الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص المقدس بين البنيوية والتفكيكية

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2015 / 12 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ترى النظرية البنيوية في نقد وفهم النصوص أن لكل نص بنية أسلوبية واحدة، تشكل وتخدم فكرة ‏محورية للنص. فيما ترى النظرية التفكيكية أن فهم ما يرد بالنص من أفكار يتم بالتعامل الجزئي مع ‏مكوناته، التي قد تكون منفصلة بدرجة أو بأخرى عما عداها من بنى أسلوبية وفكرية.‏
الحقيقة أن لبعض النصوص فكرة مركزية، أشبه بجزع شجرة يخرج منه فروع أوراق وثمار، وغالباً ما ‏تكون النصوص من هذه النوعية نصوصاً علمية، ويندر أن نجد هذه الصيغة المثالية في أي نوعية ‏أخرى من النصوص. ففي النصوص الأدبية والدينية والسياسية وغيرها نجد أكثر من فكرة محورية ذات ‏أفرع وتفاصيل يعرضها النص، بل ونجد أيضاً شذرات أفكار يمكن استقطاعها من سياقها، وأخذها ‏منفردة لتكون أشبه بالشعارات أو الحكم المأثورة، وقد تكون في حالة تشظي أفكار النص مستقلة أو ‏مضادة عن كل أو بعض ما ورد من أفكار. هكذا يصعب الخروج من النصوص غير العلمية بفكرة أو ‏نتيجة واحدة وحيدة، ليكون المجال متاحاً أن يأخذ كل منها ما يشاء أو ما يتفق من اعتقاداته المسبقة. ‏وقد يقع البعض في فخ تصور أن ما لفت انتباهه وخرج به هو فكرة النص المحورية، كتلك التي ‏تصورها لنا النظرية البنائية.‏
بالطبع تختلف درجة التشظي في بنائية وأفكار هذه النصوص، ومدى ما قد تحتويه من تعارض أو ‏تناسق مع بعضها البعض. وكما نقول أن وجود فكرة واحدة مركزية للنص هو تصور مثالي لا يوجد ‏غالباً في غير النصوص العلمية، فإن التفكك أو التشظي الكامل التام للنصوص حالة أخري نادرة ‏الحدوث. فالأغلب أننا نستطيع رصد لا فكرة محورية واحدة، وإنما تياراً عاماً غالباً، يوحي لقارئ النص ‏بمجال فكري عام يسبح فيه النص ومطالعه، رغم ما قد نجده بين طياته من أفكار أو تيارات أفكار ‏أخرى مجاورة أو مضادة للتيار الرئيسي.‏
من المهم أن نعي ما ورد أعلاه، لنفهم ما تشهده الساحة العالمية الآن من أحداث دموية مأساوية ‏استناداً لنصوص مقدسة، وما يناهضها من رؤى تستند لنفس النصوص، تنكر على الأولى صحة ما ‏استخلصته واعتبرته محورياً في النص، في نفس الوقت الذي تنكر فيه الفئة الأولى على الثانية صحة ‏استنتاجاتها وتفسيراتها، لنحتار مع كليهما من هو الأصح في فهم نصوص شائعة التقديس. والحقيقة ‏أن جميع الأطراف في هذه الحالات تكون على صواب وإن بدرجات متفاوتة. إذ أن معيار الدقة ‏والنجاح في فهم النص بصور عامة مجملة هنا لا يكون فقط بمحاولة العثور على "الكيف" الصحيح ‏لمحتوى النص، وإنما أيضاً باعتبار تأثير "الكم" في تحديد "الكيف". فتفكك النص أو تشظيه الكلي أو ‏الجزئي يجعل من درجة تكرار الفكرة الواحدة أو مجموعة الأفكار المتسقة مع بعضها البعض هي ‏المعيار الذي يعطي الغلبة لتيار داخل النص على التيارات الأخرى.‏
إذا كنا مصممين على محاكمة نص ما، فغالباً لن نستطيع أن نضع أيدينا على الحكم الصحيح من ‏خلال منتجات الباحثين دارسي هذه النص. إذ أن هؤلاء في الغالب يذهبون في دراستهم إلى تغليب ‏‏"كم" "الكيف" الذي يستهويهم وفقاً لميولهم الشخصية، ليخرجوا علينا بادعاء أن "هذا التيار" فقط دون ‏سواه هو المعنى المحوري للنص. وقد تكون الحقيقة أن ما يشيرون إليه هو "التيار الغالب" على ما ‏عداه من تيارات، كما قد يكون ما وقع عليه خيارهم هو "التيار الأضعف". هكذا نظن أن "التيار العام" ‏لأي نص شائع التقديس، نستطيع رصده بطريقة إحصائية، عبر "حجم فريق" من يتبنونه من الدراسين ‏والمهتمين بالنص، بالإضافة لحجم المناصرين لهم من عامة الناس، مقارنة بأحجام الفرق التي تعتنق ‏تيارات أخرى لفهم أو اعتناق النص المقدس. بالطبع مع ملاحظة أن "حجم الفريق" الذي نقصده ليس ‏فقط حجماً مقدراً بعدد الأفراد، وإنما العدد مضروباً في متوسط "درجة حماس" الفرد من هذا الفريق. ‏حيث أن "درجة الحماس" تشير ليس فقط لنوعية الأفراد من حيث مدى حماسهم للأفكار، ولكن أيضاً ‏نتيجة للضغوط التي يحدثها تكرار "الفكرة الرئيسية" المتبناة داخل النص. فاقتناع أعداد كبيرة باهتة ‏الحماس بفكرة معينة، يشي بضعف مركز هذه الفكرة داخل النص محل الاعتبار.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran