الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالك شبل:وعود إصلاحية بلا غد

هادي اركون

2015 / 12 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مالك شبل:وعود إصلاحية بلا غد
هادي اركون

حاول مالك شبل في لقاء على قناة Paris première 1- الفرنسية ،الدفاع عن إسلام جمهوري وحداثي منسجم مع القيم الجمهورية والحداثية ،ومنفصل عن الإسلام الأصولي أو التقليدي السائد في البلدان الإسلامية والمهاجر الغربية .وأبرز مجموعة من الأدلة والبراهين ،لتفنيد أراء خصمه ونقضيه ،في تلك الحلقة ، الكاتب الفرنسي :ايريك زيمور .
يدافع مالك شبل عن إصلاح الإسلام وتكييفه مع قيم الجمهورية الفرنسية وانتزاعه من أيدي المحافظين والسلفيين .فالنصوص لا تحول دون دمقرطة وعلمنة وتحديث الإسلام في اعتقاده.فحين تتوافر الإرادة ،يمكن تكييف الإسلام وفرنسته ،أيا كان منطوق النصوص .فمن الضروري في اعتباره ،صياغة إسلام فرنسي ،منفصل ، تنظيميا وثيولوجيا ، عن إسلام بلدان الخليج والضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط .لا مناص إذن ، من مراعاة الحس التاريخي والتكيف مع المستجدات وامتلاك المرونة الضرورية لإدماج الإسلام في الفضاء الفرنسي وتجاوز كل العثرات والاكراهات التاريخية،للخروج من عنق الزجاجة في اعتباره .
ومن اللافت للنظر ،أنه ركز على سنية المسلمين الفرنسيين ،رغم أن تحديث الإسلام المفترض ،يقتضي اطراح المقاربات الكلاسيكية للإسلام واقتراح مقاربة جديدة متجاوزة للصراعات المذهبية والطائفية .ففيما يحيل على تاريخية الشريعة ، ينسى الإحالة على تاريخية المذهب السني والشيعي ،والشروط التاريخية لتشكلهما .
فالإصلاح-مبدئيا- عودة إلى النصوص المؤسسة واطراح وساطة التاريخ الإسلامي أي عمل المؤسسات التاريخية ؛إلا أن تلك العودة ،مستحيلة بالنظر إلى تشكل النص والعلوم المفسرة والشارحة والمؤولة له في كنف ذلك التاريخ بالذات.
إن الإصلاح المقترح من قبل شبل ورفاقه ، إصلاح ظرفي لا يعيد النظر في الثوابت والسوابق التاريخية ، بل يسعى إلى عقد مصالحة ، بأي مسعى كان ، مع حداثة شهدت قطائع ما زالت في حكم المجهول في عوالم الإسلام .
فكيف يمكن تحديث وعلمنة الإسلام ،في السياق الفرنسي ،دون التخلي عن كثير من النصوص القرآنية ؟وكيف يمكن التوفيق بين حداثة مرتكزة على الإنسان والتاريخ والعقل ،وعقيدة مبنية على التعالي والمفارقة ؟ وكيف سينتمي المسلم إلى الجمهورية الفرنسية ،وهو مطالب بالانتماء في البدء والختام إلى الأمة المختارة ؟
أشار اريك زيمور إلى فشل التجارب الإصلاحية الإسلامية ،قديما وحديثا،وخاصة التجربة الاعتزالية والإسماعيلية.وبدلا من أن يضيء مالك شبل هذا الاعتراض ،ألمح إلى انتصار الاعتزال ووصوله إلى الحكم .والحقيقة أن الانتصار السياسي للاعتزال كان عرضيا ومؤذنا ،بأفول الاعتزال الفكري لا سيما بعد قرارات المتوكل و بعد البيان القادري خاصة .
ومن الضروري التأكيد ،على الجانب الدفاعي أي التبريري للاعتزال؛إن للعقل الاعتزالي ،حدودا فرضتها الظرفية الاجتماعية والسياسية وضرورة الصراع مع الكتابيين والمانويين والمفكرين المستقلين . وعليه ، فلا يمكن التعويل لأسباب منهجية ومعرفية وتاريخية ، على التجربة الاعتزالية ،في أي إصلاح متوقع .
فقد انبنى الاعتزال على الذب على العقيدة التداولية ضد التشبيه والتشريك ،باستثمار قدرات اللغة واستثمار نتف من علوم الأوائل ؛والحال أن المطلوب الآن ، هو الاندماج في بنية مفتوحة قائمة على التعاقد الاجتماعي ،والمحايثة المعرفية ،والانخراط في أفق الأنسنة .
هل يرجع فشل الاعتزال والإسماعيلية قديما وتيارات الإصلاح حديثا ( محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق ومحمود محمد طه .... الخ)،إلى اعتبارات سياسية واجتماعية وتاريخية أم إلى اعتبارات بنيوية مرتبطة بالبناء النظري للإسلام نفسه ؟
لا يتناول الإصلاحيون هذه الإشكالية إلا عرضا ،رغم أهميتها البالغة ،لا سيما في سياق تاريخي يعرف صعودا كبيرا للسلفيات الأكثر ارتكاسا على المستوى الفكري ،وتغلغل أفكارها في أوساط الشباب .
تعتقد الإصلاحية الإسلامية ، رغم كل التفنيدات التاريخية لأرائها ومطامحها ،أن الإشكال في التأويل لا في النصوص المؤسسة.فهي تعتبر الشريعة مجرد صياغة تأويلية ذات مظهر قانوني للنص القرآني .ولذلك فقانونية الإسلام مجرد مظهر تاريخي ،لا يجب أن يخفي رؤيته للتعالي وتنظيمه للعلاقات بين الملل والنحل .يسعى الإصلاحيون في معرض ردهم على السلفيات إلى إبراز تاريخية الشريعة والفقه وطابعهما التأويلي الظرفي ،المخالف لجوهر النص ورؤيته الميتافيزيقية. إن عزو إشكالات الإسلام إلى الفقه والشريعة ،أمر لا تقره الوقائع ؛فالشريعة المتداولة صياغة بعدية قطعا ،إلا أنها صادرة عن مضامين ومؤديات النص ،ورؤيته الإجمالية للتاريخ الروحي للإنسان .ينهض الإسلام ،إذن ، على مباينة تامة لليهودية والنصرانية ومفارقة كلية للتصورات والمنظورات الثنوية والتعديدية والإلحادية.
ليست الشريعة ،إلا تشريعا قانونيا ،مستمدا من رؤية رافضة للتاريخ الكتابي وللرؤى الميتافيزيقية غير الكتابية.وبناء عليه ، فمن الصعب التمييز بصورة قطعية بين الشريعة التاريخية والرؤية القرآنية . ومن هنا فنقل النقاش إلى جانب الشريعة ، مجرد إجراء وقائي لتفادي إشكاليات الرؤية القرآنية للآخر ولمعنى التاريخ الإنساني. فلئن تفنن الفقهاء والأصوليون في التفريع والتنظيم والتقنين،بفعل انخراطهم في الدينامية التاريخية لإسلام إمبراطوري ،فإنهم تشبعوا بجوهر الخطاب القرآني ومراداته وتوقعاته القيامية .
ان الشريعة صنيعة القرن التاسع ،لا سليلة النص القرآني في اعتبار مالك شبل .وبمعنى آخر ،فهي نتاج ما سمي بعصر التدوين لا عصر النبوة .وهي افقار فكري ،للخطاب القرآني المتسم في اعتقاد رواد الإصلاح بالشمولية والكلية .
(وعندما بدأ تشكيل المذاهب وعلم الكلام ورد لفظ الشريعة في المنظومات الفقهية والكلامية بمعنى الأحكام التشريعية والمبادئ القانونية ، واستبعدت العقيدة منه ؛ وبهذا أصبح لفظ الشريعة كمصطلح فقهي يفيد أساسا معنى القانون ، ولعل ذلك حدث بطريقة لا شعورية تقيم ارتباطا بين القانون والعقيدة ، باعتبار أن القواعد القانونية تستمد أسسها الدينية من العقيدة ذاتها . )- 2
إن ربط الشريعة بالتاريخ الفكري والسياسي ، لا ينفي ،بأي حال من الأحوال ،علاقتها بالنص القرآني وبرؤيته الفكرية للذات والآخر والتاريخ ومعنى الفعل الإنساني . فالذمة ،مفروضة بنص القرآن ،لا بقرار سياسي مبرر فقهيا .ووصم الكتابيين بالتشريك ،منصوص عليه ، في القرآن لا في الحديث والفقه فقط .ويمكن رفض الحجاب ( عبد الله العلايلي وجمال البنا ومحمد الطالبي ... الخ) أو حد الرجم بدعوى غياب نص قرآني صريح في شأنهما ؛إلا أن ذلك لا يمنع من الإقرار بانتماء المقررات القرآنية حول الجسد والجنس إلى أفق ما قبل الحداثة أي إلى أفق التقديس المشفوع بالعقوبة في الحال أو في المآل حين لا تحترم الضوابط الشرعية.والحداثة لا تمس السياسة والاقتصاد والتربية فقط ، بل تمس كذلك علاقة الفرد بجسده وإدارته للذاته ،وفق ما يرتئيه وما يشتهيه لا وفق ما يرتئيه السجل الديني الحافل ، في هذا الإطار بتقنينات صارمة يصل الإخلال بها إلى الجلد كما في القرآن والرجم كما في الحديث .فالعبرة بالروح الفكرية ،لا بالأحكام المستنبطة والتفريعات المقدمة.
وقد ذهب محمود محمد طه بعيدا في مخاصمة التراث الفقهي والأصولي والكلامي ؛إلا أن محاولته الأكثر جرأة حتى بالقياس إلى ما قدمه إصلاحيو المهاجر من أمثال شبل وطارق اوبرو وعبد النور بيدار وصهيب بن الشيخ ،لم تسفر عن أي حراك فكري إصلاحي.
(ومما تنطق به صدور الذين أوتوا العلم أن طريق العهد الجديد – طريق المسلمين على الأرض –ترسم خط سيره آيات الأصول – الآيات المكية –تلك التي كانت في العهد الأول منسوخة بآيات الفروع – الآيات المدنية – وإنما نسخت آيات الأصول يومئذ لحكم الوقت ...فقد كان الوقت وقت أمة المؤمنين ..وآيات الأصول تخاطب امة المسلمين ، وهي امة لم تكن يومئذ ..وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت ،وعلق العمل بها فيما يخص التشريع ،إلى أن يحين حينها ، ويجئي وقتها ، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق .. وإنما من ههنا وظفنا أنفسنا للتبشير بالرسالة الثانية .. ) 3-
يقترح مالك شبل ،كإجراء استعجالي انتخاب إمام اكبر ،على غرار الحاخام الأكبر.ولا يفوته أن يندد بسلبية الأئمة وعجزهم عن التجاوب العميق مع واقع مجتمع مختلف في كثير من جوانبه القانونية والاجتماعية والثقافية والقيمية ، مع مجتمعات المنشأ.
هل يمكن حصر إشكالات الإسلام بفرنسا في إشكال تنظيمي ؟
الحقيقة أن إشكالات المسلمين بفرنسا ،هي مجرد امتداد متجمد ،لإسلام بلدان المنشأ.
الواقع أن الاحتكام إلى الآلية الانتخابية ، سيعزز فرص التقليديين والسلفيين ،في التحكم في المنصب المقترح.مما لا شك فيه ، أن الخطاب الإصلاحي ، خطاب نخبوي ، لا يمس من قريب أو بعيد ، السواد الأعظم الغارق في العقائد والطقوس والمسلكيات التقليدية.
و أيا كانت الصعوبات الإجرائية أو العملية ،لمقترحه ،فإن الصعوبات الثيولوجية والفكرية هي الأكبر بكل المقاييس . فلئن اضطر يهود فرنسا ، إلى قبول شروط نابليون والتخلي عن كثير من الزامات الهلاخا والتلمود ،فإن النخب الإسلامية ، غير قادرة على تحقيق إصلاح تحديثي ،لأسباب متداخلة منها :
-غياب النقد اللغوي والتاريخي للنصوص المؤسسة في البلدان الإسلامية ؛فقبول اليهود للشروط النابليونية ،ما كان ممكنا لولا النقد التاريخي واللغوي والعلمي المستمر منذ نقد سبينوزا للكتاب المقدس ،وبروز مرجعيات فكرية مستقلة عن السجل الديني عموما؛فبدون نقد النص وبناء مرجعات مخالفة ومستقلة عن المرجعية الدينية كليا ودولة قوية ذات مشروع سياسي وحضاري ،لا يمكن قبول الإصلاح ؛
-تأثير اسلام بلدان المنشأ ،وهو تقليدي أو سلفي ، غارق قي يقينيات القرون الوسطى ؛ ولا يسمح بأي مساءلة نقدية أو تاريخية للنصوص أو التجارب المؤسسة في النطاق السني والشيعي على السواء ؛ وقد انتهت المحاولات الإصلاحية ،على العموم إلى اختناق نظري أو إلى تراجع عملي إلى المربع الأول .
-ارتباط الزمني بالسياسي في التجربة الإسلامية ،
-اختلاف الوضع الثيولوجي للقرآن عن الوضع الثيولوجي للكتاب المقدس ؛
-غياب الاطر الاجتماعية للمعرفة الحديثة وتغلغل التسلف الرخو أو الصلب ، في النسيج الاجتماعي الإسلامي ؛
لم تتمكن الإصلاحيات قط من احتواء السلفيات ،بسبب توفيقيتها الغالبة وافتقارها إلى الوضوح المنهجي المميز لخصومها.يبدي الإصلاحيون كثيرا من التفاؤل النظري ،حين يؤكدون على إمكان الفصل بين النص والتاريخ وبين المنظور القرآني والفقه و بين الخطاب النبوي وخطاب المؤسسات الإسلامية ؛علما أن النص تشكل في التاريخ ، بل إن تشكله التاريخي كان بداية عصر التدوين.
والملاحظ أن المؤسسة الدينية تشهر أسلحة التحريم والتفسيق والتكفير ضد أراء المصلحين ،ولا سيما إن ذهبت بعيدا في إنكار أو تعديل المقررات الراسخة في المتخيل السني أو الشيعي .
ويكشف تساند وتعاضد المؤسسات الدينية التقليدية في تكفير محمود محمد طه ،عن صعوبة ترسيخ الأفكار الإصلاحية ،مهما دعت الضرورة الحضارية إلى تبنيها ، بسبب تماسك تلك المؤسسات واستماتتها في الدفاع عن مكتسباتها التاريخية .
فبدلا من الدعوة إلى الإصلاح وإبراز جدارة الإصلاحيين كما يفعل مالك شبل ،يتوجب التفكير في أسباب وبواعث فشل الدعوات الإصلاحية ،وقلة تجذرها في تربة إسلامية ، تتمسك ،أكثر فأكثر ،بالمعتقدات والسلوكيات والتقاليد القديمة ، رغم بعض المظاهر الحداثية الظاهرة هنا أو هناك ( تقلص ظاهرة تعدد الزوجات).
لا تدرك الإصلاحية الإسلامية مفارقاتها المنهجية الكبرى ؛ففيما ترجع الفقه والكلام إلى التأويل ، ترفض الانكباب على تدوين النص القرآني ،وعلائقه بالتراث الكتابي اليهودي والمسيحي ولا سيما السرياني .فقد كان النص تأويلا لتراث عقدي سابق ،لا بدءا فكريا مطلقا كما يعتقد الإصلاحيون .وفيما ترفض الدعوات الاصلاحية العلوم التراثية ،فإنها تستند إليها في نزع الشرعية عن التأويلات القديمة . فلا يمكن منازعة التأويلات الفقهية والأصولية والكلامية في شرعيتها ، استنادا إلى كتب اللغة والنحو والبلاعة وكتب الحديث ،وهي كلها نتاج عصر التأويل .
لا يمكن تجاوز هاتين المفارقتين دون مساءلة أفق الاصلاح وتجاوزه ورؤية العالم من منظور آخر .
إحالات :
1-https://www.youtube.com/watch?v=DAkDy1eG-fc
2-[محمد سعيد العشماوي ، معالم الإسلام ، سينا للنشر ، الطبعة الأولى :1989،ص.102]،
3- [محمود محمد طه ، نحو مشروع مستقبلي للإسلام ، المركز الثقافي العربي،بيروت ،دار قرطاس،الكويت، ،الطبعة الأولى :2002،ص.75].

هادي اركون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب