الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلهٌ تهاوَى

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2015 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما ظهر خبر جديد عن داعش و عن وحشية ما يقوم به أفراده تجاه الآخرين ستجد أن الأصوات المتفاجئة مما فعلت داعش تقارب في أعدادها تلك المستنكرة لأفعالها..و لكنك أيضاً ستجد بين هذه الفئة و تلك فئة ثالثة و هي تلك التي تبرر لتنظيم داعش ما يفعله من منطلق أن الضرورات تبيح المحظورات..و في أحيانٍ كثيرة أصبح و يصبح ذلك الأمر -أي التبرير لوحشية التنظيم- وسيلة تبيح لتلك الفئة التنفيس عن وحشيتها و التي لا تجرؤ بالطبع على البوح بها علناً لأنها ما زالت ترغب في المحافظة على صورة الإنسان التي تتوهم إقامتها بداخلها.

و كلما فكرنا في الحديث عن وحشية داعش سنجد بأننا نُساق مُرغمين لنعود إلى المصادر التراثية التي وجد فيها ذلك التنظيم الشرعية الدينية الكافية التي تسمح لأفراده بأن يتوسدوا وسائدهم في نهاية يومهم الدامي ليناموا مرتاحيَّ الضمير..و بالنسبة إليَّ لا أجد أن تلك المصادر هي بالفعل المشكلة الرئيسية التي قادت إلى كل تلك الوحشية..فحتى لو قرأت كتب تحرضني على العنف فغالباً -أو هذا ما أرجوه- لن تتأثر فطرتي الإنسانية بها..و لكني أجد أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن فكرة الإسلام الحديث بُنيت على التفوق و هنا هو لم يبتعد كثيراً عن فكرة تفوق الجنس الآري و التي كانت نتيجتها ضحايا بالملايين في حربٍ عبثية..و هنا سنجد أيضاً أن التاريخ يكرر نفسه بإصرارٍ غريب لأن الحمقى لم يصغوا إليه جيداً في المرة الأولى..فبينما اندثرت تقريباً فكرة قتل الآخر بناء على الدين الذي يعتنقه من المجتمعات الغربية إلا إنها ما زلت موجودة و مترسخة في وجدان أي مسلم و كل ما تحتاج إليه هو القليل فقط من التحريض لتستيقظ بداخله تلك الجينات النائمة منذ أن نزل وحي على نبي في غارٍ ما.

و كلما قرأنا عن التنظيمات الإسلامية المتشددة نجد أن أغلب الأشخاص المنتمين إلى قيادة الصف الأول فيها و الذين غيروا خريطة مجتمعاتٍ بأكملها هم من الحاملين لشهاداتٍ تعليمية جد متدنية..فغالبيتهم لم تنهي تعليمها الإعدادي و حتى تلك التي أنهته توقف تعليمها عند المرحلة الثانوية..و هنا نجد أن المنتمين لهذا الفكر المتطرف وجدوا عبر التشدد في الإسلام الحل السحري لكل مشاكلهم..فأصبح هو الأداة التي ستمنح أي فردٍ منهم -و الذي لم يحقق أي نجاح يذكر في دراسته أو في حياته العملية- التفوق على الآخرين الأفضل منه تعليمياً أو ربما حتى إنسانياً.

قبل بضعة أسابيع شاهدت فيلماً وثائقياً من ثلاثة أجزاء حول تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية..هذا المكان الجغرافي بمصادره الدينية المتطرفة كان السبب في وجود القاعدة كفكرة و لكنها التفتت إليه لتلتهمه أول ما سنحت لها الفرصة لذلك..و لكن لم تكن هذه النقطة التي لفتت انتباهي في ذلك الفيلم الوثائقي و لكنها اعتماده على أفلام تسجيلية قام بتصويرها أفراد التنظيم بأنفسهم..تلك الأفلام و ما تحويه من مشاهد متفرقة تعكس الخلل النفسي الواضح الذي يعاني منه أغلب أفراد ذلك التنظيم أو المنفذين لعملياتها الانتحارية..فأغلب المقاطع كانت تدور حول النعيم الجنسي الذي ينتظر الانتحاريين بمجرد قيامهم بعملياتهم مع مقاطع تظهر الكثير من التبجح بعمليات الذبح التي قاموا بها..و لعل أكثر تلك المقاطع بشاعة هو الذي يظهر أحدهم و بمجرد انتهائه من ذبح مواطنٍ أمريكي يتحدث غاضباً مع من ساعدوه في مهمته الملعونة تلك حول الراتب المرتفع الذي كان يتقاضاه ذلك الأمريكي من حكومة بلاده!!..أي أنه فعلياً من أسباب ذبحه له أنه كان يرى أن حكومة بلاده تمنح ذلك المهندس "الكافر" راتباً خيالياً لم تفكر بمنحه هو إياه بالرغم من أنه "مسلم" و لنتغاضى عن حقيقة أن أقصى شهادةٍ علمية كان يحملها ذلك الشخص هي الشهادة الإعدادية فتلك بالنسبة إليه كانت نقطةً هامشية لا تستحق التوقف عندها طويلاً..فأي ظلم كان يعاني منه ذلك الشخص و الذي قاده للانحراف "قليلاً" عن مسار المواطن الصالح!!.

و لكننا بالرغم من تلك الوحشية سنجد أن الكثيرين ما زالوا يرون بأن المنتمين لتنظيم داعش أو لأي تنظيمٍ متطرف آخر إسلامي الهوى ما هم إلا مجموعةٌ من الضالين الذين يجب السعي نحو هدايتهم!!..و من هؤلاء المؤمنين بهذا الرأي رئيس أكبر مؤسسةٍ دينية إسلامية أي شيخ الأزهر و الذي رفض أكثر مرة أن يعتبر المنتمين لتنظيم داعش من الخارجين عن ملة الإسلام و حجته كانت -و ما زالت- هي أن داعش بُنيت على فكرة التكفير و هنا لا يجب مواجهة التكفير بتكفيرٍ مضاد و لكن بنوعٍ يكاد يكون يُقارب التقبل له و لأتباعه..و كأن ذلك الشيخ يخبرنا بأنه بمجرد أن تؤمن بأن إسلامك يجعلك أفضل من الآخرين فستكون كذلك رغم أنف الجميع و سُتمنح حصانةً إلهية تجعلك منيعاً عن المحاسبة و بمباركة الأغلبية و ربما الجميع.

لهذا أجد أن أكبر فشلٍ حققه الإسلام الحديث هو أنه نجح و بطريقةٍ غريبة في نزع الفطرة الإنسانية لدى المسلم العادي قبل المتطرف..فحتى لو تجاهلنا فكرة التفوق التي أذهبت بنصف عقل المسلمين فسنجد أن النصف الآخر أطاره اندثار الحس الإنساني الطبيعي فيهم و الذي يجعل من إزهاق أي روح عملاً مستنكراً تشمئز النفس من التفكير به أو منح المبررات الأخلاقية له فكيف بالتخطيط بدقةٍ و عناية من أجل تحقيقه!!..لهذا ربما لا يحتاج المسلم لأن يدين داعش و ربما لا يحتاج أن يعلن تكفيره لأفرادها و لكنه يحتاج إلى الكثير من الإنسانية و ربما الكثير من الرغبة في البقاء على فطرته الأولى..تلك الفطرة التي منعت هابيل من مد يده تجاه قاتله ليكون هو الجلاد لا الضحية..و لكن القاعدة كما داعش كما العديد من المسلمين -كما إسلامهم من قبلهم- نجحوا و بطريقةٍ مثيرةٍ للاشمئزاز من جعل آلهتهم تتهاوى أمام الجميع كما فعل الرسول الكريم بأصنامٍ كانت قريش لها تنذر و تتعبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلهٌ (فراجل) تهاوَى
شاكر شكور ( 2015 / 12 / 10 - 18:02 )
في المقدمة لا بد ان نحيي قلمك التنويري المبدع كما يجب ان نعترف بتفوقك علميا وأخلاقيا على إله الدواعش الذي علّم بالقلم ...عفوا علّم بالسيف ، تقولين في آخر المقالة : {نجحوا و بطريقةٍ مثيرةٍ للاشمئزاز من جعل آلهتهم تتهاوى أمام الجميع }. هنا اود ان اقول لو لم يكن إله الدواعش القرآني من نوع (فراجل) اي قابل للكسر لما تمكن إنسان ان يكسره ، فأكيد كان هذا الإله شخص بدوي متخلف ظهر بجبة إنسان مخلوق من طين لا لا مخلوق من صلصال ...عفوا نسيت مخلوق من علق ، مرادفات مملة في الخلق وعلى رأي هذا الإله {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} يعني الطباخة نست ان تملح الطعام ففي المرة القادمة ستأتي بأحسن من الطبخة السابقة يعني هذا الناسخ والمنسوخ لم يفعله حتى الإله مردوخ ، ورغم ان إله الدواعش كان إنسانا بدويا لكن له الفضل على البشرية كونه عرّف الناس بما لا يعلمون وذلك بآية ذهبية تقول : {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} هنا نسى صاحبنا ذكر البعران رغم انه وعائشة كانا يتنقلان فوق ظهر البعران ، تحياتي وأحترامي


2 - مقال معبر
على سالم ( 2015 / 12 / 11 - 15:54 )
شكرا للسيده الكاتبه على التحليل المنطقى الهادف والذى يوضح كارثه العقل المسلم البدوى

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه