الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصبة عدي وبيهي بالريش معلمة تاريخية.

عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])

2015 / 12 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتميز الجنوب الشرقي بنمط عمراني خاص يتجسد في القصور والقصبات المتناثرة على ضفاف أهم الأودية بالمنطقة لاسيما درعة وزيز فوق الربا والمرتفعات .وبتصفح المصادر القديمة لم يستعمل مصطلح القصبة إلا في القرن السادس عشر وقبل هذا التاريخ كانت القلاع والحصون هي المصطلحات الأكثر استعمالا بين المؤرخين والرحالة ولم يظهر مفهوم القصبة في المصادر إلا مع المولى إسماعيل الذي أسس عدة قصبات ناهز عددها السبعين؛ بخصائص ووظائف جديدة لحماية السهول ومنع القبائل من النزول وتأمين الطرق التجارية وأهم القصبات المعروفة نذكر قصبة بولعوان أعليل واوطاط ......وبالعودة إلى اللغة الأمازيغية المتداولة بالجنوب الشرقي نجد أن "تغرمت" الكلمة الموازية للقصبة معروفة منذ القديم حتى قبل تأسيس سجلماسة لأن ما يعبر عنه بالحصون والقلاع على صفحات المتن والمخطوطات فهي في شكلها قصبات أو " تغرما تين " بالأمازيغية مؤنث أغرم الذي يعني القصر عبارة عن تجمعات سكنية بمواصفات عمرانية وهندسية فرضتها الظروف المناخية والإيكولوجية والأمنية .وبالرجوع إلى كلمة "أغرم" مشتقة من الجذر اللغوي "تغورما" وتعني الحضارة والاستقرار بدل الانتجاع بين المراعي الصيفية بالجبال والمرتفعات والشتوية بالسهول والمنخفضات ومنها كلمة "أغروم" الطعام الرئيسي والأساسي عند المغاربة وقديما كان الخبز الوجبة الأساسية عند الساكنة المستقرة المختصة بزراعة الحبوب على ضفاف الأودية فهو طعام القصر(الاستقرار)بينما اللحم واللبن طعام الخيمة(البداوة والترحال) وما يؤكد هذه العبارة ذكر البكري وابن حوقل في حديثهم عن مسوفة أحدى القبائل الصنهاجية التي تستقر إلى يومنا هذا بالجنوب الشرقي"وبين سجلماسة والسودان قوم ظاعنين لتطمئن بهم منزل ليس لهم مدينة يأؤون إليها إلا وادي درعة ؛والزراعة في ديارهم منعدمة وعيشهم اللحم واللبن ينفذ عمر أحدهم ولا يعرف خبزا ولأأكله" .القصر تجمع سكني تقطنه عدة عائلات أما القصبة فتختص بعائلة واحدة.وقد اشتهر الجنوب بقصبات قي غاية الدقة والبراعة العمرانية خاصة قصبة أيت بوحدو التاريخية ذات صيت عالمي إذ تستقبل سنويا نسبة مهمة من السياح من مختلف بقاع المعمور.
بعد هذا التقديم الوجيز عن القصبة نشير أن أواخر القرن 19م كان الحقبة التاريخية لظهور القصبات الخاصة بأعيان القبائل وبمواصفات عمرانية جديدة والأكثر تطورا على المستوى الهندسي والمعماري نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب حيث ساهمت الظروف التاريخية المميزة لهذه الحقبة بظهور القيادات الإقطاعية من ذوي النفوذ وأعوان الاستعمار.ويعتبر الكلاوي وعدي نماذج حية من الجنوب الشرقي.
*قصبة عدي وبيهي بالريش معلمة تاريخية:
فوق درع صخري يمتد من ضفة واد زيز بالريش أقديم تنتصب قصبة عدي وبيهي جالسة تحكي قصص وتاريخ ماضيها الزاخر بأحداث الأيام الخوالي حيث تعج بالزوار والخدم والحشم . بأشكال معمارية أصيلة تقاوم عوائد الزمن حيث تشرف على المحكمة الابتدائية من جهة ومن جهة أخرى على المحطة الطرقية لتستقبل كل زائر لمدينة الريش بعبق التاريخ وعبير الحضارة المغربية المتجذرة في أعماق التاريخ بعمرانها الأصيل بنكهة أمازيغية متوغلة بين شعاب العصور لتكون شاهدا على حقبة تاريخية بكل تفاصيلها وتلخص مسار رجل غامض إلى حد التناقض بكاريزمية قل نظيرها.فهو صديق مخلص للاستعمار.ولما امتدت أيديها لتقليم سلطاته المطلقة تمرد. وقصة الكلب المشهورة والتي يعرفها العام والخاص من أبناء الريش جعلت اليوتنان" غوسي"يتهمه بالجنون ويودع بمستشفى الأمراض العقلية ببر شيد سنة 1949 عقابا له على رفض إجراء الاستعمار وليس بدوافع وطنية كما يقول البعض وإنما من غرور الرجل الذي يريد الانفراد بقيادة المنطقة بدون منافس.وبعد الاستقلال تم تعيينه عاملا على تافيلالت؛ ولما عملت الدولة الجديدة على التدخل في تعيين القواد بمجاله الترابي تمرد من جديد وقاد العصيان المعروف بأحداث تافيلالت يناير 1957م.
ينحدر عدي وبيهي من قبيلة أيت يحيى وخليفة احدي فروع قبيلة أيت يزدك وكان أبوه بيهي نايت رهو شيخا على واحة تعلا لين وبعد خضوع القبيلة للاستعمار الفرنسي سنوات قليلة بعد معركة بوذنيب غشت 1908م.وتم تعيين ابنه عدي خلفا له ابتدءا من 1920م ساهم إلى جانب الجيوش الفرنسية بنصيب أكبر في استعمار أعالي زيز حيث اصطف إلى جانب سلطات الاحتلال ضد الأهالي من المقاومين .وسهل في احتلال الأطلس الكبير الشرقي .لهذا عين قائدا على أيت يزدك سنة 1933م مكافأة له على الخدمات التي أسداها للاستعمار بالمنطقة حيث أبان عن شجاعة وشراسة لمثيل لها في ردع القبائل المقاومة خاصة أيت مرغاد بأود يم اغف أمان وأيت حديدو بمعركة أيت يعقوب.وبهدف الاستقرار بمركز الريش تم تشييد قصبة على أرض تم انتزاعه من عائلة ازدكية للسكن قريبا من مقر الإدارة الاستعمارية للقيام بالمهمة الجديدة. فوق مرتفع صخري بالريش أقديم .ولكونه حليف الفرنسيين الأوفياء عمل على بناء هذه القصبة اعتمادا على سواعد أيت يزدك عن طريق السخرة (أربعة أيام) وهو أسلوب استعماري ناهجته سلطات الاحتلال وفرضته بالقوة على القبائل وهو نظام العمل على إصلاح الطرق وشقها بين الشعاب والجبال وبناء القناطر والمباني الاستعمارية ومنازل ودور الأعيان بصفة مجانية ودون مقابل. و كل رب أسرة عليه بالعمل مدة أربعة أيام مع إحضار دابته بغلا وحمارا لحمل الأحجار والأتربة وغيرها من المواد الأولية اللازمة وذلك عن طريق التناوب يسهر أمغار وهو شيخ القبيلة على مراقبة المداومة بكل قرية أوقصر. وبهذه الطريقة تم بناء قصبة عدي وبيهي في ظرف وجيز عن طريق اللوح وهي تقنية بناء معروفة بالجنوب الشرقي تعتمد على ألواح خشبية"تفريوين" والتراب المدكوك الممزوج بأجزاء حجرية لضمان تماسك الجدران ؛وجلب خشب الأرز من غابات يتزر للسقف. واستقدم الصناع من المزخرفين والنجارين والكباصين من تودغا وأغلبهم ذوي خبرة عالية في زخرفة وتنميق القصبات والكثير منهم قام بهذه المهمة في مباني وقصور الكلاوي. لأن عدي وبيهي يحاول تقليد هذا الأخير في السلطة وفي المكانة الاجتماعية رغم وجود الفارق في المجال الترابي الخاضع لسلطة القائدين .الأول حاول إخضاع كل الجنوب الشرقي إضافة إلى مراكش و أجوازها؛ ولم يمنعه من الوصول إلى زيز وتافيلالت إلا كاريزمية عدي وبيهي والقوة الحربية المتميزة لقبائل المنطقة أيت يفلمان وأيت عطا.
وقد حاول عدي وبيهي بناء قصبات في غاية من الروعة والجمال تضاهي قصبات الكلاوي بكل من" تلوات "عاصمة هذا الأخير .وبإجراء مقارنة بسيطة بين قصبات الكلاوي وقصبتا عدي وبيهي بكل من الريش وكراندو يلاحظ تشابه ظاهري على المستوى الهندسي الخارجي على الأقل فهي مباني عالية ذات أبراج رباعية عالية .أما على مستوى الداخلي فالمواد المستعملة في قصبا ت الكلاوي عصرية استورد ها من الخارج خاصة من فرنسا. ومن الأحداث الرئيسية التي كانت قصبة عدي وبيهي مسرحا لها نهاية الخمسينات من القرن الماضي جعلها قاعدة أساسية لتوزيع الأسلحة على القبائل خلال يناير1957م. للرحال من أيت جرهور.أما الباقية من القبائل التي شكلت العمود الفقري لقوة عدي وبيهي تم تسلحها بقصبة المدخل الشمالي لواحة تعلا لين بكراندو مسقط رأسه.
نافلة القول فقصبة عدي وبيهي بالريش تحفة تاريخية تحتوي على مكونات عمرانية غنية برموز ونقوش بقيم جمالية. تلخص الكثير من الأحداث التاريخية التي ميزت مغرب مابعد1956م عامة والجنوب الشرقي بصفة خاصة.ومسالة الحفاظ عليها نقاش جدير بالاهتمام لأنها قد تتعرض للضياع بفعل المؤثرات الطبيعية والمناخية ورد الاعتبار إليها واجب مفروض على ورثة عدي وبيهي و المجلس البلدي بالريش والمجتمع المدني ثم وزارة الثقافة بجعل تنمية المدينة فوق كل اعتبار وترك الضغائن والأحقاد بين مختلف الحساسيات السياسية بالمدينة والبحث عن الحدود الأدنى إذا كان بالفعل هاجس التنمية الفعلية للمدينة وساكنتها هو المحرك الأساسي لكل الفعاليات المعنية.. لأن التنمية السياحية وصيانة التراث المادي للمدن من الصلاحيات المخولة لرئيس الجماعة والمنقولة إليه من الدولة حسب القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات بضرورة المساهمة في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايته من الضياع باتخاذ التدابير اللازمة.ومن الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة نذكر تأهيل وتثمين السياحي للمدن والمعالم السياحية والمواقع التاريخية وفق هذا المنظور من الواجب على كل الأطراف المعنية تسخير هذه المعلمة لأهداف سياحية بترميمها وتغيير بابها الرئيسي لأنه لاينسجم مع شكل القصبة وضرورة الاستعانة بالمختصين في التراث المعماري لإعادة الباب القديم من الخشب المزين بمسامير مع خلخال حديدي يستعمل للطرق على شاكلة هاتف الأبواب المستعمل في الفيلات الحديثة وهو المناسب لهذا النوع من العمران التقليدي المحلي والحل بيد أحفاد القائد لإعادة الاعتبار لجدهم ؛لماذا لا يتم التفكير في جعل هذه المعلمة التاريخية متحفا يجمع التراث المادي المحلي بكل مكوناته ؛بدل تركها عرضة للإهمال والضياع .
أمضاء:عدي الراضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ