الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة الدينية

طيب تيزيني

2015 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل شهر ونصف الشهر تلقيت دعوتين اثنتين من بيروت، بحيث تتمم الثانية منهما الأولى، أما المؤسسة الداعية فهي «ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار». وكان موضوع الدعوة الأولى عن «الحقيقة والأديان»، بينما كانت الثانية حول «أزمة المواطنة في الخطاب الإسلامي المعاصر». وتأتي دعوة ثالثة تلقيتها أثناء وجودي في بيروت حول «داعش والأديان»، وهي من «مؤسسة الإمام الحكيم».

بدأنا اليوم الأول بموضوع «الحقيقة والأديان»، والذي قد يكون مدخلاً نظرياً ومنهجياً، بالاعتبار التأسيسي الابيستيمولوجي لمسائل كبرى من الفكر الديني المعاصر. وأمام حشد من الباحثين والمفكرين، تناولنا المدخل بخصوصيته الاصطلاحية الفلسفية، وقدمنا لذلك بأن أخذنا بالمقابل خصوصية «الحقيقة الدينية اللاهوتية» ونمط التناول البحثي الإنساني لها. فجاء الأمر مجسداً في «ثنائية المطلق والنسبي»، بحيث يكون المطلق مطلقاً في الحاضر والراهن والمستقبل كما في الظاهر والغائب، في إطار الحيثيات الدينية والفلسفية التي حدد البشر بها تلك الثنائية. وحيث حاولنا تفكيك البحث في هذه الأخيرة، لاحظنا أن ذلك قد يقود إلى نتيجة يمكن أن تكون ذات تأثير هائل الدلالة على نمط النظر البحثي العلمي والإيماني فيها، كما في النتائج التي نستنبطها من ذلك. وظهر هذا على صعيد تناول الخلافات والصراعات التي نشأت وتنشأ بين المؤمنين في إطار الأديان «السماوية الماورائية». ونكاد نرى أن المشكلات الكبرى المتصلة راهناً بهذه الأديان والتي تثار لدى جموعٍ من المؤمنين وبصيغة المفاهيم والمصطلحات والمشكلات المستخدمة راهناً في حقلٍ راهنٍ مفعم بالاضطراب وغياب التسامح ورفض الآخر، إضافة إلى الدعوة للتكفير ولاستعداء فرقاء على فرقاء، بحيث أن مخاوف ومخاطر عظمى في العالم راحت تنتشر رفقة تحذيرات وتهديدات متحدرةٍ من مجموعات على مجموعاتٍ أخرى. لقد ظهر خطاب الثأر والقتل وحز الرقاب، إضافة إلى الإقصاء والتهميش.


وإذا كنا الآن لا نقف طويلاً أمام الأسباب المجتمعية والثقافية والاقتصادية الكامنة وراء ذلك، فإننا نتناول تلك الأسباب من المنظور المنهجي الفلسفي. ويتجلى ذلك في حيثيات ما أوردناه وفي أسبابه المذكورة في سياق تفحّص الثنائية بين «المطلق والنسبي» وفي ما تفتحه من مسارب قد تفضي إلى صيغة تطفئ لهيب ما أتينا على ذكره في إطار الإرهاب الراهن، مما قد يفصح عن إشارات منهجية أولية تفيدنا في النظر إلى الظاهرة الداعشية راهناً ومستقبلاً.

إن الإشكالية المعنية هنا تتجلى في ضبط ثنائية المطلق والنسبي وفي استخلاص ما يمكن من نتائج ملزمة للجميع. وهنا نواجه مسألةً ببعدين اثنين، واحدٍ منطقي وآخر إيماني. أما البعد الإيماني فيفصح عن نفسه بضبطٍ قاطع للعلاقة بين البعدين المذكورين ينطلق من أن المطلق بصفته كذلك، أي مطلقاً، يمكن انزياحه باتجاه النسبي والتأثير فيه. فهو يحدد ويُضبط بذاته، ومن حيث هو.

إن المؤمن يتلقف الرسالة وفق الحدود التي تسمح بذلك، ويتمثل أولها في القدرة العقلية الفهمية والمعرفية حيال الأشياء والموضوعات كلها، أما ثانيها فيتمثل في منظومة مصالح المؤمن ورغباته وبنيته المجتمعية. بينما يتمثل الحد الثالث في القوة التي يتمتع بها أو التي لا يملكها ولا يُسمح له أن يملكها. وإذن فالمؤمن يتكون بإيمانه بالرسالة الإلهية التي يتلقفها من المطلق الإلهي والتي يدركها ليس من حيث مصدرها الإلهي المطلق، وإنما من حيث هو، أي المؤمن. مما يضعنا أمام نتيجة كبرى هي التالية: الإنسان يصير مؤمناً ضمن الحيثيات الثلاث المذكورة، مما يعني أن المسألة تتصل بهذا المؤمن في تكوّنه العمومي والخصوصي، وستتكون لدينا نتيجة نرى أنها حاسمة في النظر إلى مسألة الحقيقة الإيمانية التي يكوّنها هذا المؤمن، مما ينتج ما أتينا عليه تحت خانة «الإرهاب ورفض الإقرار بالآخر».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ