الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 5 – الماهيَّة و الجذر – ج4.

نضال الربضي

2015 / 12 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 5 – الماهيَّة و الجذر – ج4.


نستكمل اليوم َ قارئ الكريم الحديث َ في ماهيَّة الأبوكاليبتية و جذرها القديم، من خلال استعراض ثاني أبرز ِ رموز أنبياء العهد القديم التي قدَّمت لهذا الفكر، مّذكِّرا ً أن أرمياء اليوم مع أشعياء الذي سبقه في مقالين ِ (و باقي الرموز التي أصفح ُ عن ذكرها منعا ً لتشعُّب ٍ لن يضيف َ إلى الفكرة ِ جديدا ً) تندرج ُ في التصنيف تحت "الأبوكاليبتيَّة ِ الأوَّلية Proto-Apocalyptic" و هي الشكل ُ الأوَّل لهذا الفكر قبل أن يتطور إلى الشكل الحالي النهائي و الأخير. أوصي قارئ الكريم برجوعك َ لتفحُّص المقالات الأولى من هذه السلسلة في حال كنت تقرأ منها للمرَّة ِ الأولى، و ستجد ُ روابط َ المقالاتِ السابقة أسفل َ هذا الجزء. و سيكون ُ مقالي هذا تتمَّة َ الحديث في جزئية الماهيَّة و الجذر.

نستكمل ُ تحت العنوان الرئيسي في المقالات السابقة:

أبرز رموز الأبوكاليبتية في العهد القديم
--------------------------------------------

ثانيا ً: سفر ُ أرمياء النبي
--------------------------
يُعتبر ُ أرمياء النبي من أكثر ِ الشخصيات ِ تصويرا ً لحميمية ِ العلاقة بين الإنسان و الأُلوهة، فهو النبيُّ الباكي المُتألِّم على أمرين:

- ما آلت إليه ِ أحوال ُ الشعب اليهودي دينيا ً و اجتماعيا ً، من تــَـفــَـشٍّ للطبقية ِ و الظُلم الاجتماعي و الفساد الأخلاقي و الضمور الديني.

- ما تُنبِئ ُ بِه ِ الظروف ُ السياسية ُ المحيطة ُ بمملكة ِ يهوذا الجنوبية التي يعيش ُ فيها أرمياء، و التي ستسقط ُ في يد ِ نبوخذ نصَّر البابلي في العامين 586 و 587 قبل الميلاد.

اخترت ُ عرض َ أرمياء كرمز ٍ لـِـ "الأبوكاليبتيَّة ِ الأوَّلية" لأنَّه ُ أبرز ُ مثال ٍ على الجذر ِ "الشخصي" للأبوكاليبتية، و أعني بِه الجذر َ الثُلاثي الذي انطلق َ من :

- ألم ِ الإنسان ِ و شعورِه الحاد بالمظلومية ِ تحت أعدائِه دون َ وجهِ حقٍّ،
- مع وجود ِ إيمان ٍ عميق ٍ بالألوهة ِ و حتمية ِ انتصارها على الشَّر و تحقيقها للعدالة،
- في إطار ِ صراحة ٍ شديدة ٍ مع الألوهة، حيث ُ يُعاتب ُ النبيُّ إلهه َ بطريقة ٍ فريدة ٍ واضحة ٍ جليَّة ٍ حبيبا ً لحبيب و ندَّا ً لند، في علاقة ٍ فريدةٍ لا نجدُها في سفر ٍ آخر من التوراة.

يجب ُ أن نتوقَّف َ هنا عند النقطة ِ الثالثة، و هي نقطة ُ عتاب النبي ِ لإلهه، و كيف َ يتَّخذ ُ العتاب ُ هنا نبرة َ اتِّهام ٍ واضحة فنقرأ في الفصل الخامس الآية َ الثامنة َ عشرة:

-----
لماذا كان وجعي دائما ً
و جرحي عديم الشفاء، يأبى أن يٌشفى؟
أتكون ُ لي مثل كاذب؟
مثل مياه ٍ غير ِ دائمة؟
-----

النبيُّ هنا يتَّهم ُ إلهه بالإخفاق ِ في تحقيق ِ مواعيده، يواجِهُـهُ بشجاعة ٍ نادرة لا نجدها عند المُتعبِّدين بوجه ٍ عام، و من هذه المواجهة ِ الخارجية ِ ننطلق ُ لفهم ِ الأبوكاليبتية، فهي كما عرَّفناها في المقال الثاني من هذه السلسلة كلمة ٌ تعني:

- الكشف.
- أو رفع الحجاب.

إنَّه الكشف ُ عن سبب الظلم، و رفع ُ الحجاب ِ عن الحكمة ِ من وراء ِ تفوُّق ِ القوَّة ِ الطاغية للشر في العالم و سيادتها على المخلصين للألوهة. هذا الكشف و ذلك الرفع ُ للحجاب لا يتمَّان ِ عند الأبوكاليبتي سوى بعد تفكُّـر ٍ و تدبُّر ٍ للأحداث ِ الاجتماعية ِ و السياسية ِ و الاقتصادية ِ التي تصوغ ُ واقعه، و لا بُد َّ للتفكُّر ِ و التدبُّر أن ينتجا بالضرورة عن وعي ٍ و إدراك ٍ لغياب ِ فعل ِ الألوهة و هي فكرة ٌ مرعبة للمُتعبِّد من شأنِها أن تُدمِّر منظومته الاعتقاديَّة َ كاملة ً فُيضطر ُّ للبحث ِ عن سبب، عن حل، عن حكمة ٍ من وراء الغياب الإلهي، نقرأ ُ في أرمياء رد َّ الألوهة:

--------
إن رجعت َ يا إسرائيل، يقول ُ الرب
إن رجعت َ إلي و إن نزعت َمُكرهاتك من أمامي، فلا تتيه
و إن حلفت َ : حي ٌّ هو الرب
بالحق و العدل و البر
فتتبرك الشعوب به، و به يفتخرون
-------
(أرمياء الفصل 4 الآيات 1 و 2)

نلاحظ ُ هنا أن أرمياء يعتبر ُ فسادَ الشعب سبب الشر، و بالتَّالي فعودة ُ الشعب ِ عن الفساد ستعني عودة َ الألوهة ِ عن إيقاع الشر، نحن إذا ً أمام الشكل ِ الأوَّل الذي صارت عليه الأبوكاليبتية و فيه ِ اختلاف ٌ عن شكلها الأخير، و سنسأل ُ حتما ً:

تُرى كيف انتقل َ الفكر ُ الأبوكاليبتي من شكله الأوَّلي الذي يُحمِّل النفس مسؤولية الشر، و يجعل ُ الألوهة َ نفسها سببا ً لذلك الشر، و يعتقد ُ أن زوال الذنب يؤدِّي بالضرورة إلى زواله،،،

،،، إلى شكلِ هذا الفكر الحالي و الأخير الذي يرى أن المُتعبِّدين و المؤمنين أبرياء ٌ لا ذنب َ لهم، و أن الألوهة َ ليست سبب الشرِّ لكن قوَّة ٌ شيطانية ٌ معادية ٌ لتلك الألوهة، و أن َّ الألوهة َ نفسَها ستقوم ُ في عمل ٍ نهائيٍّ و أخير بالتَّدخُّل لإنهاء ِ الكيان ِ الشيطاني و الشرِّ المُنبثق ِ عنه و جميع ِ حُلفائِه من البشر ِ و الأنظمة ِ الدولية ِ و الاقتصادية ِ و السياسية؟

الجواب ُ على هذا السؤال نجدُه ُ في المخيال الثقافي للتاريخ اليهودي بحسب ِ رواية ِ التوراة (أي بحسب ما يرى الشعب ُ اليهودي مسيرَتَه ُ، مع التأكيد أننا لا نتعامل ُ مع حوادث َ تاريخية بالمفهوم العلمي للتاريخ)، فلقد أقام َ اليهود ُ بعد السبي توراتَهم و عباداتهم كما طلبها منهم إلهُهم، و رجعوا أُمناء َ على العهد الذي اعتقدوا أنه ُ لهم ُ مع الإله و بينهم و بينه، لكنَّ المشيح َ المُنتظر الذي كان يجب ُ أن يُحقِّق َ الوعد الإبراهيمي الداودي السليماني لم يأت ِ، و مملكتهم الأبدية ُ التي لا تُنتقض لم تتحقَّق، على الرغم من اكتمال ِ شروطِها،،،

،،، و من هنا بالذات كان يجب ُ أن يعود َ العقل ُ الديني إلى مُعتقدِه ِ ليُعيد َ فحصَه ُ و يقدِّم َ تفسيرا ً جديدا ً له ُ شرط ٌ أساسي لا يمكن ُ الحياد ُ عنه:

الشرط ُ هو أن يُؤكِّد َ التفسير ُ الجديد الثوابت َ الأساسية َ للدين ِ القومي اليهودي، أي: اختيارهم كشعب ٍ دون بقية ِ الشعوب و خلود َ عهدهم مع إلههم، و استحقاقات هذا العهد من سيادة ٍ و رخاء ٍ و سلام و عدالة.

في المقال ِ القادم سنتطرق ُ لجزئية ٍ جديدة هي: المناخ الفكري و السياسي الذي احتضن مؤسِّسي المسيحية الأوائل. و هي المرحلة ُ التي أدت إلى قيام مملكة ٍ مؤقَّتة ٍ للشعب اليهودي على يد المكابين، أحيت ِ الآمال َ بتحقيق ِ النبؤات ِ القديمة، ثم ما لبثت أن سحقتها القوَّة ُ الرومانية ُ الطاغية، و فيها تمّ تسطير ُ نصوص ٍ بالغة ٍ الأهمية ستشكِّل ُ فيما بعد الفكر الرئيسي لجماعات الأبوكاليبتين و منهم الأسينيون، يوحنا المعمدان، يسوع الناصري المعروف بلقب المسيح، و شاول الطرسوسي المعروف باسم بولس المُلقب بالرسول.


-------------------------------------------------------------------------------
المقالات السابقة في هذه السلسلة:

قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – مُقدِّمة للسلسلة.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=483464


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 2 – الماهيَّة و الجذر – ج 1.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=483769


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 3 – الماهيَّة و الجذر – ج 2.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=484220


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 4 – الماهيَّة و الجذر – ج3.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=484719


مقال تفصيلي سابق عن أرمياء من سلسلة قراءة في الشر:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413081








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهلا بعودتك
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 12 / 9 - 15:04 )
تحياتي الحارة
قرأت بسرعة وسأعود للتعقيب لاحقا
نورت


2 - الاخ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 12 / 10 - 06:20 )
عودة الى الابحاث والعود احمد كما يقال ...

هنالك عطل تقني في الحاسوب يمنعني من الاسترسال ..

ننتظر المزيد منكم ..

ملاحظة فقط اتمنى ترجمة الفكر الابيوكاليبتي بفكر حلول مملكة الرب ونهاية الازمنة مع فائق شكري وتقديري الاخويين .


3 - سؤال
سيلوس العراقي ( 2015 / 12 / 10 - 08:20 )
مرحبا
هل أنت متأكد من
الفصل الخامس الآية َ الثامنة َ عشرة
هي ذات الآية التي ذكرتها اعلاه في المقال من الفصل الخامس : 18 من ارميا النبي؟
وشكرا


4 - العزيزان قاسم ووليد
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 08:22 )
صباحا ً جميلا ً طيبا ً أتمناه لكما،

بدل أن أبحث َ عن الشَّوق للكتابة و الهدف، سأدع ُ الهدف و الشوق يبحثان ِ عنِّي، و كلما وجداني كتبت ُ.

هذه السلسلة تشغلني لأنها تجيب عن أسئلة حاضرة بقوَّة، إنها تكشف الأصول و الجذور وراء أحداث الشرق الأوسط السياسية. ليست هي أبدا ً مُجرَّد أفكار ٍ قديمة ٍ انتهت، لكَّنها تفسِّر ُ اليوم دولة ً قومية ً دينية ً في إسرائيل، و ظهور َ الجماعات السلفية المقاتلة كداعش.

من يتابع هذه السلسلة إلى نهايتها و إن طالت، سيكتشف الكثير.

دمتما عزيزين بكل الود!


5 - موصول الشكر للأخ سيلوس العراقي
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 08:28 )
تحية طيبة أخي سيلوس،

شكرا ً جزيلا ً لتصحيحك َ، إنما قصدت ُ أن أقول الفصل الخامس عشر (15) لا الخامس (5)، أعتذر منك و من القراء الكرام، فقد سقط الرقم طباعة ً.

الصحيح:

فصل 15 آية 18:

لماذا كان وجعي دائما ً
و جرحي عديم الشفاء، يأبى أن يٌشفى؟
أتكون ُ لي مثل كاذب؟
مثل مياه ٍ غير ِ دائمة؟

أتمنى أن تشاركني برأيك َ في هذه السلسلة.

دمت بود.


6 - القانون الاهي ما يزرعه الانسان اياه يحصد
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 10 - 08:47 )
تحية محبة للاستاذ نضال الربضي وتحيتي للاستاذ قاسم والاستاذ وليد
الكتاب المقدس من بدايته والى نهايته يحمل هذا القانون الاهي
الذي يزرعه الانسان ايه يحصد
وهكذا كان ولايزال قانون ساري لاينسخ ولا يبدل لاانه كلام الزارع الاول الماسك بكل قوانين الارض وظابطها بميزان المحبة والعطف
انه وضع قانون اتوماتيكي لكل فعل ردة فعل وهذا ما نجلبه على نفسنا نحن البشر ولا يتدخل هو الا باللحظات الخطرة
نعمل الشر سيرتد علينا اتوماتيكيا وينعكس على عائلتنا واطفالنا وجيراننا لذا له عقاب دنيوي وسماوي اما فعل الشر عفويا اي عن جهل فله رحمة عند الرب ومغفرة
وهذا ما نجده بمرثية ارميا ابتعد الشعب عن محبة الرب ونسي اعماله العظيمة وخيراته التي ظللته بالصحراء وحمته من شمس محرقة نهارا وبرد قارس ليلا كان مظلة له ونار لمدة اربعين سنة مع تامين الطعام والشراب
نعم اخي كان عن اصرار وتعنت بانهم لايريدون رحمة الله وحمايته كان يتكلون على اوثانهم وملوكهم وانبيائهم الكذبة فتخلى الله عنهم وسابهم لمصيرهم الذي يستحقونه
وهو السبي والتشتت
ونحن السوريين والعراقيين اليوم نعاني نفس الموقف لاابتعادنا عن الله وفعلنا الشر
وشكرومودة لك للجمع


7 - بالحقيقة موضوع رائع واريد مزيد من التعليق
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 10 - 09:14 )
تحية مجددا للجميع
منذ البداية اخبر الكتاب المقدس عن هذا القانون الحياتي وليس ارميا هو المنفرد بل تجده بكل سفر من الكتاب المقدس
واليك امثال عن هذا القانون واحيانا تدخلات الرب مباشرة مثل سدوم وعمورةالتي بقيتا لااجيال لم تزرع حسب الاكتشافات الحديثة وحسب ويكيبيديا
يوم 15 أكتوبر 2015، أعلن عُلماء آثار أمريكيون عن عثورهم على بقايا بلدة ترجع للعصر البرونزي شرق نهر الأردن، ويعود تاريخها إلى ما بين 3500 و1540 سنة قبل الميلاد، مؤكدين أنها سدوم وعمورة، حيثُ قال ستيفن كولينز، من جامعة ترينيتي في نيو مكسيكو، المشرف على عمليات التنقيب أن تلك القرية تتطابق مواصفاتها المذكورة في الكتاب المقدس والقرآن مع الآثار التي عثر عليها والتي يعود تاريخها للفترة ذاتها تقريبا.[2] ويُذكر أن التنقيب عن هذه المدينة استمر 10 سنوات، أي منذ سنة 2005، إلى أن تم اكتشافها. وقد أشار كولينز إلى أن كل مظاهر الحياة توقفت فجأة في المدينة، في إشارة إلى ما ورد في الكتب السماوية المقدسة من أن الله أنزل الهلاك والفناء بهؤلاء القوم ومدينتهم فدمرهم تدميرًا.[3]
يتبع رجاء


8 - القانون الاهي ما يزرعه الانسان اياه يحصد
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 10 - 09:46 )
وفي تثنية 30
19 قد جعلت قدامك الحياة والموت.البركة واللعنة.فاختر الحياة لكي تحيا انت ونسلك. 20 اذ تحب الرب الهك وتسمع لصوته وتلتصق به لانه هو حياتك والذي يطيل ايامك
وفي اشعيا53 نبؤة عن مجيئ المسيح
4 قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا.هوذا الهكم.الانتقام ياتي.جزاء الله.هو ياتي ويخلصكم 5 حينئذ تتفقح عيون العمي واذان الصم تتفتح. 6 حينئذ يقفز الاعرج كالايل ويترنم لسان الاخرس لانه قد انفجرت في البرية مياه وانهار في القفر. 7 ويصير السراب اجما والمعطشة ينابيع ماء.في مسكن الذئاب في مربضها دار للقصب والبردي. 8 وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة.لا يعبر فيها نجس بل هي لهم.من سلك في الطريق حتى الجهال لا يضل
ومن اتبع كلام المسيح لايضل ويصل للطريق المؤدي للحياة
وللجميع مودتي.


9 - العزيز مروان سعيد - 1
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 13:45 )
تحية طيبة أخي مروان و أهلا ً بك،

أثرت نقاط مهمة جدا ً في تعليقاتك الثلاثة الثَّرية و أجد أنك تمثِّل ُ فيها وجهة النظر الإيمانية التي أتناولُها في سلسلتي ِّ -قراءة في الشر-، و -قراءة في الفكر الأبوكاليبتي-.

سأقدم لك تلخيصا ً لأسباب الشر بحسب الفكر اليهودي و المسيحي مقتبسا ً من مقالي -قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 2 – الماهيَّة و الجذر – ج 1.- و الذي تجدُ رابطه في الأعلى:

------------------------------------------------------
تُقدِّم ُ الأسفار الدينية ُ اليهودية ُ و المسيحية تفسيرات ٍ عديدة لأسباب وجود الشرِّ في العالم، و هي التالية:

- باعتبارِه عقابا ً إلهيا ً على خطايا البشر.

- باعتباره طريقة ً إلهية لتحفيز البشر على التوبة.

- باعتباره وسيلة َ اختبار إلهية للإنسان.

- باعتباره ضرورة ً مرحلية لتحقيق النمو الروحي و الخلاص، أي باعتباره مصدرا ً للخير.

يتبع


10 - العزيز مروان سعيد - 2
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 13:48 )
تابع من تعليقي الأول

- كتجل ٍّ للإرادة ِ الإلهية التي لا يجوز ُ مساءلتُها. (سفر أيوب مثالا ً و قد كان لنا حوار جميل فيما أذكر في مقال ٍ حول هذا السفر)

- كنتيجة لتفاعلات الحياة بحسب القوانين الكونية، لا كحكم إلهي أو لغاية مقصودة. و هذا الرأي يظهر ُ جليَّا ً في سفر الجامعة، و هو سفر ٌ يهوديٌّ قديم تتبناه المسيحية في كتبها كوحي بينما لا يعترف اليهود بمصدره الإلهي و إن كان َ من تُراثهم المكتوب.

- و ختاما ً باعتبارِه (أي الشر) النتيجة َ الحتمية لـِتمظهـُر ِ جوهر ِ قوة فاسدة ضارَّة يقوم ُ عليها كائن ٌ شرير اسمه الشيطان، و له أتباع ٌ من الشياطين ِ و البشر، و التي تتصارع في العالم مع قوَّة مضادَّة لها، سابِقة ٍ في الزمن ِ لها، أقوى منها بلا حدود، هي قوَّة ُ الخير. يمثِّل ُ هذا الفكر جوهر الأبوكاليبتية.

يتبع


11 - العزيز مروان سعيد - 3
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 13:55 )
تابع من تعليقي الثاني

و الآن بعدما استعرضت ُ لك موقف الكتاب المقدس من الشر في العالم و أسبابه، دعنا ندرس هذه الأسباب في ضوء الواقع.

تقول أن ما يحدث في العراق و سوريا سببه خطايا البشر، و أنت بذلك َ مُنسجم مع الرؤية السابقة، لكن يا تُرى يجب أن نسأل هنا أسئلة مُهمّة:

- هل الأطفال السورين و العراقيين و الرُّضع أخطأوا أيضا ً حتى يموتوا؟ إذا كان الجواب لا و هو حقَّا ً كذلك فسنصطدم ُ بمشكلتين:

المشكلة الأولى ألا يقول النص بوضوح أن الرب لا يفتقد ُ ذنوب الآباء في البنين (مع أنه يقول مع موضع آخر أنه يفتقدها في البنين).

المشكلة الثانية ألم يشر السيد المسيح لكل وضوح أن المصائب ليست بالضرورة بسبب الخطايا حينما تحدَّث مع تلاميذه عن الشخص المولود أعمى منذ مولده و كيف أنه لا هو و لا والداه قد أخطأوا؟ ألم يكن أكثر وضوحا ً حينما تحدَّث عن الذين خلط هيرودس دماءهم بدماء ذبائحهم و الذين سقط عليهم البرج في سلوام فأوضح أن ما حدث لهم ليس بسبب أي خطيئة؟

لاحظ معي هنا مشكلة ثالثة عويصة: هل تستوجب الخطايا كل هذا التدمير و الانتهاك؟

يتبع


12 - العزيز مروان سعيد - 4
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 10 - 14:00 )
تابع من تعليقي الثالث

مشكلة رابعة يا صديقي: ألا ترى أن هذه المصائب تجعل الناس تبتعد أكثر عن الدين و الألوهة و ترفع من نسب اللادينين و الملحدين و الكافرين بأي عدالة إلهية بعد كل هذه الصور المريعة و المأسي الفظيعة.

مشكلة خامسة: ألا يجد الإله سوى هذه الطريقة يداوي بها ضعف الإنسان؟

إذا ً لا يستقيم التفسير بأن ها يحدث اليوم هو نتيجة خطايا البشر.

و هذا بالضبط عين ُ ما توصَّل إليه الشعب اليهودي الذي بعد عودته من السبي و التزامه بكل النواميس و العبادات و الوصايا لم يتغيَّر حاله بل انتقل من يد البابلين إلى الفرس إلى اليونان إلى الرومان،،،

،،، و من هنا بالضبط وُلد الفكر الأبوكاليبتي.

شكرا ً جزيلا ً لتعليقاتك َ الثرية فهي تساعد القراء الكرام على فهم محتوى مقالي حيث تقدِّم لهم نموذجا ً حيَّا ً عن الفكر الإيماني و كيف تمرُّ الحوادث في النفس و يجد ُ لها العقل ُ مخرجا ً.

أثمِّن ُ وجودك َ و أتمنى أن تتابع معي السلسلة!

دمت َ بود!


13 - ما اجمل تفكيرك ولكن كانسان
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 11 - 08:34 )
تحية محبة مجددا للجميع
انا كانسان متفقك معك بما تقوله تماما ولان نظرتنا محدودة وقريبة المدى
ولكن اذا تعمقنا بالفكر الاهوتي ونظرته الامحدودة وطبيعته العالمة بالمستقبل سنغير راينا تماما وسنعرف بان الرب هو الذي يختار الصح والعقوبة التي برائينا انها لاتتوافق مع الخطيئة ستكون مكافئة لهؤلاء الاطفال الذين ولدوا بين عائلات ظالمة قاسية يموتون يوميا الاف المرات يغتصبون تهان كرامتهم تسلب ارادتهم وبرائتهم واعطيك مثل حصل معي وفي سوريا
يوجد بسوريا واعتقد بكل بلد من بلداننا العربي اناس يحبون المال وينجبون الاطفال ليست محبة بهم بل لكي يساعدوهم في جني المال والارباح يقذفون بهم الى الشوارع منهم من ينظف الاحذية ومنهم من يبيع اشياء بلاستيكية او يمسح بلور السيارة ويفرضون عليهم مبلغ معين ممنوع الرجوع الى البيت الا بجلب هذا المبلغ
وعرفت هذا عندما اتى طفل في العاشرة من العمر تقريبا يقرع جرس المنزل ففتحت زوجتي له واراد بيعها فلم تشتري منه فاغلقت الباب ونظرت من المنظار فشاهدة الطفل بدء بالبكاء وبشدة فحنت عليه وفتحت الباب وسالته عن سبب بكائه فقال لها سيعاقب ان لم ياتي لوالده بالمبلغ المطلوب
يتبع رجاء


14 - ما اجمل تفكيرك ولكن كانسان 2
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 11 - 08:51 )
ما هو الافضل بالنسبة لهؤلاء الاطفال ان يكونوا بحضن الاب السماوية يحيطهم بعطفه وحنانه ويحميهم من كل شر ام ان يكونوا بعائلات ظالمة طماعة تحرمهم من كل جميل وتشوه نفسيتهم وتجعلهم ينحرفون ويصبحون من الدواعش يفجرون انفسهم في سبيل كذبة او للخلاص من هذا التشويه النفسي الذي عانوا منه
ياخي الامور لاتحسب بشريا او سطحيا نحن سطحيين ولا نرى ابعد من المادة ولكن الروح هي اشمل وابقى
نعم اخي شرحك للامور الايمانية هي الاصح وان الحياة المادية هي اقصر شيئ بالوجود لاانها ستتحول لطاقة او لروح دينيا هي قمة القدرة والاستطاعة والاتساع والانتشار انها النور
وحضرتك تقول هناك تناقد بالكتاب المقدس بانه مرة يعاقب الابناء ومرة لا هذا لعدم وضوح الاية ولكن المقصود بها وكما شرحت سابقا الله لايعقب بل القانون الذي وضعه هو الذي يعمل ولا يتدخل هو يعني عندما نخطئ نحن يتاثر الابناء باخطائنا مثلا انسان تزوج على زوجته ستدمر العائلة او اذا طلقها سيتشرد الاولاد لاانه سيتزوج هو والام ستتزوج وستتشت العائلة
اما عقابه السماوي هو كل انسان مسؤل عن نفسه
وعزرا على الاطالة
وكامل محبتي وتقديري لفكرك
والمودة للجميع


15 - ماذا يشبه القانون الاهي
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 11 - 09:02 )
تحية مجددا للجميع
اشبهه بقوانين السير بمدينة حديثة جدا مراقبة بكمرات وهناك امكنة للمشاة وامكنة يحدد بها السرعة وحسب اللزوم تبداء من 5 كلم في الساعة الى 100 كم وبهذه المدينة بشر متطورين عندما تخالف السرعة ستذهب لماكينة وتدفع مخالفتك بنفسك واذا لم تدفع سياتي الشرطي في اخر السنة ويحاسبك ثلاث اضعاف
نعم اخي العقوبة لامهرب منها لاان اخطائنا مسجلة يمكن بال د ن ا يمكن بمكان ثاني وهذا ما سيكتشفه العلم
ومودتي للجميع


16 - تعليق 9
بارباروسا آكيم ( 2015 / 12 / 11 - 09:31 )
بالنسبة للفكر اللاهوتي المسيحي فهناك نقطة محورية في هذا الصدد ولم تذكرها أَخ نضال وهي كلام يعقوب أَخو السيد المسيح ( حوالي 80 - 85 م ) ..حيث يقول : (( لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا ، وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ.، ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.)) يعقوب 13 - 15 .. وبالمناسبة أَغلب الظن إِنَّ هذا آخر ماقيل بخصوص الخطية والشر .. يعني يعقوب يرى ان الإنسان هو الذي يفتعل الخطية وفيها وبها يعاقب - العقاب الذاتي - من الجدير بالذكر أَنَّ اوريجانوس كان يحمل نفس الفلسفة ..فكان يرى ان الله لن يعاقب ولن يكافئ احد .. بل كل نفس تثاب وتعاقب من تلقاء نفسها حيث تستفيق ضمائر الناس في العالم الأُخروي وتبتدي تعذب كل نفس نفسها على خطاياها ..تحياتي


17 - العقاب على ما لم يُصنع أم السياسة
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 11 - 15:18 )
تحية طيبة أخي مروان و شكرا ً لمتابعتك!

أخلاقيا ً لا نستطيع أن نقبل بعقاب من لم يرتكب الذنب كالأطفال، حتى لو كان هذا من باب حمايتِهم من أن يتربُّوا في أُسر خاطئة، لاحظ معي وجود مشاكل مثيرة جدَّا ً في هذا الفكر أذكر منها على سبيل التوضيح لا الحصر:

- الأطفال لم يُخطئوا فكيف يُعاقبون؟
- الأهل مخطئون لكن الذنب لا يستوجب تدمير دول كاملة و تيتيم و تشريد و اغتصاب.
- هل هناك من لا يُخطئ أصلا ً؟ ألا يقول الكتاب: الجميع أخطأوا و أعوزهم مجد الله؟
- من خلق هذه الطبيعة القابلة للفساد؟ هل من العدل أنه يخلقها ثم يعاقب عليها؟
- أهم نقطة: التفسير الإيماني يتجاهل تماما ً قانون السبب و النتيجة، أي يتجاهل الأبعاد السياسية و الاقتصادية لبواعث الحروب، سوريا و العراق و أفغانستان أراضي نفطية و سوريا بالتحديد ترفض تمديد خط غاز لأوروبا (و ذلك دعما ً لحليفتها روسيا التي تزود أوروبا بالغاز و من شأن خط كهذا أن يضرب اقتصادها في مقتل) و ترفض سلاما ً مع إسرائيل و تتحالف مع إيران.

أخي مروان إنها السياسة، لا الدين.

دمت بود!


18 - الأخ بارباروسا آكيم
نضال الربضي ( 2015 / 12 / 11 - 15:31 )
أهلا ً بك َ أخي بارباروسا!

النقطة التي ذكرتــَـها يُغطيها السبب الأول من أسباب الشر السبع التي أوردتُها لأخينا الكريم مروان، و هو :عقاب الألوهة للبشر على خطاياها.

الفكر الديني اليهودي و المسيحي يُطوِّر من نفسه بحسب المرحلة الزمنية و في سياق الظروف التاريخية (سياسة، اقتصاد، مُجتمع) فعلى سبيل المثال و بحسب ما تقوله هذه السلسلة: أخبر أنبياء إسرائيل و يهوذا أن العقاب كان بسبب خطايا الشعب و لذلك نجح الأشوريون في إنهاء مملكة إسرائيل و البابليون في إنهاء مملكة يهوذا، و شدَّد َ هؤلاء الأنبياء على أن العودة للشريعة كفيلة بأن يُعيد الرب مجد إسرائيل.

بالفعل بعد السبي البابلي التزم َ الشعب بكل ما هو مطلوب و كذلك وقت َ المملكة المكابية لكن (و هنا أرومة المشكلة) لم يتم َّ الوعد الإلهي الذي اعتقدوه، فذهبوا يبحثون عن سبب آخر للشر، فوُلد الفكر الأبوكاليبتي.

من الفكر الأبوكاليبتي وُلد الفكر المسيحي و تضمَّن في جوهره فكرة الفداء اليهودية، و بعد موت بولس الرسول استدار َ هذا الفكر من المحور الأفقي ليتحوَّل إلى المحور العامودي (سماء، أرض) و هذا سيأتي توضيحُه ُ في الأجزاء القادمة.

أرحبُ بك!

اخر الافلام

.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر