الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتح عمورية

محمد يسري

2015 / 12 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان رد فعل المسلمين تجاه ما حدث في زبطرة سريعا فقد خرج اهل الثغور من الشام والجزيرة لقتال العدو البيزنطي الا من لم يكن عنده دابة ولا سلاح

اما المعتصم، فانه استعظم ما حدث وغضب غضبا شديدا وعزم ان يرد الضربة للروم وامر بالنفير العام ، ثم امر عدد من قادته بالتوجه بجزء من الجيش نحو زبطرة لإنقاذ اهلها ومناوشة البيزنطيين وكان من هؤلاء القادة عجيف بن عنبسة وعمر الفرغانى ومحمد كوتة وعندما وصل الجيش العباسي ل زبطرة وجد ان ثيوفيل قد رجع الى بلاده فلبثوا هناك لتأمين اهل المدن المفجوعة وطمأنتهم وارجاعهم الى ديارهم
ويروى المؤرخون المسلمون عددا من القصص والروايات الحماسية التي تفسر الحماس الشديد الذي ابداه المعتصم قبل الخروج للأراضي البيزنطية ومن ذلك ما رواه ابن الاثير ان المعتصم قد بلغه ان امرأة هاشمية صاحت وهي اسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه فأجابها وهو جالس على سريره لبيك لبيك ونهض من ساعته وعمل على حشد جيشه وتجهيز قواته.
ومن ذلك ايضا ما رواه المسعودي انه لما ضج الناس في الامصار من المذابح التي قام بها الروم في حملتهم، فأن ابراهيم بن المهدى دخل على المعتصم وانشده قصيدة طويلة يذكر فيها ما تعرض له المسلمين من مذابح، ويحضه على الجهاد والغزو

ويبدو ان تلك الاحداث قد اثرت تأثيرا عظيما على المعتصم فاحضر قاضى بغداد عبد الرحمن بن اسحاق وشعيب بن سهل ومعهم ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلا من اهل العدالة، واشهدهم على ما وقف من الضياع فجعل ثلثا لولده وثلثا لله تعالى وثلثا لمواليه وكان ذلك الفعل بمثابة الوصية وهو ما يجعلنا نرى الحماسة والعزم الشديدين اللذان انتابا المعتصم قبل خروجه في جهاد الروم.
اما عن الهدف الذي حدده المعتصم لحملته، فيوجد خلاف بين المؤرخين في توقيت تحديده فبينما يروى الطبري وابن الاثير ان المعتصم لما ظفر ب بابك الخرمي سأله أي بلاد الروم امنع وأحصن؟ قال له عمورية لأنه لم يتعرض لها أي ملك من ملوك الاسلام من قبل، وهي عين النصرانية وأشرف عندهم من القسطنطينية اما ابن طباطبا فانه يروى انه بعد مسير المعتصم وخروجه على راس جيشه فانه قد ظفر ببعض الروم، فسألهم عن أحصن مدنهم فقيل له عمورية
ومن المرجح ان المعتصم قد قرر قصد عمورية وجعلها هدفا لحملته اثناء الحملة وليس فيما قبل ذلك
خط سير حملة المعتصم
يبدو ان المعتصم في تلك الحملة قد تجهز جهازا كبيرا جدا لدرجة ان الطبري يذكر ان المعتصم تجهز جهازا لم يتجهز مثله من قبله خليفة قط واعد المعتصم كميات كبيرة من الاسلحة والدواب وآلات الحرب والحصار والنفط
وكان المعتصم مثله مثل باقي ملوك ذلك العصر يحب ان يسأل المنجمين ويستشيرهم قبل القيام بالأعمال العظيمة، فسأل بعضهم عن نتيجة الحملة التي يزمع القيام بها فأخبروه ان وضع الكواكب ينبئ بفشل الحملة ولكن الخليفة لم يصغى إليهم وقرر القيام بالحملة وخرج من عاصمته سامراء على راس جيوشه يوم الخميس 6 جمادى الاول 223 هـ/ نيسان 838 م
اما عن حجم الجيوش العباسية في تلك الحملة فيوجد خلاف بين المؤرخين عن حجمها فبعض الآراء ترى ان الجيش العباسي وصل الى خمسمائة ألف مقاتل والبعض الاخرى يرى انه وصل الى مائتي ألف مقاتل وعلى أي حال فأنه يبدو من تلك الارقام والاخبار التي وصلت الينا عن حجم التجهيزات والاعدادات التي قام بها المعتصم ان جيشه كان عظيما جدا.
وقد قسم المعتصم جيشه على النحو التالي
المقدمة وجعل عليها اشناس ويتلوه محمد بن ابراهيم
الميسرة وعليها جعفر بن دينار بن عبد الله الخياط
الميمنة وعليها ايتاخ
القلب وجعل عليه القائد العربي عجيف بن عنبسة
واستمر المعتصم في مسيره حتى دخل ارض الروم ووصل الى نهر اللمس فأقام معسكره ،وفى تلك الاثناء كان ثيوفيل قد سمع عن خروج المعتصم والجيش الجرار الذي يتبعه وكان يعرف ان الخليفة العباسي لن يرضى بأقل من الانتقام للمذابح المفجعة التي حدثت في زبطرة على أيدي البيزنطيين ولذلك بادر الامبراطور بالخروج من القسطنطينية وبدأ يعمل على تحصين مدنه التي تقع في خط سير حملة العباسيين وجعل ايتيوس قائد جند اناطوليا مشرفا على تحصين مدينة عمورية كما انه بعث ل عمورية بإمدادات كبيرة تحت قيادة تيودوركراتيروس
اما المعتصم فقد قسم جيشه تقسيما جديدا وذلك لأنه كان يريد ان يباغت الروم من عدة مواضع وان يشتت انتباههم ويفرق قوتهم فقام بتقسيم جيشه الى 3 جيوش سار كل منها في طريق.
القسم الاول من الجيش جعل عليه الافشين حيدر بن كاوس وامره المعتصم ان يسير الى سروج وبعدها درب الحدث
القسم الثاني من الجيش وجعل عليه اشناس ، وفى يوم الاربعاء 22 رجب 223 هـ ، امر الخليفة اشناس ان يتقدم في درب طرسوس الى مدينة الصفصاف الواقعة بين ابواب كليكيا والطوانة
القسم الثالث من الجيش وقاده الخليفة المعتصم بنفسه وسار يوم الجمعة 24 رجب 223 هجريا في أثر اشناس
ويبدو ان المعتصم قبل ان يقوم بتقسيم جيشه قام بعقد اجتماع من قائديه الافشين واشناس وبين لهما خطته التي هدفت الى الوصول لمدينة انقرة ثم مدينة عمورية وسار الافشين في المسار الذي حدده له المعتصم من قبل وانضمت له في مسيرته قوات من ملطية والارمن واتبع الافشين طريق سيواس Sebastea
اما المعتصم فقد بلغه ان جيش الروم قد عسكر قرب نهر الهليس وان الروم يستعدون لمفاجأة اشناس وجيشه ولذلك بعث المعتصم خطابا الى اشناس يأمره فيه بالانتظار وبعدم التقدم حتى يصل اليه المعتصم
بلغ اشناس خطاب المعتصم وهو في مرج الاسقف فأرسل جماعة من عسكره تحت قيادة عمر الفرغانى للقبض على بعض الروم ومعرفة اخبار الجيش البيزنطي منهم وبالفعل استطاع عمر ان يتصيد بعض طلائع الجيش البيزنطي واستطاع ان يعرف منهم عدد من المعلومات الهامة جدا ومنها ان ثيوفيل قد اتجه على راس قمم من جيشه ليلاقي جيش الافشين بينما عين أحد اقربائه في وجه القوات العباسية التي يقودها اشناس والخليفة
بعث اشناس بتلك المعلومات الهامة الى المعتصم وعندها قام المعتصم بأرسال خطاب الى الافشين يذكر له فيه خروج ثيوفيل لقتاله ويطلب منه عدم التحرك للأمام حتى يقوم المعتصم بإمداده وجعل المعتصم جائزة قدرها 10 الاف درهم لم يستطيع ايصال رسالته الى الافشين وكذلك امر المعتصم اشناس ان يرسل من قبله الرسل لإيصال رسالته الى الافشين ولكن الافشين كان قد توغل كثيرا في بلاد الروم لدرجة ان الرسل الذين بعث بهم المعتصم واشناس لم يستطيعا اللحاق به
وامر المعتصم اشناس بالتقدم وسار من ورائه وكان بين الجيشان مرحلة واحدة وحدثت مشكلة كبيرة في معسكر المعتصم بسبب عدم توفر الماء والعلف
وكان اشناس قد اسر العديد من الروم اهل البلاد اثناء مسيره فامر بضرب عنقهم فخرج له أحدهم وقال انه يستطيع ان يدله على مكان به الكثير من العلف والماء والمؤن ان امنه على نفسه فوافق اشناس وبعث معه جزء من الجيش فوجدوا فعلا ما حدثهم به الاسير الروماني فبعث اشناس بذلك الى المعتصم فسر به
اما الافشين فكان قبل ذلك الوقت قد اشتبك مع الامبراطور البيزنطي ثيوفيل بالقرب من مدينة دازيمون يوم الخميس 25 شعبان 223 هجريا وكان التفوق للإمبراطور في بداية المعركة واستطاع ان يكبد المسلمين خسائر كبيرة ولكن سرعان ما استطاع الافشين تنظيم صفوفه واستطاع ان يضغط على البيزنطيين فتراجع الكثير منهم وحدث اضطراب شديد في صفوف الجيش البيزنطي واضطر ثيوفيل الى الهرب بعد ان خاف خيانة حلفائه الفرس
وتروى بعض الروايات الرومانية ان القواد الذين هربوا من تلك المعركة قد قدموا فيما بعد على الامبراطور ثيوفيل وتجردوا من سيوفهم وحكموا على أنفسهم بالموت ولكن ثيوفيل سامحهم ورحمهم وعفا عنهم
وبالإضافة الى الكارثة التي حلت ب ثيوفيل في دازيمون فأنه عقب المعركة قد عرف اخبار محزنة جديدة وهي ان القوة البيزنطية التي كان قد تركها عند نهر الهيليس قد تفرقت ولم تطع قائده قريب الامبراطور
واثناء تقدم اشناس نحو انقرة وجد بعض البيزنطيين الذين اصيبوا اصابات حديثة فقام اشناس بالاستفسار عن تلك الاصابات وعرف منهم انهم كانوا ضمن الجيش البيزنطي الذي هزم في موقعة دازيمون فبعث اشناس بتلك الاخبار السعيدة للمعتصم

اما ثيوفيل فقد قام بأخلاء انقرة، وحشد قواته في مدينة عمورية تحت قيادة خاله ياطس حاكم ولاية اناطوليا ، وكان ثيوفيل قد سمع بعض الانباء عن حدوث مؤامرة عسكرية ضده في القسطنطينية فسارع بالمسير اليها
ويذكر ميخائيل السرياني انه بعد ان هزم ثيوفيل في دازيمون، فان بعض القوات البيزنطية الهاربة من المعركة قد وصلت للقسطنطينية واشاعت هناك ان الامبراطور قد هلك فأرسلت ام ثيوفيل الى ابنها تطلب منه المجيء للقسطنطينية لمنع اختيار امبراطور اخر
وحاول ثيوفيل ان يصل لحل سلمى مع الخليفة، فأرسل البطريرك باسيليوس الى المعتصم يحمل رسالتين وعدد من الهدايا، وكانت الرسالة الاولى فيها اعتذار الامبراطور عما حدث في زبطرة اما الرسالة الثانية فكان بها تهديد ووعيد من الامبراطور للمعتصم في حالة انه لم يتراجع الى بلاده ولما قرا المعتصم الرسالتين غضب غضبا شديدا وعزم على اكمال حملته
وكان المعتصم قد لحق ب اشناس في انقرة حينذاك، وبلغ على المعتصم رسول للأفشين يبشره فيه بالنصر ويبلغه بقربه منه واستعداده لبلوغ انقرة وبالفعل وصل الافشين الى انقرة بعد ورود كتابه على الخليفة بيوم واحد وبوصول الافشين الى انقرة، اكتمل الجيش العباسي مرة اخرى.
اجتمع الجيش العباسي في انقرة ومكث بها لمدة ثلاثة ايام وقام المعتصم بتدمير المدينة وتخريب اسوارها واستطاع المعتصم ان ينتقم لما حدث في حملة ثيوفيل ضد زبطرة
وقام المعتصم بتقسيم جيشه مرة اخرى، على النحو التالي
الميسرة، وجعل عليها اشناس
القلب، وعليه المعتصم
الميمنة، وعليها الافشين
ثم امر المعتصم ان يكون لكل قسم من اقسام جيشه الثلاثة ميمنة وقلب وميسرة أي ان المعتصم قد حول كل قسم من اقسام جيشه الى جيش مكتمل متمايز، وامر المعتصم قادته بإن يقوموا بالتخريب والتدمير في أي مكان يحلون به وان يفعلوا به كما فعلوا في انقرة
كما ان المعتصم قد رتب الجيوش الثلاثة بحيث تكون المسافة بين كل جيش والجيش المجاور له فرسخان وقد ادى ذلك الى اجتياح المسلمون للكثير من المناطق البيزنطية وهو ما اثار الرعب والهلع في ارجاء الامبراطورية.
وكانت وجهة المعتصم عقب خروجه من انقرة هي مدينة عمورية وكانت بينها وبين انقرة مسافة تعدل سبع مراحل
ومن اسباب توجه المعتصم ل عمورية الاتي: -
1-انها مسقط راس الامبراطور ثيوفيل
2-ان الامبراطور البيزنطي قد حشد بها قواته الباقية في منطقة الاناضول بعد هزيمته في معركة دازيمون
3-قربها من مدينة انقرة
وبعد سبع ايام من المسير وصل الجيش العباسي الى مدينة عمورية وكان اول من وصل اليها هو اشناس ثم تبعه الخليفة المعتصم ثم الافشين وكانت عمورية في ذلك الوقت على قدر كبير من الحصانة والمناعة فكان يحيط بها سور مرتفع به أكثر من اربعين برج بالإضافة الى وجود خندق واسع خارجها
ولما وجد المعتصم المدينة على تلك الدرجة من الحصانة، بدا في تقسيم قواته ليختص كل جزء منها بناحية معينة من المدينة ووزع قادته على الابراج بحيث يختص كل قائد من قادة الجيش العباسي بعدد معين من ابراج المدينة بحسب طاقته
وكان هناك احد المسلمين الذين اسرهم اهل عمورية من قبل داخل المدينة، وكان قد تنصر اتقاء لشر البيزنطيين، وعندما وجد هذا الرجل الجيوش العباسية تحاصر مدينة عمورية، خرج من المدينة وذهب الى الخليفة المعتصم واخبره ان السور الذى يحيط بالمدينة به جزء قد تهدم من قبل نتيجة هطول الامطار والسيول، وان الامبراطور البيزنطي ثيوفيل قد امر حاكم المدينة ان يقيم ذلك الجزء المهدوم ولكن حاكم المدينة قصر في ذلك، ثم قام ببناء وجه السور بالحجارة دون ان يحشيه بالحجارة من الداخل وذلك حتى لا يراه الامبراطور متهدما فيجازيه وعندما سمع المعتصم تلك الاخبار من ذلك الرجل ذهب الى ذلك الموضع من السور وضرب خيمته في مقابلته وامر جيشه فتم نصب المجانيق وضرب ذلك الموضع بكثافة
وسرعان ما تصدع ذلك الموضع من السور عقب ضرب المجانيق، فبدأ البيزنطيين في محاولة دعم السور بوضع اعواد الخشب الكبيرة ولكن تلك الطريقة لم تفلح في صد احجار المنجنيق المتواصلة في ضرب السور وتم احداث ثقب في السور
ولما وجد حاكم المدينة ياطس ما حدث من ثقب السور، عرف ان دخول المسلمين المدينة في حكم المؤكد وان قواته لن تستطيع الصمود اما جحافل العباسيين، فعمل على طلب
المساعدة من الامبراطور البيزنطي، فأرسل رسالة اليه مع اثنين من الرجال، وأخبره فيها بأمر هدم السور واقتراب دخول المعتصم في المدينة وكتب تلك الرسالة انه سوف يفتح ابواب المدينة ليلا ويقاتل المسلمين ثم يتجه بقواته نحو الامبراطور
ولكن امر الرجلين اللذان كانا يحملان الرسالة انكشف عند المسلمين، فقبضوا عليهما ثم ذهبوا بهما الى المعتصم الذي قرا الرسالة وعرف ما كان ياطس يدبره وامر المعتصم بعشرة الاف درهم للرجلين والكثير من الخلع فأسلم الرجلين حينذاك، وامر المعتصم ان يذهب الرجلين ناحية البرج الذي يتحصن فيه ياطس، فلما رآهما على تلك الحال عرف ما حدث وشتمهما اما المعتصم فقد امر بتشديد الحراسة والانتباه ليلا ونهارا خوفا من خروج ياطس للقتال فجأة كما كتب في رسالته لثيوفيل
وكانت المنجنيقات ما تزال تضرب الموضع المتصدع من السور حتى انهدم ،واراد المعتصم ان يبدا بالهجوم على ذلك الموضع ولكن كانت المشكلة في الخندق الذى يحيط بالمدينة وكان الجيش العباسي اثناء مسيره من انقرة الى عمورية قد استولى على اعداد كبيرة من الاغنام فنادى المعتصم في الجيش بإن يقوم كل جندي في الجيش بذبح احد الخراف وان يأكل منه ثم يقوم بحشو جلده بالتراب ويأتي به وبهذه الطريقة تجمعت لدى المعتصم اعداد كبيرة من جلود الاغنام الممتلئة بالتراب فأمر بها فتم القائها في الخندق وبذلك اصبح متهيئا لعبور القوات والات ثقب الاسوار وكان المعتصم قد جهز عددا من الدبابات الكبيرة التي تتسع كل واحدة منها لعشرة جنود وبدا الجنود في دفع احدى الدبابات على جلو الاغنام الممتلئة بالتراب نحو السور ، ولكن حدث ان علقت عجلات الدبابة بالجلود وهو الامر الذى جعل الجنود يحاولون ان يقوموا بتسوية الارض تحت الدبابة، ولم يستطيع الجنود ان يحركوا الدبابة الى اكثر من منتصف المسافة بين القوات العباسية وسور عمورية وبقيت الدبابة في ذلك الموضع
حتى تم احراقها بعد ذلك اثناء القتال
اتجه المعتصم بعد فشل خطته الاولى، الى اسلوب القتال المباشر، فبدأ القتال بين القوات العباسية والبيزنطيين عند الفتحة التي حدثت في السور ، وكان المعتصم قد رتب ان يقوم كل جزء من جيشه بالقتال كل يوم في حين يبقى باقي الجيش في راحة، وبدأ القتال في اول يوم اشناس وقواته واشتكى الجند من ضيق فتحة السور، فأمر المعتصم ان يتم توجيه المجنيقات لضرب السور المجاور للفتحة حتى تم توسيعها وفى اليوم الثاني من القتال ، قام الافشين واصحابه بمواصلة الحرب
وفى اليوم الثالث من القتال، جاء الدور على قوات المعتصم ومعها قوات المغاربة والاتراك وكان يقودهم ايتاخ وفى هذا اليوم اتسعت فتحة السور بشكل كبير
وكان البيزنطيين المرابضين في عمورية، قد قسموا الابراج فيما بينهم بحيث يقوم كل قائد من قادته بحماية مجموعة معينة من الابراج وجزء معين من السور، وكان القائد المكلف بحماية ذلك الجزء الذي يقاتل فيه المسلمون يدعى وندوا وكانت الجروح والاصابات قد كثرت بين جنوده بشكل كبير، فذهب الى باقي القادة البيزنطيين يطلب منهم المدد والمساعدة ولكنهم رفضوا وقالوا له انهم لم يمدوه بأي مدد ولن يتحرك احدا منهم من مكانه الذي وكل بالدفاع عنه
ولما أيقن وندوا بأن المدينة ستسقط في أيدي المسلمين بلا ريب، أثر ان يسلم المدينة بنفسه الى المعتصم وفى اليوم الرابع من القتال، خرج وندوا الى السور ونادى بانه يريد لقاء امير المؤمنين وامر اصحابه الا يحاربوا حتى يعود إليهم، وكان المسلمين قد انتهزوا فرصة
توقف الروم عن القتال ودخلوا المدينة
وفزع سكان مدينة عمورية عندما وجدوا الجيش العباسي قد اجتاز اسوار المدينة ، فهرع الكثير منهم الى كنيسة كبيرة في احد انحاء المدينة، واحتموا داخل الكنيسة ويذكر المؤرخ ميخائيل السرياني ان المسلمين قد احرقوا تلك الكنيسة بمن فيها من البيزنطيين اما قادة الروم الذين كانوا في مواقعهم حيث تم تكليفهم بحماية الابراج ، فقد شرعوا في قتال المسلمين واسجنوا شيئا فشيئا حتى تحصنوا بأحد الابراج ،وكان ياطس حاكم المدينة معهم ، وجرت بعض المفاوضات بينه وبين المعتصم حتى نزل في نهاية الامر وسلم نفسه للخليفة وتم تسليم المدينة للمسلمين.
وبعد ان دخل المعتصم المدينة عمل على الانتقام لما حدث في زبطرة، فأسرف في القتل حتى قيل انه قد تم قتل ثلاثين الفا من سكان عمورية ،كما انه ترك للنهب والسلب والتدمير لمدة اربعة ايام كاملة وتم اسر أكثر من ثلاثين الفا من الرجال والنساء
وبلغت المغانم التي حصل عليها المسلمون في فتح عمورية حدا لم يصل اليه الخلفاء العباسيون من قبل، حتى ان ابن جرير الطبري يروى انه قد تم جمع الرقيق والمتاع في مكان واحد لبيعهم وامر ان ينادى على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة، وعلى المتاع جملة واحدة
واما باقي المتاع والمغانم التي بقيت بعد خمسة ايام من عرضها على البيع، فامر بها المعتصم فتم حرقها
ولما كان المعتصم ينوى ترك مدينة عمورية ويرجع عنها بعد ان فتحها ودمرها وخربها، امر جنوده بجمع المجانيق والدبابات وآلات الحرب وان يتم احراقها عن اخرها حتى لا يقوى بها البيزنطيين بعد ان يخرج المعتصم من المدينة
ويذكر ابن طباطبا ان المعتصم قد اخذ بابا عظيما من ابواب عمورية وهو باب من الحديد، فخلعه من مكانه وحمله الى بغداد وجعله على أحد ابواب دار الخلافة، وسمى هذا الباب ب باب العامة
وهكذا استطاع المعتصم ان ينتقم ويثأر من ثيوفيل، وبعد ان وصل لمراده وبغيته سار راجعا نحو طرسوس
وكان نزول المعتصم على عمورية يوم 16 رمضان عام 223 هجريا واقام عليها لمدة خمسة وخمسين يوما
وعندما رجع المعتصم الى بغداد، استقبله اهلها استقبالا حافلا، وانشده الشاعر ابى تمام قصيدته الشهيرة التي سخر فيها من المنجمين ومجد اقدام وشجاعة المعتصم، فقال في مطلع القصيدة
السيف أصدق أنباء من الكتب.........في حده الحد بين الجد واللعب
يايوم وقعة عمورية انصرفت......... عنك المنى حفلا معسولة الحلب

المصادر والمراجع

1- الطبرى(ابن جرير)
- تاريخ الرسل والملوك
تقديم ومراجعة : صدقى جميل العطار ، ( 13 مجلد)
دار الفكر ، بيروت، 2010 م

2- ابن العبرى ( غريغوريوس ابى الفرج الملطى)
- تاريخ مختصر الدول
صححه : الاب أنطون صالحانى اليسوعى ، الطبعة الثانية ،
دار الرائد اللبناني ، الحازمية ، 1983 م

3- ابن كثير( ابى الفداء إسماعيل)
- البداية والنهاية
تحقيق : عبد الله بن المحسن التركى
دار هجر، القاهرة ، 1998 م

4- المسعودى ( ابى الحسن على بن الحسين)
- مروج الذهب ومعادن الجوهر
( 2 مجلد)
دار المعرفة ، بيروت ، 2005 م

5- مؤلف مجهول
- العيون والحدائق في اخبار الحدائق


6- ميخائيل السريانى
- تاريخ مارميخائيل السريانى الكبير ( 3 مجلدات)
عربه: مارغريغوريوس صليبا شمعون
متروبوليت ، حلب ، 1996 م

7- اليعقوبى ( أبو العباس احمد بن إسحاق)
- معجم البلدان
طبع باعتناء : وليام جوينتبول ، ليدن ، 1860 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي يحول دون وقف إطلاق النار في غزة ؟ • فرانس 24


.. سيدة بلا تذكرة تتجاوز أمن المطار وتصعد للطائرة دون اكتشافها.




.. شاهد| سيطرة المعارضة السورية على مطارات عسكرية بإدلب وحلب


.. مقاتلو المعارضة السورية داخل قصر الضيافة بمدينة حلب




.. قراءة في دلالات كمائن القسام في رفح وعمليات سرايا القدس وسط