الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميلبا ألتا وكربلاء

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2015 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ميلبا التا ....كربلاء الجذر الايديولوجي الواحد المنطلق من اللاوعي الجمعي...
ياسر جاسم قاسم
ميلبا التا مدينة تقع في المكسيك، حيث يعكف اهلها منذ سنوات عدة على اعداد وجبة خاصة في كل عام قبل عيد الميلاد (كريسماس) اذ تحضر 60 الف وجبة (تامال) و19 الف لتر من الشوكولا الساخنة في اقل من اسبوع ويكفي ذلك القدر من الطعام الاف الاشخاص الذين يأتون لحضور هذه الوليمة .
وذلك في اطار موسوم الحج السنوي الى مزار(تشالما) chalma وتسمى هذه الوليمة ب(لاريخونتا) وتعني لغة "جمع الشمل" وهي طريقة استباقية لشد انتباه الزوار ترقبا لموسم الحج الذي يسير فيه حوالي 20 الف رجل وامراة وطفل من ميلبا التا عبر الجبال باتجاه الموضع القديم من الكهف المقدس الذي ينتصب داخله (ال سينيور دي تشالما) وهو تمثال في هيئة المسيح بحجم طبيعي وبلون قاتم، فقبل الغزو الاسباني كانت الالهة المحلية ذات القدرات الخارقة تعبد في هذا المكان، وبعد قدوم المبشرين ظهر تمثال السيد المسيح ، ومن ثم اعلن عن حدوث معجزة واصبحت تشالما مزارا دينيا بالنسبة الى الكاثوليك من جميع انحاء المكسيك.
ويبدا الحجاج من (ميلبا) مسيرتهم باتجاه (تشالما) في 3/1 من كل سنة وتعد وجبة (لاريخونتا) مقابلا سخيا لكل من بذل المال او السلع او الوقت من اجل هذا الحدث.
وكل خطوة في لاريخونتا هي بمنزلة طقس من الطقوس الدينية ،فقبل عام واحد من حلول هذا الحدث يذهب الرجال الى الغابة ويجمعون الاخشاب التي يكدسونها بشكل عمودي بالقرب من بيت القيم على الحفل حتى تهيء بطريقة ملائمة قبل استخدامها في الطبخ في الهواء الطلق فالطعام امر على جانب كبير من الاهمية للحياة في (ميلبا التا) اذ يصبح العملة الرائجة نظير أي عمل منجز او مشاعر مشتركة ،او ايمان متجدد كما ان الفقراء يشعرون في هذه المدينة خلال الايام المخصصة لاحتفال (لاريخونتا) بأنهم اغنياء بل ان كل اهانة او اساءة عاناها اي انسان تنمو في اجواء هذا العالم السخي ، وهنا وفي ظل هذه الاجواء سأنتقل بالقارئ الكريم وعبر مقارنة انثربولوجية بين اجواء مدينة ميلبا التا في المكسيك وكربلاء في العراق وهي مقارنة سبق وان اوردت شبيهها في كتابي الوعي والتغيير ،بين اجواء عاشوراء وطقوس كومباميلا في الهند حيث يتجمع اكثر من سبعين مليون هندوسي في مدينة (الله اباد) ، وهذا العدد هو اضعاف ما يتجمع في عاشوراء ضمن طقس عاشوراء ، والان نجري مقارنة بين طقوس كربلاء وميلبا التا لابرهن على الجذر الايديولوجي الواحد للطقوس والاديان ، وبحثها عما يسكن العقل الجمعي في قضية اللاوعي لانجاز ميتافيزيقي غائب عن مفاهيم العقلانية :
طقوس الاربعينية في كربلاء طقوس ميلبا التا
1- المكان:كربلاء حيث مزار الامام الحسين واخيه العباس الذين قتلا في معركة الطف سنة 60 هــ 1- المكان: ميلبا التا والمقصد :مزار تشيلما ،حيث حدثت معجزة اشرنا اليها.

2- عدد الزوار بالملايين 2-عدد الزوار 20 الف
3- الزوار من كل الاعمار ذكورا واناثا. 3-الزوار من كل الاعمار
4- تعد وليمة تسمى (لاريخونتا) وتعني جمع الشمل. 4-تعد انواع من الولائم للزوار واهمها (القيمة) وهي حساء مصنوع من اللحم الخالص والحمص
5- يكون الطبخ على طول الطريق المؤدية الى كربلاء في الهواء الطلق 5-يكون الطبخ في المناطق المؤدية الى (تشيلما)
6- الطبخ مجاني لمن بذل ماله ووقته للزيارة. 6-الطبخ مجاني لمن بذل ماله ووقته للزيارة.
7- 40 صفر من كل عام موعد محدد للمناسبة (اي هنالك موايت للزيارة) 7-3/يناير من كل عام موعد محدد للمناسبة (اي:هنالك مواقيت للزيارة)
8- الطعام امر على جانب كبير من الاهمية للحياة في (كربلاء) اذ يصبح العملة الرائجة نظير اي عمل منجز او مشاعر مشتركة او ايمان متجدد بقضية الحسين. 8-الامر ذاته في مدينة (ميلبا التا) .
9- الفقراء يشعرون في كربلاء وفي موسم الاربعينية بانهم اغنياء ،بل ان كل اهانة او اساءة عاناها اي انسان تنمي في اجواء هذا العالم السخي) 9-نفس الشعور يرتاد الفقراء في احتفال (لاريخونتا)
10- المتطوعون هم الذين يفدون الى الاماكن ويساعدون في انجاح الموسم. 10-نفس العمل يوم به المتطوعون.
11- اغلب الناس تترك اشغالها في الموسم ، ويترك الطلاب دراستهم للمشاركة في هذا الموسم المقدس لدى الشيعة . 11-رصدت ناشيونال جيوغرافيك (مونسيرات) تبلغ من العمر 24 سنة وهي طالبة دراسات عليا تخصص علم الاحياء وتركت دراستها جانبا لمساعدة والديها خلال الاسبوع المقدس
12- تنصب الخيام والاغطية في كل مكان في موسم الاربعينية لمبيت الحشود والمساعدة في خدمة الزائرين. 12-تنصب الاغطية المشمعة والخيام في كل وقت في (ميلبا التا)
13- تنظم الاف الحفلات الدينية التي تخص الموسم من خلال اللطم واقامة سرادق العزاء وتشير موسيقى واصوات اللطميات التي حولت في اغلبها الى موسيقى الى اماكن تواجد هذه الفعاليات والمراسيم والطقوس. 13-ينظم اكثر من 700 فعل ديني في المقاطعة التي تضم 12 قرية وبلدة وتشير الاغطية والموسيقى الهادرة الى اماكن هذه الفعاليات
14- الناس بمجموعها تختار قيمين على هذه المناسبة لكي يقوموا كل من مكانه بأدارة موكبه كما يسمى. 14-هنالك قيم على الفعاليات ككل ينظمها.
15- الطعام يكفي لملايين الزوار الى كربلاء وحتى ان كان بسيطا فانه يطرح به(البركة) كما يقول الزائرون ويزداد، وهذا ما يتحدث به الملايين من الزائرين الذين يقولون :ان الطعام مبذول للجميع، ويحدثنا الكثير من الزائرين انهم اكلوا في قدور اكتفى منها الجميع "ببركة الحسين" كما يعتقدون. 15-تتحدث (غييرمينا سوارنيز مينا) عن تزايد مقدار حساء الروبيان الذي اعدته وقدم للحجاج في تشالما ، اذ كانت قد حضرت كميات كبيرة منه لكنها كانت متأكدة بأن ذلك لن يكفي الجميع ،اذ تقول: سألت الرب ان يكفي الاكل للجميع فامتلأ القدر وقدمت هذا الحساء بروحي وقلبي وقد تزايدت كميته ثم اضافت : اعتقد انه من الممكن ان يكون ذلك معجزة من المعجزات
16- على الرغم من تعب الزوار الشديد في موسم(الاربعينية) الا ان الزائرين يقولون: ان الطاقة والارادة موجودة فكأنما لا تعب يلوح في الافق على الاطلاق /فالحسين هو وجد لمساعدتهم وهو الذي يمدهم بالطاقة اللازمة لاكمال المسير وخدمة الزائرين ، وهذه الحالة تنسحب على الجميع من زائرين مشاركين في الموسم وطهاة وقائمين بالخدمة . 16-امارات الاعياء والتعب والاجهاد بادية على وجوه الطهاة مع انهم ينفون جميعا اي شعور بالتعب فهم يتباهون في الواقع بأن الايمان امدهم بالطاقة اللازمة للسهر طوال الليل.
17- يتشرف الجميع من القائمين بالخدمة بخدمة الزائرين عن طريق اطعامهم والوقوف ليلا ونهارا في سبيل تسهيل هذه المهمة .والكثير من الناس ينافس بعضهم بعضا في سبيل تقديم خدمات للزائرين. 17-مهمة اطعام الجموع التي تمر في طوابير طوال اليوم ، حتى ان احداهن تقول "كي لي ان اترك لأي احد ان ينسب لنفسه شرف ما قمت به"
18- المواسم في "كربلاء" تتجدد فمن زيارة عاشوراء الى الاربعينية ، وهكذا الجموع تحتاج الى هكذا نوع من الايمان باستمرار .اذ سيستسلم الشيعة مرة اخرى لسلطة الطعام والايمان بقضية الحسين والجموع الغفيرة . 18-بعد موسم تشالما يتعين ملئ دمى الحلوى بالحلويات من اجل احتفال (لاس يوسادس) وهو الاحتفال الذي يستمر 9 ايام ، وينتهي عند حلول ليلة عيد ميلاد المسيح اذ ستنصب خيام جديدة وسيستسلم اهالي (ميلبا التا) مرة اخرى لسلطة الطعام والعائلة والايمان.


ان الغرض من هذه الدراسة هو ان نبين: ان الايديولوجيا الدينية الطقسية واحدة في كل الديانات وان اختلفت الازمنة والامكنة فكربلاء :مدينة في الشرق الاوسط و(ميلبا التا) ،مدينة في الجهة المقابلة من العالم (امريكا الوسطى) ،فالبعد المكاني والزماني بين الحدثين ، ولكن التشابه بينهما (تشالما)،(الاربعينية) يدل وبشكل قطعي ان المرجو واحد من قضية الطقوس وهو ارضاء اللاوعي الجمعي المحيط بالطقس نفسه وبالتالي ارضاء العقول التي اخترعت الطقس في اجواء بعيدة كل البعد عن المفاهيم العقلانية .فالعقلانية التي تشكل الاساس الوجودي للثقافة الحقيقية ، ونحن نطمح ان نراها متحققة وببساطة لدى النشئ وبشكل غير قابل للتعقيد اكثر او للتعقد ،فالعقلانية المجتمعية التي يكون اساس وجودها مجتمعيا حاضرا في اذهان النشئ ومتمترسا معها وحولها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه