الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح التعليم الديني جزء من

سامر أبوالقاسم

2005 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صادفت أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء قرب نهاية السنة الثالثة من العشرية الأولى في القرن الواحد والعشرين، المخصصة لإصلاح ميدان التربية والتعليم، والإشارة إلى هذه المصادفة إنما تأتي في إطار التذكير بأن المنظور الحديث للأمن والاستقرار يكمن أساسا في تلازمه بالتصور العام المحدد للصحة والكرامة الإنسانية وللسياسات التعليمية التعلمية.
فإصلاح مناهج التعليم على العموم، والتعليم الديني على وجه الخصوص، يشكل ضرورة مجتمعية ووطنية، قبل أن يكون أمرا مفروضا في سياق التحولات المرتبطة بمعطى العولمة من ناحية، ولا بالضغوطات الممارسة في إطار ارتباط السياسة الداخلية بمجموع الإكراهات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية أو الإقليمية أو الدولية، علما أنه يستحيل أن تكون أية سياسة داخلية غير آخذة بعين الاعتبار هذه الأبعاد المذكورة.
إعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية/التعلمية تشكل ضرورة وحاجة مجتمعية، سواء من حيث صلة مضامينها بالاجتهادات الفكرية والعلمية التي يعرفها العالم، وفي القلب منه الساحة الفكرية والثقافية المغربية، أو من حيث ارتباط قيمها وكفاياتها بالواقع المجتمعي وبحاجات الناشئة المغربية ومطالب نموها النفسي والاجتماعي، أو من حيث أخذها كل المتغيرات ذات الارتباط القوي بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بالاعتبار في اختيار المادة الدينية وطرق وأساليب عـرضها وتقديمها لجمهور المتعلمين.
حاجة المجتمع والدولة إلى إحداث مناهج تربوية مستحدثة وتنقية البرامج الدراسية من تلك النزعات التكفيرية التي كان يدفع في اتجاه إذكائها "ضغط" جماعات التيار السياسي الديني، وتخليصها من آثار الوثوقية والإطلاقية والنزعة الانغلاقية، وجعلها مستندة إلى مقتضيات الواقع والعقل، هذه الحاجة أصبحت اليوم واضحة للجميع، بعدما كان البعض في السابق يعتبرها مجرد تهويل.
فمنهاج التعليم الديني يتطلب نوعا من التغيير الذي يقطع مع الانغلاق العقدي والمذهبي والسلوكي الرسمي، ومع جاهلية جماعات التيار السياسي الديني، ويأخذ بالاعتبار مختلف التطورات التي تعرفها عوالم الفكر والعلم والسياسة والاجتماع. فالمناهج التربوية ليست مجرد تشكيلة أو جزر من المواد الدراسية، بل هي مكون أساسي لإستراتيجية تربوية تروم إصلاح النظام التربوي؛ عبر اختبار المرجعيات النظرية، والمقاربات التربوية، ومنهجيات استقراء حاجات المجتمع المستقبلية، وتصورات وافتراضات الاستجابة لها من خلال المناهج التربوية.
هذا التصور للمناهج التربوية، يجعلها في علاقة بوظائف التعليم من ناحية، وبدينامكية المجتمع المغربي من ناحية أخرى، وهو ما يجعلها كذلك مستوفية لمختلف المجالات التربوية والمعرفية والتكنولوجية، و يجعلها أيضا مستجيبة للانتظارات التنموية والديمقراطية والحداثية، وهذا هو الأهم.
فما كان سائدا من "تخطيط" في الميدان التربوي والتعليمي، كان مطبوعا بدرجات عالية من الارتجال والعشوائية، حيث كانت تغيب القراءة المتفحصة للواقع، وينعدم بُعْدُ استشراف أفق المستقبل القريب أو المتوسط أو البعيد، كما أن السائد من البرامج كان يشتمل على مجموعة كبيرة من القيم التي يهدم بعضها بعضا، والطرق الديداكتيكية كانت تقتصر على الحفظ والشحن والاستظهار فقط.
إن كل ما كان يناقش داخل الفصل يعود إلى التاريخ، وهو ما يعطي انطباعا يترسخ عند النشء متمثلا في صورتين متناقضتين: إما أن الإسلام ظاهرة تاريخية ليس لها امتداد في الوقت الحالي، وبذلك فهو لا يستحق الانتباه ولا الاكتراث له، وإما أن ما يقدم يعمل على الرفع من حظوظ جعل المتعلمين يخلصون إلى أن الواقع المعاصر هو مصدر كل الشرور، والخير كله هو في التاريخ. وكلتا الحالتين يعيش أصحابها اغترابا، إما في المكان " الغرب " أو في الزمان " عصر نزول الوحي ".
إن عقم مقررات التعليم الديني ـ باختلاف مواقعه داخل الشُّعَب ـ بالمغرب، هو مشكل قديم لم يُرَدْ الالتفات إلى معالجته سابقا، بحيث إن الحصيلة المعرفية حول الإسلام كعقيدة وحول القيم الأخلاقية التي يقع التنصيص عليها فارغة من حيث الاعتماد على القدرات والكفاءات والمهارات، بل ومتناقضة لدى الشباب المغربي المتخرج من المدارس، لأن القيم التي تترسخ في ذهنه وتنطبع في وجدانه هي ذات طابع اجتماعي مرتبط بالبنية التقليدية والعرفية والخرافية أكثر منها قيماً تربوية مدرسية، وهذا ما يفسر حيرة الشباب في التعامل مع الخطاب الديني المتناقض بسبب انعدام الرؤية النقدية في تكوين المعرفة، والاكتفاء بالاعتماد على التلقين والشحن، وهو يؤول بالشباب إلى التهيؤ للانسياق وراء التيار "الأقوى" في الجذب والسيطرة على المشاعر.
إن ما يخزنه المتعلم من مواقف وذكريات حول مقرر التربية الإسلامية ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ هو الأسوأ بين المقررات الأخرى، نظراً لطبيعة العلاقة بين المتعلم و"المدرس الواعظ" القائمة على الفوقية والتسلط، والعلاقة بينه وبين "المضامين الاستقطابية" القائمة على القداسة والخلود، والعلاقة بينه وبين "طرق تدريس المادة" القائمة على مفهوم الطاعة والامتثال وغياب السؤال والجدل.
كل هذا يحيل على تجليات وتمظهرات الخلل البنيوي، ذي الأبعاد الفكرية والسياسية والاجتماعية والتربوية والعلمية، الذي لا يسع أحدا إنكاره بخصوص واقع التعليم الديني بالمغرب.
وفي اعتقادنا فإن التشبث بهذا النوع من التشكيك المطلق في أية مبادرة تروم التغيير أو الإصلاح ما هو إلا تبرير لرفض التغيير أو الإصلاح ذاته من منطلقات وجذور ضاربة في قلب التيار المحافظ بشكل عام في المغرب.
فليكن بحث مسألة تغيير وتجديد المناهج، كركيزة للإصلاح البيداغوجي الذي يعرفه المغرب اليوم، قائما على معطيات منهجية وعلمية وتربوية موضوعية بعيداً عن عقدة المؤامرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س