الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوماليين يتخوفون على اللغة العربية1-2

خالد حسن يوسف

2015 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجذور

لم تكن اللغة العربية بأي حال من الأحوال كلغة لصوماليين القاطنيين في شبه الجزيرة الصومالية تاريخياً, إلى أن حضور اللغة العربية إلى هذا البلد أخذ تدرج تاريخي مع القدوم المتكرر لجماعات عربية قدمت ما بين اليمن والخليج العربي, وكان العامل الديني ممثلاً بحضور دخول الإسلام إلى الأراضي الصومالية كدافع لانتشار اللغة العربية, فليست هناك دلائل تاريخية توضح انتشار العربية قبل اعتقاد الصوماليين بالإسلام, وهو ما لم يؤذي إلى حضورها في الأوساط الصومالية, رغم مجاورة جزء كبير منها مع شبه الجزيرة العربية.

العربية والإسلام

ويستشف منه أن ماهية هذه اللغة قد أرتبطت بالعقل الجمعي الصومالي بالعلاقة العضوية بين العربية والإسلام وهو ما أدى إلى انتشار العربية على الصعيد المعرفي وليس من منظور التدوال اليومي, وأسفر عبر التدرج التاريخي إلى مشاركة المفرادات العربية في القاموس اللغوي الصومالي, وساهم في هذا الصدد المهاجرين العائدين من المنطقة العربية إلى الصومال خلال العقود الستة الأخيرة وهي الفترة الحقيقية التي أخذت معها الكثير من المفرادات العربية محل مثيلاتها الصومالية وهذا بدوره ينطبق على أثر اللغات الإنجليزية والايطالية على اللغة الصومالية.

وعند تتبع تاريخية اللغة الصومالية يتجلى أنها كانت ذات تفاعل مع اللغات الكوشية منها الأورومية والاريتيرية وقد كتب المناضل الاريتيري الراحل عثمان صالح سبي, كتاب تحدث فيه عن تلاقي المفرادات الصومالية والاريتيرية(لا يحضرني إسمه حالياً), وفي الاتجاه ذاته فإن اللغة الصومالية بفرعها "البانتو" والذي يبدو أنه قد أنتهى إلى الإنذثار شاركت مفرادتها مع اللغات الجماعات النيلية في منطقة القرن الافريقي, كما ينطبق ذلك على اللغة الفرعونية والتي جمعها الكثير من المفرادات مع الصومالية.

مما يؤكد أن العامل الديني الحضاري قد أوجد للغة العربية وضعية مميزة بين الصوماليين وذلك بعد أنتهى الإسلام كمرادف للعربية, وبتالي يستشف من جملة اللغات المشار إليها أنها قد أخذت منحى اجتماعي منطقي مع السيرورة التاريخية والتفاعل المشترك ما بين الصوماليين وأقرانهم في شرق أفريقيا بما في ذلك مصر القديمة, مما أفضى فيما بعد بفعل الإسلام الاجتماعي أن أخذت العربية الحضور المميز لدى الصوماليين رغم عدم حديثهم عامتاً بالعربية.

تاريخية العربية في الصومال

ومن ثم أنتهت اللغة العربية إلى ذات الأولوية مقارنتاً مع اللغات الآخرى التي قدمت إلى الصومال, والملحوظ تاريخياً أن اللغة العربية لم تنتشر كما تم بعد ميلاد الدولة الصومالية في عام 1960 والجيبوتية في عام 1977 وهذا يسري بدوره على الأقاليم الصومالية الخاضعة لدولتي إثيوبيا وكينيا, وسبب ذلك أن هذه المراحل تشكل فترة انتشار التعليم النظامي والذي انتشر في الأراضي الصومالية بصورة منهجية.

وخلال القرون االثلاثة عشر الأخيرة ولاسيما قبل حضور الاحتلال الأوروبي إلى الصومال الطبيعية, ظلت اللغة العربية بأداة الكتابة الوحيدة ما بين النخب الصومالية الدينية وطلابة العلم نظرا لكون أن المعرفة الأساسية في تلك الفترات تمحورت في دراسة الدين الإسلامي, مما أسفر عن ظهور كم كبير من المؤلفات باللغة العربية, إلى أن واقع الأمر لم يخلق مطلقاً مجتمع صومالي مستعرب وتعرض لتعريب, فمنحى التعريب بين الصوماليين يجسد الغرابة في ظل مجتمع يمثلك تراثه اللغوي التاريخي والمستقل عن مثيله العربي.

لدى يمكن القول أن البيئة الاجتماعية الصومالية لم تكن مهيئة لتعريب ولن تكون كذلك في ظل وجود لغة صومالية أصيلة وحجم حضورها الاجتماعي لا يتماشى مع محدودية حضور اللغة العربية في الصومال أكان تاريخياً أو حاضراً بحيت تنتهي إلى أفاق تنتهي بالتعريب, وانطلاقاً من ذلك فإن من يؤكد على ضرورة التعريب والذي يعني إحلال اللغة العربية موضع قرينتها الصومالية, فهو يعلن الاعتداء على الهوية الصومالية وأهم مقوم تاريخي واجتماعي لها وهو اللغة الصومالية.كما أن محاولات الخلط بين التعريب,الترجمة ونشر الإسلام, تمثل صيغ تحايل على الدور الطبيعي للغة الصومالية.

تقدم اللغة العربية في الصومال

وفي حين كان الصوماليين خلال انتشار الإسلام في الصومال على قدرة ووعي عالي على التمييز ما بين القضايا الثلاثة المشار لها ويجسد ذلك أن اللغة الصومالية ظلت كاللغة المتداولة اجتماعياً كلسان للقوم, بينما شكلت اللغة العربية كابجدية للمعاملات الدينية والتجارية, وفي حين أن الصوماليين كانوا عملياً قد فعلوا قضايا الترجمة ونشر الإسلام إلى أنهم لم يتجهوا اطلاقا لتعريب والذي كان سيأتي على كيانهم الإنساني جملتاً وتفصيلاً, وحالهم في ظل ذلك التصور هو ما جرى مع الكثير من الشعوب الأفريقية والتي أتخذت اللغة الفرنسية لها على حساب لغاتها الأصلية, وهو الأمر ذاته الذي أفضت إليه ممارسات ما عرف بالخلافات الإسلامية في بلاد كثيرة وجاء على حساب غير مسلمين وغير عرب.

التجربة الصومالية التاريخية تؤكد أن اللغة الصومالية لم تكن قط كعائق للإسلام في الصومال, حتى خلال إعلان تكريس النظام الصومالي والذي كان قد أتخذ النهج الماركسي اللينيني خلال مرحلة السبعينيات من القرن الماضي, فقد أعتمدت اللغة العربية كمادة أساسية في اطار التعليم النظامي, ناهيك عن حضورها كمادة رئيسية في كلية الصحافة والدراسات الإسلامية ناهيك عن وجود مدارس عربية, وفي ظل المقارنة فإن تلك الفترة شكلت من أبرز الفترات التي أنتشرت فيها اللغة والثقافة العربية في الصومال لاسيما بالمقارنة مع المراحل التاريخية التي سبقتها, هذا إذا تم النظر إلى الأمور على مستوى الحسابات والنتائج الملموسة وبمعزل عن الخطاب الأيديولوجي, كما أن ذلك ايضاً ينطبق على واقع اللغة العربية في الصومال وجيبوتي خلال ال25 السنة الأخيرة.

وإذ أكد غياب التعريب تاريخياً عن قدرة الإسلام في الانتشار بين الصوماليين بكل سلاسة, فما مبرر تكريس التعريب في الحاضر؟!

تبرير التعريب

هناك من يبرر أن تعريب قد حصل تاريخياً في الصومال, ولكن هذه الاشارة تخلط ما بين تعريب ممنهج وهو أن تأخذ كلمة عربية محل مثيلاتها الصومالية وهو ما لم يحدث, بينما التعريب المقصود به يثمتل في أن هناك كلمات عربية كثيرة قد دخلت إلى القاموس الصومالي إما بفعل التلاقح اللغوي الطبيعي أو بفعل وضع معنى كلمة عربية لمادة ما لم يكن متعارف عليها تاريخياً في الصومال, وبالمحصلة فإن مثل هذه الأمور متعارف عليها و لا تشكل بإشكالية للغات عادتاً بقدر ما تعني أنها اضافة إنسانية معرفية.

أما التحجج بدور اللغة العربية بين الصوماليين ففي المحصلة الطبيعية فإن الأمر يستدعي أن يكون هناك حضور محدود للغة العربية وبمعنى أن لاتأتي على حساب اللغة الصومالية وأن لا يخلط بينها وبين الدين الإسلامي إلى في ظل نطاق التصور المنطقي, وضرورة الحفاظ على الهوية الصومالية بشقها التاريخي الاجتماعي(التراث التقليدي) والذي تشكل اللغة الصومالية من أبرز ركائزه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ