة مؤسسية واسعة. ولكن يمكن الإشارة، ها هنا، باختصار، إلى علاج رباعي الأبعاد:
-;- الإصلاح السياسي البنيوي للدولة المدنية ونظام الحكم.
-;- عصرنة التعليم وإجراء تغييرات عميقة في مناهجه وطرقه.
-;- تقوية منظمات المجتمع المدني، وتوسيع أنطقة فعالياته.
-;- تمدين الإعلام وتحديث وسائله وبرامجه، وبث الثقافة التي لها علاقة بالحياة والجمال والمستقبل.
وأظن أنه العلاج الشامل لمعضلتنا العراقية برمتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب