الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المندائية الغنوصية وظهور فكرة المخلص

وليد يوسف عطو

2015 / 12 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يؤكد الباحث د خزعل الماجدي ( دكتوراه تاريخ قديم – دكتوراه فلسفة اديان قديمة ) في كتابه(كشف الحلقة المفقودة بين اديان التعدد والتوحيد ) – ط 1 – 2014 – الناشر : المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب و بيروت – لبنان .ان المندائية لم تكن وليدة العصر الهلنستي , بل هي ذات جذور قديمة ترتبط مع الديانات السومرية والبابلية في وادي الرافدين .

لقد تمت اعادة صياغة شاملة للمندائية بعد سقوط بابل وعلى اساس عرفانية اخر ملوك بابل نبو نئيد التي ظهرت منتصف القرن السادس قبل الميلاد والتي تمت باحدى اللهجات الارامية وهي ( المندائية ).

تعني كلمة (مندا ) باللغة الارامية تعني ( العارف ) اي الغنوصي. وهو مصطلح ظهر قبل ظهور المصطلح اليوناني Gnosis (غنوص ).
لازال بقية سكان العراق القدامى من الصابئة المندائيين يعيشون في العراق وخصوصا في جنوب العراق بعد ان تم تهجير اغلبيتهم .

من زمن سقوط بابل 539 ق.م استمرت الديانة البابلية لكنها اختلطت بعقيدتين وافدتين وهي ديانة اتباع يهوذا وهي ديانة تفريدية وليست توحيدية , والتي تحولت في عصر لاحق الى الديانة اليهودية التوحيدية , والديانة الزرادشتية من عبدة الاله التوحيدي اهورا مزدا .

يصف الباحث الماجدي الديانة البابلية بانها تحولت الى ديانة كوكبية تبدو وكانها تخرج من العالم السفلي المظلم . حتى ان مردوخ كان يرمز الى كوكب المشتري وابنه ( نبو ) الى عطارد وابنته عشتار الى الزهرة . وهكذا وصمت الديانة البابلية بكونها ابنة الظلام . اما الديانات الوافدتان فهما تمثلان المضاد للديانة اليهودية .

فاليهودية تبنت (ادوناي ) ويهوا ,ووصف الاله الاول بانه اله الشمس والثاني بانه اله الطقس والعاصفة , وتبنت الزرادشتية الاله اهورا مزدا اله النور والشمس والخير .
وهكذا بدات تتقوض الديانة البابلية . لكن منبتا سريا كان ينمو تحت هذه الديانات وهي ( المندائية )والتي هي الخميرة المعتقة الاصلية لعقائد وادي الرافدين , اذ انها تجمع في نسيحها مادة الديانتين الجديدتين , لكنها لاتكشف عن نفسها لانها اذا اعلنت تعاليمها واسرارها فستموت : هكذا قرر كهنتها وعرفانيوها الكبار آنذاك .

عند احتلال الاسكندر المقدوني للشرق تلاقحت عقائد وادي الرافدين بالثقافة الاغريقية ( اليونانية )وقد تمت المطابقة بين زوس الاغريق وبين مردوخ البابلي وبين افروديت الاغريقية وعشتار البابلية وهكذا مع بقية الالهة .

اما المندائية فكان اغواؤها كبيرا وسحرها اخاذا لانها لم تكن مالوفة في الثقافة الاغريقية . وهكذا صعدت من القيعان السرية الى العلن وتعرفوا لاول مرة الى شيء اسمه (المندائية)الذي ترجموه الى الغنوصية Gnosis اي العرفان او المعرفة السرية الباطنية , او المعرفة الالهية .ونقلوا افكار هذه الديانة الى فلاسفتهم الذين نظروا اليها كديانة خلاصية وتمت مطابقتها مع عقائد الخصب السرية والخلاصية كالاورفية والاليوزيسية , لكن المندائية كانت تنفرد بغنوصيتها العميقة فاصبحت الفلسفة الغنوصية بعد قرنين واحدة من اكبر التيارات الفلسفية الهلنستية .

وتمت دراستها واشاعتها في الاسكندرية والرها وحران , اما المندائية الاصلية فتناسلت في الكرخة وميسان والطيب .
كانت الفلسفة الرواقية , سمة العصر الهلنستي ,وكان الرسول بولس مؤسس المسيحية بعد مؤسسها الاول يسوع ( عيسى ابن مريم )مشبع بالفلسفة الرواقية وعقائد ديانات الاسرار.

لقد كانت سمة العصر الهلنستي الحركة التوفيقية حيث كانت عقائد الشرق والغرب تقص وتقطع وتمنتج وهي تختلط مع بعضها حتى يصار الى ظهور عقائد جديدة كانت في بدايتها واضحة الخلط , لكنها سرعان ماتبلورت عن عقائد نوعية مثل الغنوصية والافلوطينية والابيقورية والرواقية .

وكانت الرواقية سمة العصر الهلنستي , حيث اكدت على اللوغوس وهو باحدى معانيه الكلمة الخالقة والتي تحل في ادق التفاصيل كحلول العسل في الشمع .
لقد اعاد الاغريق تصنيع الغنوصية المندائية وكان اهم مافيها بحثها الدائم عن الخلاص ومحاولة تشخيصها لسمات المخلص القادم والذي يستلزم ان يكون مخلصا عالميا .
كان اليهود يرون في المسيح الذي بشر به آرميا هو المخلص القادم , ونظر البابليون الى نبو اله الحكمة كمخلص قادم ونظر الاخمينيون الى (فارقليط )كمخلص . اما المندائيون في وادي الرافدين فكانوا ينظرون الى عالم النور ورسوله ( مندا اد هيي )باعتباره المخلص .

لم يفز بهذه المنافسة سوى ( يسوع ),اي عيسى بحسب القران ,رغم ظهور اكثر من اثني عشر مدعيا صفة مخلص . وعندما انفصلت المسيحية عن اليهودية اصطدمت فكريا بالغنوصية على قاعدة الافكار الخلاصية فقام المسيحيون بالصراع معها من خلال كتابات جوستين ( 100 – 165م )وايرانوس ثم كليمانص في الاسكندرية ( 150 – 215 م ) .وكان من الواضح ان الغنوصية قد اثرت تاثيرا كبيرة في المسيحية وفي طريقة ظهورها الاولى .

تؤكد الغنوصية مايلي :
1- تتم المعرفة على شكل الهام وكشف وليس عن طريق التعلم كالفلسفة.
2- هذه المعرفة الهية وليست معرفة وضعية.
3- هنالك اسرار خفية لايعرفها الا الغنوصيون اي العرفانيون تنير لهم درب الخلاص .
4- اهم عمل غنوصي هو تحرير الروح او النفس البشرية من عبودية الجسد والاتحاد بالالوهة .يقوم الوسيط وهو المخلص باعطاء المعرفة لمن يمتلك روحا عارفة ويسمى هذا الوسيط ب ( المخلص ).قد يكون الخلاص قبل الموت يتم عن طريق العرفان والاندماج مع الالوهة ,او بعد الموت تصعد الروح الى السماءمع المخلص وتتحد مع الالوهة .
5- يحتاج الخلاص تطبيق شعائر وطقوس سرية مثل التعميد وحفظ الاسماء السرية والصدقات والاتحاد عن طريق تناول طقس العشاء السري .
6- العرفان هو المعرفة الباطنية اما العلم فهو معرفة الظاهر ومعرفة الباطن هي معرفة الاسرار والتي صار السحر والتنجيم والعرافة والكيمياء اساسها .في حين ان الباطن هو الاسرار الالهية الخفية .
7- يطغى على الادبيات العرفانية الاسلوب الاسطوري والفلسفي حيث تتحول اساطير الخلاص القديمة الى لغة فلسفية مثل وجودالاله المتعالي والمادة وبينهما الاله الصانع او الوسيط واسطورة مصدر الشر.
8- يعتقد الباحث د .خزعل الماجدي ان المدونة المندائية هي اصل الغنوصية وليس الفلسفة الغنوصية ونقصد بها الكتاب المقدس للصابئة المندائيين (كنزا ربا ) . اما المدونة الهرمسية فهي مدونة اغريقية متاخرة قياسا الى المدونة المندائية .
كلمة لابد منها :
في هذه الايام في نهاية العام الميلادي 2015 اتقدم بالتهاني للجميع بمناسبة اعياد الميلاد وراس السنة الميلادية وهي اعياد تعود في 0جذورها الى ديانات الخصب والاسرار . فالاله ديونيسيوس ويسمى عند الرومان ( باخوس ) هو اله النبيذ – نبيذ العنب والخمرة .وتعني كلمة ديونيسيوس في الاغريقية ( من يعبد زيوس )وتبدو جذوره شرقية تعود الى الاله ادونيس .

مما يلفت الانتباه ان شخصية ديونيسيوس ( باخوس ) واسراره تتشابه كثيرا مع شخصية السيد المسيح في الاناجيل الرسمية . فاثنان ولدا في 25 من شهر ديسمبر , والاثنان ولدا في مكان متشابه , وكان يطلق عليهما ( الطفل المقدس ) .

وتنسب لكليهما معجزة تحويل الماء الى خمر , وكذلك النهاية الدموية لكليهما وقيامتهما بعدالموت , وقد ركب الاثنان الحمار او جحش ابن اتان وحولهما الجموع تستقبلهما بالاغصان .

كانت الالهة سيبيل بمثابة الالهة الام وتلقب ب (الالهة الكبرى ) و ( الالهة العذراء )وتلقب ب ( سيدتنا ) .
كان اتباع الاله اتيس يرغبون في الاندماج والاتحاد بالالوهة وبالطوطم ,
وكانوا غالبا يقومون بقطع بعض اعضائهم او باخصاء انفسهم .
وكان الغالوسيون وهم كهنة معبد سيبيل هم من بقايا معبد الكالا السومري . ويعمل هؤلاء على اخصاء انفسهم بدموية اقتداءا ب (آتيس ) شريك الالهة سيبيل . وهذا يعني بحسب الباحث د . خزعل الماجدي ان الختان هو ترميز للعهد مع هذه الالهة , وقد اصبح يقتصر على قطعة جلد هي القلفة من العضو الذكري بدلا من قطع الخصيتين . ومن هنا جاء الختان عند الهود وعند العرب .

هنالك ايضا التشابه ايضا بين السيد المسيح واتيس حيث ولد الاثنان في 25 ديسمبر وكانت ولادة آتيس من عذراء كولادة المسيح تماما . وجرح آتيس تشبه جراح المسيح وقام الاثنان بعد الموت بثلاثة ايام ويقوم اتباع آتيس باكل جسده كتناول الخبز والشراب عند المسيحيين تماما .

مقالتنا ( اكذوبة استحالة الخبز والشراب الى جسد ودم المسيح جوهريا ) والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=262537

مقالات ذات صلة:

مقالتنا ( جذور تحريم لحم الخنزير لدى العبرانيين وشعوب الشرق القديم ) والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=258097

مقالتنا (اللوغوس والفلسفة الرواقية وبولس ) والمنشورؤة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296366

مقالتنا (قراءة في الهرمسية وجذورها ) والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=4978341

مقالتنا ( معجزة تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل ) وعلى الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296474








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتذار عن خطا غير مقصود
وليد يوسف عطو ( 2015 / 12 / 25 - 08:15 )
الذوات الكريمات - الاكارم ...

اتقدم بالاعتذار عن الخطا غير المقصود في رابط مقالي ( قراءة في الهرمسية وجذورها ) وعلى الرابط التالي .. يرجى التصحيح ..

اكرر اعتذاري للجميع .

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=497834


2 - رائع كالعاده
السودانى ( 2015 / 12 / 25 - 09:40 )
مقالات الاستاذ وليد تمثل بالنسبه لى بنيه تحتيه تقافيه متينه تمكنى من فهم اشياء كثيره تحيط بى . عاجزين عن الشكر ايها الرائع


3 - الاخ السوداني المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 12 / 25 - 11:42 )
شكرا لكم للكلمة الحقيقية والصادقة وغير المنافقة ونتمنى التواصل مع مقالاتنا باستمرار ..

لنعمل من اجل تقدم اوطاننا ..

نلتقيكم على خير ومحبة وسلام .


4 - المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام
مروان سعيد ( 2015 / 12 / 26 - 09:05 )
تحية للاستاذ وليد يوسف عطو وكل عام والجميع بالف خير
موضوع مثير للدهشة ولشدة التشابه بين اريس والمسيح الذي حضرتك احضرتها ولكني لم اجد مرجع واحد يؤيد كلام حضرتك
ارجو ان تدلني على المرجع بخصوصه مع العلم بان الشهور القديمة ليست كما هي الان اي ناقصة شهرين ومنهم كانون الاول
اعتقد يوجد تشويه كثير من المثقفين لجرنا وراء الهة قديمة وابعاد الحقيقة الثابتة والمشهود لها من قبل تلاميذ الرب الذين شاهدوا كل شيء باعينهم وحتى لمسوا جراحه حتى امنوا
ارجوا من المثقفين التدقيق قبل النشر لكي لاننشر اكاذيب على اساس انها الحقيقة
وهذه من الويكيبيدية
كانت الدولة الرومانية تستخدم تقويمًا يتألف من عشرة أشهر، ومنه جاءت تسمية أكثر الأشهر، ثم استخدموا تقويمًا شمسي قمري حيث أن طول السنة فيه 355 يومًا وعدد الأشهر 12 شهرًا وعدد الأيام في الأشهر بين 29 و30، وهذا يوافق السنة القمرية، ثم في السنة التالية لها يضاف شهر طوله 22 أو 23 يومًا على التعاقب فيكون طول السنة الكبيسة 377 أو 378 يومًا !
وكل عام والجميع بخير


5 - الاخ مروان سعيد المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 12 / 26 - 09:50 )
الموضوع كتب عنه الكثيرون وتجد ذلك لدى الباحث القدير فراس السواح في مؤلفاته الكثيرة ..

بالنسبة لي اكتب من وجهة نظر نقدية انثروبولوجية وليس دينية حيث العقائد تتشابه وهي عقائد الفداء والخلاص وديانات الاسرار وهي كامنة في العقل اللاواعي لذا انتشرت المسيحية بسرعة بعد مطابقتها بالافكار الخلاصية السائدة . نحن لانتكلم عن قصة حقيقية بل عن قصة لاهوتية لانه لاتوجد وثائق تاريخية لقصة المسيح في الاناجيل ولا لقصة محمد في القران .
ختاما اتمنى لكم اعياد ميلاد وراس سنة ميلادية سعيدة وكل عام وانتم بالف خير اخي العزيز .


6 - العلم والمعرفه لدى الاقدمين
رافد رامز ( 2015 / 12 / 26 - 23:38 )
في هذا الفلم يمكن ان نجد الاجابه على كيفيه حساب ايام السنه لدى اجدادنا القدماء وكيف لو ان ذلك العلم لم يحارب من قبل قوى الجهل والضلام الى اين كان يمكن للعلم والبشريه ان يصلو ابعد مما نحن فيه الان
Antikythera Mechanism The Two Thousand Year Old Ancient Computer
https://www.youtube.com/watch?v=BoS75-0BRWo
يوجدايضا باللغه الالمانيه
تحياتي


7 - علوم الفلك والفلسفه
رافد رامز ( 2015 / 12 / 27 - 00:20 )
كان القدماء يعطون لعلوم الفلك اهميه خاصه لاعماد حياتهم عليها كثيرا ومن هذا الفلم يمكن ناخذ فكره عما يمكن ان يكون بدايه فكره الموت والصعود الى السماءالتي نشات عنها فلسفه الديانه المسيحيه
Zeitgeist: The Movie (2010)
https://www.youtube.com/watch?v=a36_CwzA0bk
تحياتي


8 - نظره الاديان
رافد رامز ( 2015 / 12 / 27 - 00:28 )
في هذه المحاضرات شرح لفكره الصراع بين النبي يحيى وعيسى من وجهة نظر الدين
-Clive Prince - The Johannite Tradition - Part 1 of 2
https://www.youtube.com/watch?v=38pdhIoZH7M

-Steve Wilson - The Mandaens - Part 1 of 2
https://www.youtube.com/watch?v=cKMJM8wF4SQ

-Lynn Picknett - The Johannite Tradition - Part 1 of 3
https://www.youtube.com/watch?v=_eIz7Go4e5A

افكار ودراسات قد تقول الحقيقه او جزء منها
تحياتي


9 - الاخ رافد رامز المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 12 / 27 - 11:46 )
شكرا على تعليقك على مقالتي للمرة الاولى ..

والشكر موصول لكم للروابط الملحقة بتعليقاتكم الثلاث ..

نتمنى منكم دوام التواصل مع مقالاتنا وتراثنا الرافديني .

اخر الافلام

.. ما مصير المقترح الذي طرحه بايدن لوقف الحرب في غزة؟


.. من محاكمة دونالد ترامب.. إلى محاكمة هانتر بايدن| #أميركا_الي




.. إسرائيل تضع خطة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب تتضمن خلق كيان -بد


.. مدرب اللياقة البدنية محمد فؤاد يكشف أضرار الإفراط لتناول -ا




.. العناق الأخير.. مشهد مأساوي لـ3 أصدقاء قبل أن يبتلعهم السيل