الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية والإغتراب ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن ظهور الرأسمالية وانتشارها كأساس اقتصادي في جل دول العالم خلف ظاهرة الإغتراب ..هذا الأخير الذي وصم حياة الطبقات الفقيرة وجعلها كئيبة مستقرة لا تحسن فيها ولا تطور ..
إن الرأسمالية المتوحشة التي تهدف إلى امتلاك وسائل الإنتاج بصفة فردية من طرف بعض الأشخاص أدت إلى تقسيم المجتمع وفق تراتبية غير عادلة وغير منصفة يتعالى فيها القوي على حساب الضعيف ..هذا القوي هو من يملك وسائل الإنتاج من مصنع وآلات ورساميل رمزية ومادية يتحكم في الضعيف الذي لا يملك إلا قوة عمله ..حيث يفرض عليه الإنصياع لأوامره التي تقتضيها شراكة الأجير مع المأجور ..إنها علاقة العبيد بالسيد إن صح القول ..علاقة تتأسس على الطاعة العمياء وعلى الخوف ولا تتأسس على الإحترام المتبادل ..تنبني على الإستغلال الأقصى من طرف المشغل للمشغل ..استغلال مفرط لليد العاملة في سبيل بلوغ أعلى نسبة إنتاج ممكنة ..
في سبيل تحقيق الربح ..الغاية تبرر الوسيلة ..وليس هناك اعتبار للإنسان الذي هو المنتج الحقيقي للمنتوج ..ليس هناك إنصاف في حقه ..لا يهم عدد ساعات العمل .. لا تهم الوضعية الصحية للعامل أو ظروفه الإجتماعية..لا يهم توفير شروط السلامة المهنية ..كل ما يهم هو قيمة العمل ..هو القيمة المضافة التي سيحققها هذا العامل مهما كلفه الأمر ..
إنها علاقة قهر وتبعية ..علاقة سيطرة يستعبد فيها ملاك وسائل الإنتاج القوى العاملة إلى أبعد حدود ..في وقت حلت فيه الآلة مكان الإنسان حتى أصبحت هي من تحدد وجوده وثقافته ..
لقد أصبح العامل في ظل هاته الظروف الإستغلالية يتأوه في سكات ..وتتعاضم سكرات آلامه الخفية ..إنه يتعذب باستمرار ويعاني باستمرار وكل طاقاته تصب في سبيل تراكم رأسمال الإنتاج الذي يستفيد منه صاحب الملك ..كل قيمة عمله تساهم في التراكم والتكديس لهذا الرأسمال الذي لا يفيد منه شيئا ..إنه ينتج لغيره ..إنه يبيع عمله للآخر بثمن بخس ولا يجد للإعتراض سبيلا ..لأنه مملوك عند سيده يفعل به ما شاء ..وإن احتج الأجير لضغط العمل أو لسوء الأجر كان مصيره الطرد ..كيف لا وآلاف الأيدي مشمرة في انتظار من يناديها ويطلبها للعمل لأنها لم تجد بديلا يغنيها عن الإستعباد للغير والإستغلال من الغير ..فالإستغلال من هنا هو سبب البقاء ..هو ثمن الحياة في ظل النظام المستوحش.. في ظل تعاظم الملكية الفردية واحتكار وسائل الإنتاج ..
يجد العامل نفسه مسلوبا من جل حقوقه الإنسانية والإجتماعية ..إنه لا ينعم بالراحة إلا ناذرا ..مهدور الكرامة ..مسلوب الحرية ..كاظم لغيضه على الدوام ..لا يجد عن الصمت والألم تحويلا ..
إنه يخدم سيده ليس لنبلٍ منه ..بل لأنه مقهور ..ليس لديه ملكية خاصة ..ليس لديه نصيبه من الثراء ..لم يبذل جهدا في ادخار المال قبلا ..ولم يمتلكك أرضا ولا عقارا يستثمر فيه ..ومن ليس له ذلك فهو محروم ..معبود لا يملك إلا بيع قوة عمله للآخر والعيش منها ..فمن ليس له وسيلة إنتاج فهو غاية للإنتاج ..وهذا منطق الصناعة في البلاد الصناعية ..
إن العامل يعيش في اغتراب متعدد الأبعاد وملازم له في كل مجالات حياته ..فتجده في المصنع ينتج منتوجا لا يفيد منه ولا يستطيع الظفر به ولا يمكنه اقتناءه لأنه ليس له..ليس مخصصا له ..
فقد تجده يصنع ملابس فاخرة لأشهر الماركات العالمية ولا يلبس منها شيء .أو يصنع محركا لسيارات فارهة ولا يملك حتى سيارة واحدة ..إنه يصنع للآخر وليس لنفسه ..إنه آلة يقودها جشع الرأسمال ..ومحرك لضخ المال في جيوب البورجوازية ..
لقد تحول العمال من منتجين للبضاعة إلى خدم للآلات التي تنتجها ..ومن أسياد ومالكين لأنفسهم إلى عبيد لجمع المال وتحقيق الربح ..
إنهم غرباء عن المنتوج الذي يصنعونه في المصنع ..وغرباء في وطنهم الذين ينتمون إليه ..
ينظرون الآخر وقد ملك منزلا فخما وهم لا يملكون سوى بيتا ..
ينظرون الآخر وقد ملك سيارة فارهة وهم ليس لديهم سوى دراجة هوائية ..
إنهم مهمشون ..مقصيّون ..لا يسمع لهم صوت ويقذفون من كل جانب ..يحاربون ضراوة العيش في ظل مجتمع تراتبي تحكمه قوى الرأسمال وتتصدره العلاقات أحادية الجانب ..وتترأسه المصلحة العليا للبورجوازية ..وتحكمه المصالح المادية التي تزيد من ثراء الثري و تفقير الفقير ..
في ظل النظام الرأسمالي العالمي الأمبيريالي ..أصبح الرأسمال المادي هو أساس العلاقات الإجتماعية وأضحى الرأسمال الرمزي مجرد سمة تقليدية تخلفية ليس لها شأن في عصر المال والأعمال ..
إن الرأسمالية بهذا المعنى هي نظام استعماري احتكاري يطرد القوى العاملة من حقل الإنتاج الفردي ويطبِّعهم بأفكار الرأسمالية التي أصبحت نمطا للإقتصاد وشكلا من الأشكال المتوافق عليها دوليا ومحليا رغم ما ترسخه من قهر وظلم في حق البروليتاريا والذي يحرمهم من الميزات الإجتماعية ومن كرامة العيش ومن الوجاهة الإجتماعية التي يحققها المال وتبنيها وسائل الإنتاج وتصوغها علاقات الإنتاج ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا