الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيير المناهج التعليمية

سامر أبوالقاسم

2005 / 11 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن أهم مؤشر دال على غياب الوعي بالفاعلية الإنسانية في مجال تحديد طبيعة وشكل النظم والأطر التي بإمكانها أن تستوعب مختلف العلاقات الناتجة عن الاجتماع البشري داخل مجتمع مسلم، هو الإصرار على تفسير أية محاولة لإصلاح شأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتأويل سياقات التغـييـر السياسي فقط بالتدخل القسري لإرادة خارجية ما.
إن التيارات المحافظة بكل تلاوينها ـ بما فيها جماعات التيار السياسي الديني ـ لا تولي أية أهمية لتلك الفاعلية وذلك الاختيار الإنساني على ممارسة عمليات العقلنة والتخطيط بهدف تغيير أو إصلاح الأوضاع المتردية باستمرار.
هذا ما يدفع جماعات التيار السياسي الديني اليوم إلى أن تقف موقفا منغلقا ورافضا لكل دعوة إلى الإصلاح بصفة عامة، والإصلاح الديني بصفة خاص، منطلقة في موقفها السياسي الاستقطابي هذا من مرتكز متمثل في اعتبار عمليات الإصلاح تطويعا للإسلام، حتى يصبح ديناً مسالماً مطواعا قابلا بضرب منطلقاته ومرتكزاته في الصميم...
ردود أفعال هذه الجماعات السياسية غالبا ما تتمثل في اعتبار الإصلاح هجوما شرسا ونقدا لاذعا للنصوص الشرعية المقدسة، وتفكيكا وتشكيكا في العقيدة والشريعة الإسلامية من ناحية، وفي تقديم الإصلاح في صورة السهام الطاعنة الموجهة لمناهج التعليم الديني المستمدة من روح ومقاصد الدين الإسلامي ذاته ناحية أخرى.
وتتجاهل هذه الجماعات أن دعوات الإصلاح الراهن، خاصة المتعلقة بنمط التعليم الذي يمارس في مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، تأتي على قاعدة السمات التي اتسم بها الواقع طيلة العقود الأخيرة؛ من تخلف يعم البلاد، وأمية ما زالت نسبتها جد مرتفعة، ونوعية التعليم المتاح جد متردية وبعيدة كل البعد عن غايات المشروع المجتمعي الراهن، وسياسات تعليمية فاشلة، وأوضاع مربين ومدرسين مزرية، ومناهج وأساليب تربوية كلاسيكية عقيمة غير قادرة على المساهمة في إنتاج القيم الرمزية المضافة للدولة والمجتمع.
بل إن هذه الجماعات، عبر نمط تفكيرها وممارستها وتموقفها من الدعوات الإصلاحية، تعبر اليوم عن غياب الوعي بما يطبع نتائج التعليم عموما من سمات أساسية قد نلخصها في ثلاث: تدني التحصيل المعرفي والعلمي، وضعف القدرات والكفاءات التحليلية والابتكارية، واستمرار التردي والتدهور في مجال التعليم بشكل عام، وهو ما يفيد عدم إدراك هذه الجماعات لطبيعة وشكل الخلل الجوهري القائم بين سوق العمل ومستوى التنمية من ناحية، وبين نتائج ومحصلات التعليم على المستوى القيمي والسلوكي من ناحية أخرى.
ولعل الجانب الأهم في غياب مثل هذا الحس، هو عدم الاكتراث لما يتعلق بأنواع القيم والقدرات والكفاءات التي تنتجها المدرسة الوطنية، المفارقة تماما لما ينبغي أن يحكم العلاقة بين الفرد والجماعة والمجتمع والدولة والعالم، والتركيز فقط على النقاش فيما يخص مرجعية القيم، أهي دينية أم لا؟ دونما أدنى اعتبار لما يعتمل في العالم اليوم من سباق على مستوى إنتاج القيم والطاقات المتنوعة بتنوع الحقول المعيشية والمهنية في الواقع، وإقرارها وضمانها وإعمالها في ذات الوقت، بهدف تخصيب الهياكل المؤسساتية للدولة والمجتمع.
لا شك في أن مبادرة إصلاح ميدان التعليم، بمنظور تنموي ديمقراطي حداثي، تأتي في سياق استهداف بناء جيل جديد متمسك باعتقاده وموروثاته الإيجابية المتنوعة بتنوع مكونات وأبعاد هويته الثقافية والحضارية، لكنه في ذات الوقت متسلح بروح الانفتاح على الآخر، والتعايش معه باحترام وتسامح، والتفاعل معه بانتظام وتفاهم، ومتشبث برفض ونبذ العنف والتطرف والمعاداة على أساس الدين أو العرق أو الجنس، بل ومقتنع بالعمل على تجفيف منابع الرعب المهدد للأمن والاستقرار الإنساني، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا حول نصوص الجهاد التي تدرَّس للنشء في المدارس، وطبيعة وشكل الدروس الملقنة بخصوص المعتقدات الدينية المختلفة التي تحويها مناهج التربية الإسلامية بالمدرسة على سبيل المثال لا الحصر.
ومن هذه المنطلقات، لا نجازف في أن نخلص إلى أن جماعات التيار السياسي الديني لا ترتكز فقط على قاعدة الانغلاق والتقوقع على الذات، بل تنطلق كذلك من مرتكز الشك المطلق في كل ما يمكن أن ينتجه تيار الإنماء والدمقرطة والتحديث، بفعل الحساسية المفرطة تجاه جل ما يمكنه أن يكون قادما من "الغرب".
العالم كله اليوم يخضع منظومته التربوية والتعليمية للتقويم المستمر في الزمن؛ تقويم مراعي لمختلف التطورات من ناحية، وآخذ بعين الاعتبار الحاجات والتحديات المتجددة باستمرار من ناحية أخرى، بل وقد تتجه بعض الدول إلى إعادة النظر بشكل جذري في منظومتها. لكن الغريب عندنا نحن هو أن تكون الدعوة إلى إصلاح التعليم لا تزال خاضعة للجدل، بل لا زال التيار المحافظ رافضا لأي تعديل. فهل الإصلاح الذي يطال منظومتنا التربوية والتعليمية اليوم، خاصة الشق المتعلق بتغيير البرامج والمناهج الدينية، في نظر جماعات التيار السياسي الديني، يدخل في إطار الاستجابة للضرورات الداخلية والمصلحة الوطنية في تفاعل إيجابي مع ما يعرفه العالم من تحولات، أم أنه يدخل في سياق تغيير البنية الدينية للمجتمع وتجفيف منابع التدين بالمغرب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran