الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرد ونهر البردى السوري بين العبرية والفارسية

سيلوس العراقي

2015 / 12 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن الأنهار التي تمر في مناطق الشرق الأوسط تعتبر من الأنهار القديمة في العالم، والتي حمل بعضها تسميات مختلفة خلال تاريخها مثلما تغيرت أيضًا مجاري وأحواض بعضها لمرات مختلفة عبر تاريخها.
ما يهمنا في هذا المقال هو محاولة تسليط الضوء على مصدر تسمية أحد أنهارها ، وهو نهر "البردى" السوري، والأسماء الأخرى التي حملها، حيث يبدو للعرب كما اعتادوا في منطقة الشرق الاوسط دائمًا أن يعتبروا أصل كل تسمية لأمكنة جغرافية وطوبوغرافية في الأراضي العربية (اليوم) هو من أصلٍ عربيّ لغويًا، لأن سكان المنطقة اليوم في غالبيتهم من العرب، وهذا ليس بالسبب الكافي، لأن الأمور تاريخيًا لم تسِر على هذا النحو. خاصة وأن تسميات الأماكن خضعت لأحكام شعوب عديدة ولأقوام ولغات عديدة سبقت العرب والعربية، مرّت بها وعاشت فيها، وبالتالي لكلّ تسمية أصلٌ وتاريخ، للبحث عنها يتم الاعتماد على الوثائق القديمة والأقدم، وعلى الآثار المكتوبة إن وجدت، ومن ضمن الوثائق المهمة التي لا غنى عنها لمن يبحث هي وثائق أسفار التنخ العبرية.

إن نهر أمانة ـ أو أمونو Amana א-;---;--ֲ-;---;--מ-;---;--ָ-;---;--נ-;---;--ָ-;---;--ה-;---;-- ـ am-aw-naw

أو نهر أبانة Abanah ـ أبونو א-;---;--ֲ-;---;--ב-;---;--ָ-;---;--נ-;---;--ָ-;---;--ה-;---;-- ـ ab-aw-naw

يرد في أسفار التنخ العبرية ،ويعني الثابت والمعمّر أو الحجري أو الذي ينبع من الحجارة.
ينبع النهر من جبال لبنان (السورية) ويتجه باتجاه دمشق وهو نهر "بردى" المعروف اليوم الذي يمر بدمشق، ينبع من الزبداني (40 كيلومترا عن دمشق) ويتجه شرقًا ويمر بعين الفيجة (في بلدة عين الفيجة )التي تبعد بمسافة 25 كيلومتر جنوب غرب دمشق، البلدة التي اختارها الرومان في القرن الأول الميلادي لبناءالهيكل الروماني. وبالمناسبة فان كلمة "الزبداني" هي ليست كلمة عربية بل مستعارة من الآرامية بصيغة الجمع "زابادوناي" ومفردها "زبد" وتعني "اللب" ودخلت الى اللغة العربية بذات المعنى تقريبًا.
يرد ذكر الكلمة "ب ر د" 29 مرة في التنخ .
ويرد اسم النهر في سفر الملوك الثاني 5: 12 باسم أمانة (أبانة) وفرفر.
ويذكرنا النهر بحادثة نعمان الأبرص السوري التي ترد في الكتاب المقدس.
وأن الاسم "ابانة" وهو اسم مؤنث مشتق من المصدر العبري א-;---;--ָ-;---;--֫-;---;--ב-;---;--ֶ-;---;--ן-;---;-- الذي يعني : الحجارة وبذلك يشير الى صفة طوبوغرافية النهر. وتتماثل العبارة العبرية א-;---;--ָ-;---;--֫-;---;--ב-;---;--ֶ-;---;--ן-;---;-- مع عبارة شقيقة لها في الآرامية السريانية (إبنوا). وكأنه النهر الذي ينبع من الحجارة.

البَرَد والبَردى :
ومعنى اسم النهر "بردى" يعني وابل البَرَد أو المنهمر من البَرَد أو من البَرَد، وهي مشتقة من الكلمة العبرية :
(ب ر د ) ـ ב-;---;--ָ-;---;--ּ-;---;--ר-;---;--ָ-;---;--ד-;---;-- : وهي اسم مذكر استعارته العربية من العبرية أو من شقيقتها السريانية "بَ رْ دُ ا".
راجع بخصوص عبارة "ب ر د" ב-;---;--ָ-;---;--ּ-;---;--ר-;---;--ָ-;---;--ד-;---;-- الشواهد التالية من التنخ :
خروج 9: 18 ، 19، 22، 23، 24 ، 25، 26، 28، 29، 33، 34 (ضرب المصريين بالبَرَد).
خروج 10: 5 ، 12 ، 15
يشوع 10: 11 حجارة البَرَد المهلكة ،
أيوب 38: 22 خزائن البَرَد ،
المزامير 18: 12، 13. 78: 47 ، 48 . 105: 32 . 148 : 8

وهناك نظرية أخرى في أصل تسمية نهر "بردى" كما يذكر المؤرخ ابن عساكر : بأن النهر ـ بردى ـ "كان يسمى بنهر البارادوس".
وكلمة بارادوس تبدأ بحرف p الفارسي : (الباء بثلاث نقط بدلا من واحدة) غير الموجود في الأبجدية العربية لكنها موجودة في اللهجات العامية.
ولشرح هذا الاحتمال، فكلمة بارادوس كلمة فارسية، تم تعريبها لتصبح فردوس، وتم تحريفها اذًا الى "بارادا" لتصبح اسمًا يطلق على النهر"بردى".
لكن الملاحظ أن أن حرف الـ (p الفارسي) يتم تحويله في الغالب حين تعريب كلمة فارسية تحتويه الى( فاء) مثلما فعلوا مع عبارة "فردوس" العربية وأحيانًا الى (باء)، لكن هنا لم يتم تحويله الى (فاء) بل الى (باء) ليصبح "بردى" وليس "فردى"، وهنا يبقى السؤال مفتوحًا حول صحة علاقة "بردى" بالفردوس.

أما في المرجع القرآني الاسلامي فترد عبارة "برد" في القرآن، والقرآن كتابٌ يعتبر حديثًا جدًا نسبيًا بمقارنته مع الوثائق الفارسية والعبرية التي سبقته بآلاف السنين :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ "بَرَدٍ" فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" النور 43.

ومن المحتمل أن تكون عبارة "برد" العربية التي وردت في القرآن مستعارة من العبرية أو السريانية، وبالتأكيد ليس من الفارسية.

وجدير بالذكر أن اسم النهر "بردى" في الكتابات اليونانية هو Chrysorrhoas وتعني النهر الذهبي، وهنا تفترق اليونانية عن الفارسية في تسميتها للنهر اذا أخذنا بمقولة أو نظرية ابن عساكر. أما باقي اللغات الأجنبية فأخذت في معاجمها القديمة بتسمية barada أو اسم النهر الكتابي العبري Abana ، أو نسيبه النهر الكتابي فرفر pharpar ـ פ-;---;--ַ-;---;--ּ-;---;--ר-;---;--ְ-;---;--פ-;---;--ַ-;---;--ּ-;---;--ר-;---;-- ـ par-par ـ وفي اليونانية φ-;---;--α-;---;--ρ-;---;--φ-;---;--α-;---;--ρ-;---;-- وهو يعتبر أحد روافد بردى الذي يتصل به وليس نهرًا مستقلاً بذاته مع غزارته كونه مصدرًا رئيسيًا للنهر.

وهناك الكثير والمهم حول تاريخ "بردى" ومصادره وروافده في الكتابات الأجنبية وكتب الرحلات، لكنها ليست موضوع مقالنا الذي يتطرق فقط لمفردة "بردى" لغويًا ونسابتها مع المصدر "ب ر د" في التنخ العبري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30