الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة - الضعف و العبودية

موسى راكان موسى

2015 / 12 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول ماركس : لقد نزع النقد الأزهار الخيالية التي كانت تحجب الأغلال ، لا لكي يحمل الإنسان الأغلال عارية من كل حلم و من كل إغراء ، و إنما لكي يطرحها و يقطف الزهرة الحقيقية .

هذا الحلم و هذا الإغراء ، مرتبطان بنزعة القوة ــ فمن (( الأزهار الخيالية )) و (( الزهرة الحقيقية )) ، حيث يتحدث ماركس بشكل عام و تعبير مجازي ، إلى (( القوة )) ، حيث تم البدء بمحاولة جادة نقدية للقبض على فهم يُقيم حقيقة الأمور ، أو بتعبير آخر يكشف حقيقة الأمور .

و أود أن أقول : ليس ماركس من يدفعني في خوض هذه السلسلة ، وحدهُ ، بل يُجانبه نيتشه كذلك . أن قراءة ماركس و نيتشه معا ضرورية ، فهُما عينين لرأس واحدة ، و كل قول أنهما نقيضين ، هي نتيجة قراءة سطحية ؛ سطحية غبية . و الحق أن نيتشه تحدث عن (( القوة )) بشكل أكثر توسعا من ماركس ، ففي حين إكتفى ماركس بكشف صنف من القوة [ القوة | الحقيقية ، المادية ] ، أي قوة العمل ، تحدث نيتشه عن بعض أصناف القوة [ القوة | الوهمية ، التجريدية ] ، إلا قوة العمل . و رغم أن الطابع الأدبي يغلب على كتابات نيتشه ، في حين تغلب النكهة الإقتصادية على كتابات ماركس : إلا أن كلاهما هيراقليطسيين ؛ فبجانب الجانب الجدلي [الديالكتيكي] في كتاباتهما ، فهُما لا يُقرآن بسرعة .

إن شرطيّ القوة هما (( التملّك )) و (( التفاعل )) ، و العلاقة بين الشرطين هي علاقة طردية ، و هذا يشمل { القوة } سواء بسواء [[ الحقيقية ، المادية ]] و [[ الوهمية ، التجريدية ]] / هذا لا يعني أن [ القوة | الحقيقية ، المادية ] تماثل [ القوة | الوهمية ، التجريدية ] ، إنما القصد [[[ مقبوليتهما ]]] ضمن إطار { نزعة القوة } عند الإنسان ، بغض النظر عن الأحكام و القيم . _ففي الجنس على سبيل التوضيح ، ليس واحدا الموضوع الجنسي ، الذي يصل من خلاله الفرد للنشوة ، عند الجميع ، إذ قد يكون موضوع أحدهم نكاح البهائم ، و آخر نكاح الجثث ، و آخر نكاح أشياء جامدة ، و آخر نكاح الأطفال (... إلخ) ؛ المغزى أن تلك المواضيع رغم الإختلاف فيما بينها ، و رغم إختلاف الأحكام و القيم تجاهها ، [[[ قابلة ]]] لأن تكون موضوع جنسي عند الإنسان_ .

أبعد هذا الحديث كله ، هل (( الضعف و العبودية )) ذات [[[ قابلية ]]] ضمن إطار { نزعة القوة } عند الإنسان ؟! . نعم ، ما داما يخضعان لشرطيّ القوة : (( التملّك )) و (( التفاعل )) . _و قد يُعترض على ذلك بالقول أن (( الضعف و العبودية )) في تضاد مع (( القوة )) ، إلا أن ذلك غير صحيح ، و سآتي بمثال بسيط لاحق للتوضيح أكثر . و تجدر الإشارة إلى أن المُفكر علاء هاشم مناف في كتابه { نظرية القوة } ، ذكر أن (( العنف )) هو ضد (( القوة )) ، ضمن إطار أبستمولوجي_ .

المرأة هي الأخرى تنزع للقوة ، و ليس الرجل وحده من ينزع لها ــ إلا أنه و لأسباب تاريخية إرتبطت (( القوة )) عند المرأة ، بـ(( الضعف و العبودية )) _و الحديث هنا بشكل عام_ ؛ أي تكمن القوة عند المرأة في ضعفها و عبوديتها [!] . الحديث ليس عن المرأة التي تجبرها الظروف أن تكون في موقع مُعيّن ، بل عن المرأة التي مع تغيّر الظروف تريد أن تكون في موقع مُعيّن ؛ موقع الضعيفة العبدة ــ إن (( الضعف و العبودية )) عندها ذات [[[ قابلية ]]] في { نزعتها للقوة } .

لذلك فإن المرأة المُستقلة التي تملك قرار نفسها ، تزعزع قوة لها وجود تاريخي عند الكثير من الأخريات ، لذلك ليس بغريب أن أول من يهاجم تلك المرأة المُستقلة هي ألسن نساء العبودية و الضعف ــ بل إن الأمر قد يصل إلى عنف و إعتداء من طرفهن تجاه المرأة المُستقلة .

و الجدير بالذكر ، أن نيتشه في هجومه الضاري على الأنثوية و النساء ، كان يقصد هذا الجانب [[[ القوة الكامنة في الضعف و العبودية ]]] ، و لم يكن هذا الصنف من القوة حكرا للنساء ، إذ يشير إلى وجود هذا الصنف عند غير النساء تحت المسمى الوصفي { الأنثوية } ، _و قد طال هذا الوصف عنده المُتدينين ، و على وجه الخصوص المسيحيين . و تجدر الإشارة إلى أن هذه النقطة تحيلنا إلى طرح سابق (( القوة ـ الإيمان و الإلحاد )) ، و التي قد توضح لنا أمورا أكثر_ .

يكمن خطر هذا الصنف من القوة ، في سيادته تارة (أي في إمساك أصحابه لزمام الأمور و السلطة) ، و في تأثيره على الآخرين (أي الذين قد يتعاطفون معه) . إن الشعارات التي تنادي بالوقوف مع حثالة المجتمع و الإنتصار لهم (من ضعفاء و فقراء و مُهمشين و بائسين و عبيد) هي ذات طابع ظلامي يجب الوقوف في وجهها _و قد تحدث برنارد هنري ليفي عن ذلك في إشارة إلى ما أسماهُ اليسار الظلامي_ ، فجزء من خطرها يكمن في أنها تستند إلى أحاسيس الشفقة و التعاطف و الهراء التصوّفي الإنساني في الوقوف معهم و الإنتصار لهم ، بالتالي تجييش أنصار من غير أصحاب هذا الصنف من القوة ؛ فهي تقوم بدور تضليلي ضمن إطار الصراع الطبقي كمسخ القيم و قلبها (و قد تحدث نيتشه بإسهاب عن ذلك) ، أو كإلغاء الصراع الطبقي بالتحوّل لصراع ضد الأغنياء و الأسياد (و قد إتخذت أحزاب يسارية و شيوعية هذا التحوّل) .

فبناءا على العلاقة الطردية القائمة بين شرطيّ القوة (( التملّك )) و (( التفاعل )) ، يجب العمل في مواجهة هذا الصنف من القوة . و ذلك يبدأ بالتخلي عن كل تعاطف و شفقة تجاه أصحاب هذا الصنف من القوة [ و ذلك بمحاربة العطف و الشفقة تجاههم ] ، بجانب العمل ضد وضع الضعف و العبودية [ كوضع قائم ، و كأسباب مؤدية إلى قيامه ] .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القوة بين ماركس و نيتشه
سعيد زارا ( 2015 / 12 / 6 - 02:38 )

العزيز راكان تحية خالصة

اعلق هنا لست لاعارضك ان نيتشه تطرق الى القوة بشكل موسع عن ماركس, بل لاعارضك على جعل ماركس و نيتشه مترادفين قرينين في فهمها للقوة و انهما عينين في راس واحدة .

عند ماركس ان الانسان و هو القوة الرئيسة في قوى الانتاج طبعا ينزع الى القوة و بالتالي الهيمنة على اخيه الانسان و الطبيعة ضمن علاقات الانتاج , لكنه ينزع الى القوة و السيطرة على الطبيعة فقط عندما لم تعد هناك علاقات انتاج اي ان فعل الانسنة يتقدم مع اضمحلال نزوع الانسان الى القوة الموجهة ضد الانسان عندما يتخلص الانسان من اغلال الانتاج, رغم ان هذا النزوع كان ضروريا لتقدم الانسان.
اما نيتشه فلا يرى في نزوع الانسان الى القوة و هيمنة الانسان على الانسان طريق الى تخلص الانسان من نزوعه الى القوة ضد الانسان.

نيتشه كان يكره الاشتراكيين و كان يدعوهم بالاوباش فهل تستوي رؤية اشتراكي مع كارهه.


2 - الرفيق العزيز زارا
موسى راكان موسى ( 2015 / 12 / 6 - 15:28 )
الرفيق العزيز سعيد زارا .. تحية طيبة ،

تناول كارل ماركس { قوة العمل } ضمن حديثه عن نمط الإنتاج الرأسمالي ، و منها إنطلق فتناول القيمة فالربح ، إذ أن مؤلفه -الرأسمال- يستند بكله على { قوة العمل } ، و قد ذكرت في الطرح : (( إكتفى ماركس بكشف صنف من القوة [ القوة | الحقيقية ، المادية ] )) ؛ و كنت أقصد { قوة العمل } ، و بشكل أكثر دقة : قوة العمل المُنتجة / أي قوة العمل التي تتجسد أو تختزل في شكل مادي (سلعي) .


و ليس [الإقتصاد] هو محرك التاريخ ، إنما هو [الصراع الطبقي] _و إن كان الصراع الطبقي يتجوهر في الإنتاج و حوله بشكل حاسم_ ؛ و الذي أعتقد أنه ينطبق مع [النزوع للقوة] ــ لولا أن [الصراع الطبقي] أكثر تحديدا من [النزوع للقوة] ؛ إذ [النزوع للقوة] في وجوده في المجتمع يحدده و يحده الوجود الإجتماعي بقوانينه ضمن تكتلات معيّنة محددة (أي الطبقات و الفئات) ، فيصح أن يُختزل في [الصراع الطبقي] / فـ[النزوع للقوة] هو مُتأصل سيكولوجيا قبل أن يكون سيسيولوجيا ، إلا أن {مواضيع القوة} تُحدْ و تتحدد و في أحايين تُحسم بالنفي سيسيولوجيا .


3 - يتبع
موسى راكان موسى ( 2015 / 12 / 6 - 15:29 )
و إن كانت [ القوة | الحقيقية ، المادية ] تمثل نقطة الإرتكاز و الحسم بالنسبة لنا (و قد أسهب ماركس في تناولها) ، إلا أنه لا يجب غض النظر عن أصناف [ القوة | الوهمية ، التجريدية ] ، إذ هي قد تلعب دورا حاسما و تصبح هي نقطة الإرتكاز كما هو جاري في الوقت الراهن عبر سيادة و تسيّد الطبقة الوسطى ــ و الحق أن نبوءة نيتشه لا نبوءة ماركس قد تحققت في أوروبا (على الأقل في الوقت الراهن) ؛ فالأول تنبأ بسقوط أوروبا في العدمية ، و الثاني تنبأ بحلول الشيوعية في أوروبا .


لكن أود القول أنه حتى في حالة وصول البشرية إلى الشيوعية حيث تفنى الطبقات ، إلا أن [النزوع للقوة] سيبقى ، على الرغم من نفي بعض {مواضيع القوة} ؛ و أعتقد أن الحديث عن المسائل الراهنة في الشيوعية و ما بعد الشيوعية في الوقت الحالي ليس إلا عبث / فكما تعلم الشيوعية ليست نهاية التاريخ .


4 - يتبع
موسى راكان موسى ( 2015 / 12 / 6 - 15:30 )

أما بخصوص رؤية نيتشه لنزعة القوة ضد الإنسان ، فشخصيا أعتقد أنها رؤية لا تتناقض مع رؤية ماركس للصراع الطبقي أو دكتاتورية البروليتاريا ، بل بالعكس تدعم رؤية ماركس بتوضيحها و تصريحها ــ أنها ضد الإناركيين (المسيحيين الجدد كما يصفهم نيتشه) و الإشتراكيين (الطوباويين و القوميين) و الوسطويين (و بشكل خاص رجال الدين و الإنتلجنسيا و الفلاسفة) .


و لأكون صريحا معك رفيق زارا ، إن وضع الماركسية اليوم يجعلها أحوج ما تكون إلى مجانبة النيتشوية . فالدعوة الإنسانية التي لوّثت الماركسية فحرفتها إلى دعوة إلى الحرية و المساوة و العدالة الإجتماعية ، قد تحوّلت على إثرها الأحزاب الشيوعية (معظمها) إلى أحزاب تنتصر للطوباوية _طوباوية من أردأ نوع_ (أي تحوّلت لأحزاب عقيمة) ، هذا كله يدفعني إلى التصريح بحاجتنا إلى مطرقة نيتشه ؛ بجانب مطرقة ماركس : بتعبير آخر نحن بحاجة لكِلا العينين ((ماركس)) و ((نيتشه)) .


تحياتي ،


5 - الرفيق العزيز راكان تحية
سعيد زارا ( 2015 / 12 / 7 - 23:20 )

كانت اشارتي اعلاه الى النزوع الى القوة من حيث هو نزوع الى الهيمنة او ان اشئت نزوع الى التملك كما يقول المقال لا يكون الا في اطار صراع او ان شئت في اطار تفاعل, لذلك اشرت الى ان ماركس اوضح ان الصراع هو صراعين واحد بين الانسان ضد اخيه الانسان و هنا يكون الصراع الطبقي مجالا لتسلط ارادة القوة القوية على ارادة القوة الضعيفة و هو صراع تاريخي مرتبط بتطور قوى الانتاج, و الثاني صراع ضد الطبيعة و هو صراع ازلي وجد منذ وجود الحيوان الانسان, و هو صراع تتجه فيه ارادة قوة الانسان نحو ترويض قوى الطبيعة العمياء.

حسنا فعلت ايها الرفيق ان ربطت النزوع الى القوة بالصراع الطبقي. فكل اشكال القوة الوهمية و التجريدية لا معنى لها ان لم ترتكز الى القوة الحقيقية المادية , فمثلا فوكو عندما يجاهر بان مفهوم الماركسية قاصر حول السلطة لانها تحصره في جهاز الدولة في حين انها شبكة علاقة القوة الموجودة في كل الهرم الاجتماعي في الخطاب و في المعرفة, فان ييغض النظر الى ان هذه الشبكة لا يمكن ان تفعل فعلها لولا جهاز الدولة.

اما نبوءة نيتشه, فلك ان تعلم ايها العزيز انالنيتشوية هي من اغرقت اروبا في العدمية


6 - تحية طيبة .. الرفيق سعيد زارا
موسى راكان موسى ( 2015 / 12 / 8 - 13:56 )

تعلم تماما يا رفيق أن -الدولة- لم تهبط من السماء ، و أن الذي أدى إلى ظهورها ليس إلا الصراع الطبقي . لكن أيضا -الصراع الطبقي- لم يهبط من السماء ، و أن الذي أدى إلى ظهوره ليس إلا نزعة القوة . و على الرغم من أن الديالكتيك هو تعبير عن حركة ، إلا أني أجد أن نزعة القوة هي هي جوهر الديالكتيك ؛ بمعنى آخر ما يجعل الديالكتيك ديالكتيكا هي نزعة القوة (و لم أكن أرغب في التسرع في قول كل هذا بهذا الشكل في الوقت الراهن / فالتفصيل و التوضيح في المستقبل القريب) .

إن مفكرا كمثل مهدي عامل يخطئ ، تماما كما يخطئ أي رجل سكير في الشارع ، كما يخطئ فوكو حتما ، لكن ليس كمثل مجموعة المغالطات التي أوردها تروتسكي عن نيتشه .

يكرر الكثير بشكل متعمد ، و أحيانا عن دون عمد ، أن نيتشه عدمي ـ و هذا غير صحيح ؛ و تكفينا أن نعود إلى تصريحات نيتشه نفسه في جل مؤلفاته .

أما بخصوص فوكو ، فلست أميل إلى تخطئة و تبرئة ما جاء به [[ بجرة قلم ]] ، فما لم يُقرأ فوكو كما يجب ، و يتم نقده كما يجب ؛ وُجب علينا أن نقرأه و نتناوله نقدا إذا كما يجب . و بعد أن أنهيت له سلسلة تاريخ الجنسانية أعتقد أنه ليس نيتشويا ؛ و إن كان إستفاد منها .

اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا