الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرقام حنا بطاطو ... الرقم سمكة

جعفر المظفر

2015 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أرقام حنا بطاطو ... الرقم سمكة
جعفر المظفر
تاسيس النظريات على أرقام مجردة من زمانها ومكانها غالبا ما يؤدي إلى نتائج خاطئة, بل وكارثية أيضا, فالرقم كالسمكة ما أن تخرج من مائها حتى تموت وكذلك الرقم حينما يخرج من زمانه ومكانه.
العقليات التي تدعي العلمية وتعتمد الأرقام المجردة لتأسيس حقائق دون العودة إلى زمان الرقم ومكانه, هي عقليات ساذجة. إنها تؤسسس لنظريات جديدة على أرقام منقطعة الجذور.
في العهد الملكي مثلا كانت عودة حنا بطاطو الرقمية لقراءة تاريخ العراق على ضوء المقارنات الرقمية بين عدد الوزراء الشيعة مقارنة بعددهم من السنة قد جعلته يعتمد نتيجة تلك المقارنة الرقمية المجردة من مجمل ظروفها المكانية والزمانية لتأسيس نظرية ساذجة إن لم تكن مضللة. نظرية بطاطو في كتابه المعنون (العراق) والذي تبناها حسن العلوي في كتابه المعنون (العراق والدولة القومية)تعتمد على تلك المقارنات الرقمية العابرة لزمانها ومكانهاللتأكيد على أن العراق كان تحت الهيمنة السنية دون توقف محايد للبحث في عموم الظاهرة الطائفية وعقدها وأنواعها المتداخلة.
ليس بوسع أحد أن ينكر ابدا ان تركيبة السلطة كانت عدديا تميل بوضوح لصالح السنة, واللفظة هنا, سنة .. شيعة, لا تعني بطبيعة الحال ما هي عليه الآن من معاني سياسية, بل نجد ان الأغلبية المطلقة من سنة السلطة أو شيعتها كانوا علمانيين أو غير فاعلين أو مفعلين طائفيا, كما ولم تكن لهم صلة بمرجعيات دينية ساندة مما يعطل القيمة الطائفية الحقيقية لمسألة النسب تلك ويبطل فاعليتها الطائفية على عموم الدولة العلمانية. مع ذلك فإن الأمر كان يجب أن يتجاوز الوصف إلى التفسير حتى نجيب على سؤالين هامين في ذات اللحظة : لماذا وكيف.
الإجابة على (لماذا) ستعطينا قدرة إستيعاب الحالة على ضوء متابعة اسبابها, فإن كان ما يهمنا هو البحث عن الحل الذي يجب ان يمر من خلال فهم حقيقي لمعطيات الماضي, فستكفل القدرة على الإقتراب من الـ (كيف) تقديم بديل إيجابي يتجاوز حالة رد الفعل السلبي إلى حالة تقديم فعل إيجابي.
لكن المشكلة تبقى أن لا أحد إلا القليل جدا الذي يهمه الحصول على إجابة تتعدى حدود التوصيف إلى مساحة التفسير التي تتطلب الإحاطة التامة بالمشهد الموصوف, كما أن الأغلبية تنظر إلى الحقيقة كما تحبها وليس كما هي عليه, وهي لن يهمها بكثير متابعة خلفيات تلك الحقيقة ومجمل الظروف التي ساهمت بتصنيع مشهدها الناتئ, فربما يجعلها ذلك في مواجهة حالة تقنعها, ليس لضرورة تغيير التوصيف, وإنما تغيير الإستنتاج الذي يتأسس على ذلك التوصيف. مثلا هناك المشهد السابق الذي يتحدث عدد الوزراء الشيعة بالمقارنة مع اقرانهم السنة. الوقوف امام المشهد, كما هو, والإعتماد عليه للحصول على إجابة تحدد وجود طائفية الأنظمة السابقة من عدمها يخلق لنا مشكلة خطيرة, ليس على صعيد نوع الإجابة وإنما على صعيد طريقة الحصول عليها, وسيجعلنا ذلك فرحين بالحصول على أجوبة سهلة لأسئلة معقدة.
من ناحية ثانية فإن التأكيد على غياب كل أنواع الطائفية عن العراق قبل إحتلال عام 2003 هو نوع من أنواع الدفاع السلبي المنفعل الذي يوظف التنقيب لصالحه.
إن أصل الخلل هنا هو سياسي, فما من جهة سياسية إلا ويهمها التنقيب عن الحقائق بالصيغة التي تمكنها على الوصول إلى أجوبة هي بطبيعتها منحازة, كما أن الجواب المعد سلفا غالبا ما يضبط عملية التنقيب عن الحقائق بإتجاه خدمته فيكون التركيز على بعضها وإهمال البعض الاخر قد جرى بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة الإجابة المعدة سلفا وليست المستحصلة لاحقا.
من ناحية ثالثة هناك الدور المعطل لطبيعة المقارنات نفسها, فما أن تجري مقارنة العهود العراقية السابقة بالعهد الذي اقيم بعد إحتلال العراق حتى تكون النتيجة واضحة, وهي نتيجة تنفي وجود طائفية سياسية في العهود السابقة بعد التأكيد على علمانية تلك العهود.
نتيجة كهذه, ومن خلال مقارنة غير عادلة تجعل عملية الحصول على الإجابة عملية سهلة لكنها لا تجعل تلك الإجابة صحيحة وعادلة بالضرورة, إنها مثل المقارنة التي تجعل من كل لون غير معتم أبيضا بالضرورة, في حين أن تفحص ذلك اللون بمعزل عن تلك المقارنة سوف يدلنا على أقدار متفاوتة من العتمة فيه.
من ناحية رابعة نرى أن أغلب الإستنتاجات التي تؤكد على طائفية الأنظمة السابقة لم تكن تميز بين هوية النظام والإنتماء الطائفي التقليدي لأصحابه. هذا الأخير لا يمكن بكل سهولة إسقاطه على هوية النظام, ولو إننا تابعنا النشاط الطائفي السياسي والمهني لممثلي الأنظمة السابقة لوجدنا أن أغلبيتهم لم تكن لهم صلات حقيقية بالدين أو بقضايا الطائفة.
إن الدول العربية ومنها تلك التي تأسست بعد إنهيار الدولة العثمانية قامت كنقيض للدولة الدينية التي كانت ممثلة بدولة الخلافة العثمانية ولذلك فهي لم تحمل على مستواها القانوني والأخلاقي بصمات الدين السياسي المذهبي, بل ويلاحظ أن الدول التي تأسست على يد (السنة .. سوريا والعراق إنموذجا) كانت قد نتجت من ثورة ل (علمانيين سنة) ضد سلطة دين سياسي عثماني سني, بما يجعلها على مستوى التوصيف القانوني والأخلاقي والمهني بعيدة عن الطائفية السياسية نفسها.
إن العودة لقراءة التاريخ العراقي السابق على الدولة الطائفية الحالية إعتمادا على أرقام مجردة ومستقطعة من زمانها السياسي ستكون عودة غير موفقة إن لم تكن ذات أهداف تضليلية.
بكل الأشكال سوف لن يكون ممكنا أرخنة التفعيل السياسي للمسألة الطائفية الحالية دون الوقوف أمام الثورة الإيرانية على الشاه التي كانت حدا فاصلا بين مرحلتين, واحدة علمانية وثانية دينية طائفية, كما ولا يمكن دراسة الطائفية السياسية على حقيقتها, وخاصة في العراق, دون التمييز بين الطبيعة السياسية لإحتلالين : البريطاني الذي كان يهمه بدرجة أولى القضاء على دولة الخلافة الدينية العثمانية وإمتداداتها من خلال بناء دولة ذات طبيعة علمانية سياسية وقانونية, والأمريكي الذي كان يهمه بناء ما يسمى بدولة المكونات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال