الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نُنهي الإرتزاق بالإسلام؟!

وفاء البوعيسي

2015 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن شيخاً كمحمد العريفي، أو يوسف القرضاوي، أو الصادق الغرياني، أو جلال الدين الصغير، صاحب إيديولوجية أُحادية متطرفة، يمكنه أن يجمع الحشود المسلمة حوله بسهولة شديدة، عند إلقائه محاضرةً واحدة، أو خطبة جمعة، أو الذهاب لحُسينية شيعية، لبدأ طقوس الفجيعة واللطم على سبط النبي، بل إن أي شيخ مبتدئ، مهما كانت درجته العلمية، يمكنه بسهولة أن يجمع الناس، ليدعوهم للنيل من غير المسلمين، والتوقف عن سماع الموسيقى والتدخين، أو حرق كتاب وقتل مؤلفه، دون أن يكون هذا الكتاب حتى قد انتشر بما يكفي لقراءته، لأنه يملك سحراً خاصاً وإمكانيةً فريدةً يُحسد عليها، لإجتذاب مئات الآلاف من الناس لسماعه أينما حل، في القُرى كما بالمدن، وبالجامعات كما بالمساجد، فجمهوره من المتعلمين وأنصاف المتعلمين والأميين، كلهم أمامه سواء.
وبالمقابل، ثمة بالكاد شخصٌ واحدٌ بكل فرنسا، يستطيع أن يجمع مثل هذه الحشود، وهو حتماً ليس رجل دين من ماركة شيوخ الإسلام، بل هو فيلسوف أكاديمي اسمه ميشيل أونفري، وقد دأب على ذلك لعشر سنوات متتالية بلا ملل أو كلل، حين أسّس جامعة كُان الشعبية، التي تفتح أبوابها مجاناً مرةً بالأسبوع المصادف دائماً ليوم الإثنين، لإعطاء دروس بالفلسفة للجميع، وعلى أبواب هذه الجامعة الأنيقة، يصطف طابورٌ طويل من الناس، ليأخذوا أماكنهم مبكراً في القاعة، وبيد كل منهم كتاب أو مجموعة من الأسئلة أعدها من قبل ليناقش فيها السيد أونفري، وهو يحاضر في الأخلاق، واللاهوت، والقيم، والعقل، والمتعة، والعدمية، وبمحاضرات أونفري، لن تسمع منه أي درس عن مؤلفاته الخمسين، فهو لا يسوّق لنفسه في تلك المحاضرات، بل يناقش المدارس الفلسفية ويقدم تحليلاته الخاصة، ويناقش الأسئلة الكبرى في التاريخ، ومعضلات العصر، ويترك للجمهور فرصةً واسعةً للمداخلات، وكان هدفه المعلن من تأسيس تلك الجامعة الشعبية، هو رفع منسوب الوعي لدى الفرنسيين بقضايا العالم والإنسان.
ويمكنني أن أضيف رجلاً آخر بكل هولندا، يمكنه أن يجمع حوله مئات الآلاف في ساحة دام سكوير بأمستردام، لسماع النوتات الموسيقية العالمية، والإلتقاء بسيمفونيات بيتهوفن وموتزارت وباخ وتشيكوفسكي وغيرهم، في الهواء الطلق، إنه الأوركسترالي آندري ريّو.
يعكف آندري ريو وفرقته الموسيقية الفخمة، المعروفة بعراقتها وتجربتها في العزف بكل أوربا، على إطراب مئات الآلاف من الهولنديين والسواح، مقدماً تشكيلته الموسيقية لإرضاء أصحاب الأذواق المختلفة من الغربيين والشرقيين، ناثراً موسيقاه على الحضور والقلوب والأشجار، والمياة المنسابة في آلاف الكنالات المائية التي تتخلل شوارع فينسيا الشمال، وحين تقترب الكاميرات من الحشود الجالسة بسلام، ستلمح ولابد أحد الجهور وهو يبكي منفعلاً، وآخر يراقص محبوبته، أو أمٌ تحتضن ابنتها وهما تدندنان.
هذا لأن اهتمام الناس هناك ليس أُحادياً، فلطالما كان موزعاً بين عدة اتجاهات فكرية، حيث الإختلاف الفكري هو السائد، والتيارات الفلسفية والفنية، متعددة بشكل ملحوظ في الفن والتماثيل والأزياء والأعمال المسرحية، يقابله تنوع آخر في الطروحات السياسية والعلمية والثقافية والدينية والإجتماعية، تُقدَم مواضيعها وإشكالاتها بشفافية للجمهور، وتُنِاقش كل شيء من أبسط الأمور لأكثرها تعقيداً، ووجود هذا الإمتداد في أرضية الطرح، يوسّع من أفق الناس ويحول بينهم وبين التعصب، ويمنع تحشيدهم لصالح فكرٍ أُحادي.
أما حشود المسلمين (حتى بأوربا)، فلا يغريها في شيء نداء الفن أو الفلسفة، فقد اعتادت التجمع استجابة لنداء فكرٍ أُحادي، يجتر كلام الماضي دون أي إبداع، أو تحليل، أو مقاربة مع العصر، وهي لا تفتأ تفعل ذلك منذ 1400 سنة على التوالي، مرةً بالأسبوع المصادف دائماً ليوم الجمعة.
إن خطبة جمعة واحدة بكل العالم الإسلامي، كفيلةٌ بجلب مئات الملايين من النساء والرجال والمراهقين، من العمل والبيت والنادي والجامعة والثكنة، يسدّون بها الطرقات، يعطلون بها مصالح الناس، يُزعجون بها المرضى والعجائز، ويخوّفون بها الأطفال، حين يرتفع جعير المكيروفونات بصراخ الخطيب.
يخلع مئات الملايين من المسلمين حول العالم كل اسبوع، نعالهم وعقولهم وألسنتهم ويتركونها خارجاً ليتمكنوا من دخول المساجد، إذ لا يجتمع العقل والنعل وحق الرد في بيت الله وورثة أنبيائه حاضرون، يتحنطون في جلستهم قُرابة ساعة كاملة، ليستمعوا لكلامٍ مكرور ومُجتر، لم ينقلهم للأمام خطوةً واحدة، ولم يحسّن من معيشتهم ولا أوضاعهم السياسية ولا سلوكهم وسلوك حكامهم في شيء، يكلّمهم الخطيب عن الأخلاق وكأنهم لا يعرفونها، يحدثهم عن الصلاة وفوائدها وكأنهم لا يؤدونها خمس مرات كل يوم، ومواضيع أخرى كالكراهية، والحور العين ..الخ.
إن المسلمين حين يتكلمون اليوم عن أن إسلامهم مُختطف، وأنه يُساء إليه من مشائخه، ويضعون المسؤولية كلها على الفقهاء وكتب التراث، التي يتنصلون منها بكل حوار حول حضارية الإسلام، ومدى ملائمته للقرن الحادي والعشرين، يجب أن يثبتوا صدق ادعائهم هذا، وهو أن العيب ليس في الإسلام بل في خُطباء السوء كما يسمونهم، ويتبنون موقفاً موحداً من كتب الفقه والمغازي والسيرة النبوية وشروح القرآن، وصحيحي البخاري ومسلم وموطأ مالك، وآلاف الكتب الشريرة ككتب ابن تيمية والغزالي وابن القيم وكتب الحوزة الشيعية، التي تخرج منها خُطب الجمعة منذ 1400 سنة على التوالي، وأن يرفعوا دعاوى أمام المحاكم المدنية ببلادهم، مُطالبين بإعدام هذه الكتب، وعدم السماح بطباعتها أو تسويقها، ورفعها من كل مواقع الإنترنت، ومعاقبة من يُعيد نشرها أو الترويج لها، باعتبارها كتباً تُسيء للإسلام ورسوله، وإلى أن يتحقق ذلك، عليهم أن يبدأوا بمقاطعة صلاة الجمعة نفسها، لإنهاء ترزّق الخطباء والدُعاة ومحفظي القرآن والمفتين بالإسلام، ويطالبوا محاكم بلدانهم بإلزام الدولة بإقامة صلاة ظهر اعتيادية لا صلاة جمعة، حتى يحققوا هذا الهدف وينهوا عبث الشيوخ بالدين ثم يعودوا لرفع صلاة الجمعة من جديد، إن كانوا صادقين في مزاعمهم، ومقتنعين حقاً أن الخلل في كتب التراث وفتاوى الشيوخ، وإلا فإن سكوتهم واستمرارهم في سماع الفقهاء، والإحتفاظ بكتب إسلامية كتلك، هو مساهمة منهم في الإرهاب والتخلف والقبول باستمرارهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على الجهد
عبد القادر أنيس ( 2015 / 12 / 25 - 14:33 )
في الصميم. شكرا على متعة القراءة لك


2 - الصوت الحر
على سالم ( 2015 / 12 / 25 - 15:26 )
اشكرك استاذه وفاء بو العيسى , انتى صوت جرئ وشجاع ومدوى لكشف دجل الاسلام ووحشيته وتخلفه ورجعيته ودمويته , الاسلام البدوى الهمجى يريد ان يرجع العالم الى القرن الاول الهجرى ولكننا نحن لهم بالمرصاد ولن تنجح السعوديه المجرمه ابدا فى مخططاتها الشيطانيه القذره وهى مسلحه بأموال القطران والزفت عليهم اللعنه اجمعين


3 - شكرا
وفاء البوعيسي ( 2015 / 12 / 26 - 16:07 )
شكرا عبد القادر أنيس وشكرا علي سالم سعدت برأيكما


4 - ممتاز جدا
جلال العبار ( 2018 / 3 / 1 - 02:45 )
سلام استاذه وفاء
الله لم يأمر اتباع شيخ او حتى كتب الشيوخ أمر المسلم باتباع القران بدليل واتبعوا احسن ماانزل اليكم ولا تتبعوا من دونه كلمه من دونه فقط تفتح موضوع كبير وواسع ونفس الخطأ الذى وقع فيه اليهود وقع فيه المسلمين اليهود اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دونه الله المسلمين اتخذوا شيوخهم اربابا من دونه الله مثل البخارى عند البخاريون والكافر
عند الكافيون عند الشيعه


5 - المسلم
جلال العبار ( 2018 / 3 / 1 - 18:50 )
سلام استاذه وفاء
الذى ينهى الارتزاق بالدين هو المسلم نفسه فيجب عليه تدبر القران بدليل
افَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
لان من حقه التدبر  والقران ليس حكرا على شيخ او مفسر معين
يجب عليه ان يتبع القران فقط ولا يتبع شيخ او كتاب شيخ بدليل
 اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
الذى نزل هو كتاب والذى من دونه شئ طبيعى كتاب اذا اى كتاب غير الله ممنوع
لأن الله  يريد ان يسأل عن القران فقط يوم القيامه  بدليل
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ
ولن يسأل  عن كتب الشيوخ او التفسير لان غير معتروف بها يوم القيامه
 

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج