الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الديمقراطية شئ ضروري؟

محمد زكريا توفيق

2015 / 12 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



من ينظر إلى عالمنا العربي اليوم يجد أن الحكم الشمولي هو السائد. فمنصب الرئيس، إما رتبة عسكرية محرمة على المدنيين، وإما كرسي ملك بالوراثة، خارج منطقة التفكير بالنسبة لعامة الشعب. أما الديمقراطية، فهي مولود غير شرعي عليل. يتبرأ منه أهله ويبغي الحكام وأده.

اليوم، النفاق طابع صحافتنا، والفكر المظلم يشوه عقولنا. الأحرار في بلادنا ملعونون إلى يوم الدين، وأصوات الحق ضائعة وسط صراخ الجهل وضوضاء التضليل.

فما تعنيه الديمقراطية بالنسبة لنا الآن، ومدى حاجتنا لها، وسط هذا الجو الأسود الرهيب؟ ماذ تعني وداعش على الأبواب، تزاد قوة وتوحشا يوما بعد يوم؟ وهل الديمقراطية شئ ضروري لنا؟ وما لها وما عليها؟

يتهم أعداء الديمقراطية أنصارها بأنهم مبهورون بمثاليتها الخادعة. لذلك هم لا يرونها على حقيقتها. إنهم يرونها في الصورة التي يريدونها أن تكون، لا الصورة الحقيقية. يرى أعداء الديمقراطية أن السياسة في ظل النظام الديموقراطي ما هي إلا صراع أطماع فقط لا غير.

مسموح فيه باستخدام كل الأساليب القذرة للوصول للحكم والبقاء فيه. فالسياسيون نصابون بالفطرة . أسوأهم الثوار وأدعياء الإصلاح. الذين يخفون خداعهم وراء شعارات زائفة، شأنهم في ذلك شأن رجال الدين. لا يقلون عنهم سوءا. خبراء في تضليل الأبرياء والبسطاء من عامة الناس.

ليس هناك سياسي يفصح عن حقيقة نواياه ومعتقداته، وما ينوي القيام به عندما يتم انتخابه وعندما يتولى السلطة. الديمقراطية تطلب من السياسيين أن يكونوا مخادعين ونصابين وحواة.

الديمقراطية لا ترتقي بالأخلاق، وإنما تساعد على إنهيارها، وتبلغ بها الحضيض. شأنها في ذلك شأن الحكم الشمولي الديكتاتوري والحكم الديني. الفرق فقط في طول المدةالتي تنهار فيها الأخلاق. فالديمقراطية تقضي على الأخلاق ببطء، بينما الحكم الشمولي وحكم رجال الدين يقض عليها بسرعة فائقة.

يقول أعداء الديمقراطية، ومنهما أفلاطون وأرسطو، إنها مبنية على فروض خادعة. لأن عامة الناس، وهي قوام النظام الديموقراطي، تفتقر إلى الحكمة. عامة الناس توصف في أحسن الحالات بالغباء الشديد وعدم الكفاءة.

أليست عامة الناس والدهماء هي التي حكمت قديما على الفيلسوف سقراط بالإعدام، وأتت حديثا بالرئيس الأمريكي بوش الإبن مرتين للحكم، وجاءت بالإخوان ومرسي؟ وسوف تأتي قريبا برجل الأعمال دونالد ترمب، رئيسا للولايات المتحدة في الانتخابات المقبلة؟

عامة الشعب تحكمها العواطف البدائية. فهي تسير خلف أي شئ يتحرك. تلتف حول كل مهرج. تفرقها العصا وتجمعا زمارة. ترتجف من الخوف أمام أية فكرة جديدة. تقدس القديم وتفديه بمالها وعيالها وحياتها.

عامة الشعب لا تريد الحرية أو الديمقراطية. كل ما تريده هو الأمن والغذاء مثل العبيد والجواري والإماء. أو مثل الماشية في أحسن تقدير. هي تناهض دائما الأحرار وكل من يخرج عن الصف بفكرة جديدة أو رأي مختلف. التاريخ ملئ بشهداء البحث عن الحقيقة والفكر الحر بأيدي الغوغاء والعامة من الناس.

رجل الشارع لا يريد الحرية، فهي عبء ثقيل لا يستطيع تحمل تبعاته. رجل الشارع لا يريد المساواة في الحقوق والواجبات. لأن هذه المساواة تعطي المتفوق فرصة لزيادة تفوقه.

التفوق يكون غالبا على حساب الرجل العادي. لذلك يلجأ العامة إلى الاهتمام بالأخلاق، كنوع من التعويض عن فقدان الصدارة. في النظام الديموقراطي، كل قضية تتحول إلى قضية أخلاقية.

التظاهر بالتمس بالأخلاق وحمايتها هو سلاح الضعيف في الهجوم على المتفوقين والمفكرين والفلاسفة والفنانين. ما يحدث للمخرج الموهوب خالد يوسف من تجريس واتهامات حاليا خير دليل على ذلك.

لكن أنصار الديمقراطية، ومنهم الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، يقولون إن الديمقراطية ، بالرغم من عيوبها المعروفة، هي أفضل نظم الحكم التي عرفها الإنسان حتى اليوم.، وأقلها ضررا.

الديمقراطية ليست مجرد طريقة لاختيار الحكومة فقط. إنما هي أسلوب حياة يصلح للأسرة والمدرسة والجامعة والنادي والحزب والدولة. يصلح لكل تجمع إنساني تتعدد فيه الآراء والأفكار، وتختلف فيه المشارب والأمزجة.

الديمقراطية تنمي الأخلاق، ولا تقضي عليها كما يقول خصومها. لأن الأخلاق تتطور مثل باقي الكائنات. هي تتغير باستمرار وفقا للزمان والمكان. من ثم، تكون الديمقراطية هي الوعاء الأسلم، الذي يسمح بإصلاح عيوب الأخلاق والسير بها إلى الأفضل عن طريق كشف عيوبها. لأن الحرية في النظام الديموقراطي، هي حرية الرأي وحرية الفكر.

يضيف الفيلسوف ديوي مدافعا عن الديمقراطية، أنه ليس هناك أحد، مهما أوتي من حكمة أو علم، ومهما بلغ من إخلاص وتفاني، يصلح أن يحكم الناس بدون رضاهم.

جمهورية أفلاطون، لا تصلح لنا اليوم. لأنه لا يوجد هناك شخص يمكن أن نصفه بأنه حكيم زمانه وفريد عصره وأوانه، حتى يمكننا أن نسلم له رقابنا، وندعه يقرر مصيرنا ومستقبل أولادنا بمفرده. بمعنى آخر، لا ولن يوجد حاكم، مهما يبلغ علمه وخبرته وإخلاصه، يمكنه أن يبرر لنا سلطته المطلقة في حكم الناس.

ثم أخبرني بالله عليك، كيف تصل أصوات الفقراء والضعفاء إلى الحاكم، إذا لم يكن هناك نظام ديموقراطي يسمح بذلك؟ النظام الديموقراطي، رغم عيوبه، هو النظام الوحيد الذي يجبر الحاكم على النظر في شكاية المظلوم والعمل على إزالتها.

بغير النظام الديموقراطي، يصبح الأمر مرهونا بمزاج الحاكم وميوله الشخصية. إذا لم يوضع الحاكم تحت الرقابة، وما لم تقيد سلطاته المطلقة، فإنه عاجلا أم آجلا، سوف يفسد بالسلطة، ويصبح ظالما فاسقا. التاريخ مليء بحالات تؤكد هذه المقولة. لأن السلطة فساد، والسلطة المطلقة فساد مطلق.

النظام الديموقراطي يعني أن تكون العصمة في يد الأغلبية، حتى لا تطغى الأقلية على الناس. العامة يجب أن تكبح جماح الخاصة، حتى لا تستغل الخاصة مكانها في الصدارة لمنفعتها الشخصية.

الديمقراطية، هي ثقة. ثقة في النفس وثقة في المجتمع. المساواة في الديمقراطية، ليست تعني مساواة في القدرات، بقدر ما هي مساواة في الفرص المتاحة لكل فرد، لإثبات ما يمكن أن يفعله لنفسه ولمجتمعه.

التعليم الجيد، هو أساس النظام الديموقراطي. لأن التعليم الجيد، هو الذي يغرس بذور الديمقراطية في نفوس التلاميذ. يعلمهم كيف يكونوا ديموقراطيين داخل الفصل وخارجه. يحارب النزعة الدكتاتورية الموروثة داخل عقولهم.

يساعد التعليم الجيد على تقبل الآخر وإعداد القادة الذين يقبلون النقد بصدر رحب. يستمعون للرأي والرأي الآخر. يختلفون مع بعضهم البعض، دون أن يكونوا أعداء ألداء. ثم يأتي بعد ذلك دور الأحزاب، في التدريب على السلوك الديموقراطي وإعداد قادة المستقبل.

فشل الديمقراطية في بلادنا اليوم، سببه فساد التعليم. لن تنجح الديمقراطية في بلادنا قبل إصلاح منظومة التعليم، وقبل تكوين الطبقة المتوسطة التي تم القضاء عليها في زمن مبارك وسيطرة الحزب الوطني.
إذا أرادت هذه الدولة البائسة أن تنهض من سباتها العميق الطويل، الذي استمر أكثر من 1400 سنة، يجب أن تلغي مشيخة الأزهر. يا أخي بناقص. وتقوم بتحويل جامعته إلى جامعة مدنية. الدين يجب أن يدرس مع الفلسفة في كليات أو أقسام الجامعات المدنية.

كما يجب أن تلغى مدارس الأزهر الإبتدائية والإعدادية والثانوية، ومع السلامة. ده كلام فارغ. المدارس الدينية تقسم البلد وتقضي على وحدتها الثقافية وروحها الوطنية. وتعطينا بتوع الإخوان والسلفيين وداعش وأمثالهم من مخلوقات فرانكشتاين التي لا عقل لها ولا قلب أو ضمير أو انتماء وطني.

تعليمنا يجب أن يرجع إلى أسلوب رفاعة الطهطاوي وعلى باشا مبارك وأحمد لطفي السيد وطه حسين. التعليم المؤسس على الفكر الأرسطي. أي يجب أن نرجع إلى الفكر الهيليني الذي يمجد الحق والعدل والعقل والفن والموسيقى والجمال والإنسان والحرية الفردية.

الدين علاقة بين العبد وربه، ولا يحتاج إلى مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء. وهي مؤسسات لم تكن موجودة أصلا أيام الرسول. ووجودها مخالف للسنة. وده كلام من الآخر. التعليم الجيد مع بناء طبقة برجوازية قوية، هما دعامتي النظام الديمقراطي الناجح.

الديمقراطية هي الأمل الباقي لنا. أمل اليوم والغد. حصننا الحصين ضد غدر الزمان وسيطرة العسكر والمرابين ومافيا السياسة. الديمقراطية، هي النظام الوحيد الذي يجعل الولاء للوطن، وليس للجماعة أو للنظام أو للطاغي.

الديمقراطية تجعل الإخلاص فريضة للكل، وليس حكرا على فئة معينة أو دين معين. هي النظام الذي يساهم فيه الكل بقدر صغير أو كبير، ويسمح بظهور قيادات وكفاءات حقيقية تقود إلى التقدم والرفاهية.

الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يسمح بانتقال السلطة سلميا دون إراقة الدماء، ودون تعريض الوطن للخطر والانقسام. فهل الأفضل أن نتنازل عن حريتنا لكي نقاد مثل البعير بالقائد الملهم والفارس المغوار، عبقري زمانه وفريد عصره وأوانه، أم نشترك جميعا في حكم بلادنا وحل مشاكلنا وتخطيط مستقبلنا ومستقبل أولادنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أكثر من رائع
عدلي جندي ( 2015 / 12 / 26 - 08:50 )
المادة بكاملها تتناول تشخيص وعلاج للأزمة
ولكن أختار منها
إذا أرادت هذه الدولة البائسة أن تنهض من سباتها العميق الطويل، الذي استمر أكثر من 1400 سنة، يجب أن تلغي مشيخة الأزهر. يا أخي بناقص. وتقوم بتحويل جامعته إلى جامعة مدنية. الدين يجب أن يدرس مع الفلسفة في كليات أو أقسام الجامعات المدنية.
تحية للفكر الراقي
وكل عام وحضرتك وعائلتكم الكريمة بكل الخير


2 - الاستاذ محمد زكريا توفيق المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 12 / 26 - 09:14 )
ونحن ننتظر قدوم العام الجديد نتمنى لكم تمام العافية ونتمنى ان تمرعلينا دقائق القادم بشكل و تاثيرووقع افضل من التي مرت قبلها.نتمنى ان نتنفس هواء اكثر نقاوة من هواء السابقات.
في جزء منها هو رمي الاثقال على العموم ليتخلص كتف القائد من جرائمه اواخطاءه فيرميها على الغير.انتم من انتخبني او انتم من انتخبتم.
لوكان هناك نص يقول ان على الفائزان ينفذ كل وعوده ويعتبرهذه الوعود اقرارخطي يحاسب عليها لو لم يتمكن من تنفيذها ويعتبرعدم التنفيذ خديعة كبرى اوتحايل يستحق مرتكبه القصاص بحجم الضرر لما تقدم احد ولما نادى بها احد
اما الغبي الدكتاتورفهو طوعاً يضع على ظهره كل الاحمال الى أن ينوء بها فيسقط ويذبح .فهو يطلب ان يقبله العامه كمعلم اول ومهندس اول وقائد جيوش اول واقتصادي اول.فيقبل العامة صاغرين اومكرهين بذلك ويطلب التأييد بالتصفيق فيحصل عليه لذلك تجد ذبحه بعد ان يسقط فيه شناعة.المُنتخب سارق يطلب من الغير ايجاد طريق للخلاص من تبعة سرقاته والدكتاتور سارق علني وتحت التصفيق
بوش الابن قتل من الشعب الامريكي اكثر مما قتلت القاعده وداعش وكل ذلك بتصفيق من الشعب.
شكراً على هذه النافذه المهم فتحها في هذا الوقت


3 - إلى الأستاذ عدلي جندي
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 12 / 26 - 09:29 )
كل عام وحضرتكم وباقي العائلة وإلى كل السادة القراء، أطيب الأماني بالصحة والسعادة بمناسبة الأعياد وقرب حلول العام الجديد. أخي العزيز، الأزهر بوضعه الراهن وكل مؤسساته يعتبر أكبر كارثة مني بها الشعب المصري في تاريخه. الأزهر الآن يعتبر أكبر في سبيل تقدم مصر والنهوض بها إجتماعيا وحضاريا.


4 - إلى شاعرنا الكبير عبد الرضا حمد جاسم
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 12 / 26 - 09:41 )
شكرا أخي العزيز لمرورك الكريم وتعليقك الصادق الأمين. الحقيقة أن مأساة العراق العزيز علينا جمعا تدمي قلوبنا وتؤرق مضاجعنا. وكما تقول أخي العزيز، بوش الإبن قتل من الأمريكان أكثر مما قتلته القاعدة وداعش مجتمعتان وكل ذلك بتصفيق الدهماء من الشعب الأمريكي. لكن ما يحزنني أنه قتل ما يقرب من نصف مليون نفس ذكية من الشعب العراقي البرئ دون ذنب أو جريرة. وعندما أخبروه أنهم لم يجدوا أسلحة الدمار الشامل التي كان يبحث عنها، تظاهر بالعبط وأخذ ينظر تحت مكتبه قائلا بخبل: هية فين، فين؟
كل عام وحضرتكم والعائلة بخير ودمتم بصحة وسعادة.


5 - باقى المقال
هانى شاكر ( 2015 / 12 / 26 - 18:14 )

باقى المقال
________

رجاء استاذنا استكمال مقالكم الرائع بوصف البدائل السودة التى تنتظر مصر ان هى بقيت اسيرة العسكر و الأزهر و الأغبر

تحياتى

......





6 - إلى الأستاذ هاني شاكر
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 12 / 26 - 21:08 )
مرحبا أستاذ هاني وكل عام، انتم والعائلة بخير وبصحة وسعادة. الأزهر يمثل أكبر عقبة في سبيل تقدم الدولة المصرية. وسوف تثبت الأيام صدق هذه المقولة. الأزهر بوضعه الراهن، تعشش فيه ذنابير الوهابية وموبوء بالفكر الداعشي، ولا أستبعد، لو سنحت لهم الفرصة، أن يعلنوا ولاءهم للدولة الداعشية.


7 - Democray by itself is not enough
Mohamed Abu Yaman ( 2015 / 12 / 27 - 23:07 )
Thank you Mr. Tawfeeq for your excellent article. Without secularism (separation of state and religion), strong individual right to freedom and the pursuit of happiness as they see it fit, Democracy is nothing but the rule of the majority. In my opinion, unalienable individual rights and secularism are the foundations on which to build democracy.


8 - إلى الأستاذ محمد أبو يمان
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 12 / 28 - 07:19 )
شكرا أخي العزيز على مرورك وإضافتك القيمة. نعم العلمانية وفصل الدين عن الدولة وحقوق الإنسان هي دعائم أساسية حتى لا تكون الديموقراطية مجرد حكم الأغلبية. شكرا على هذا التوضيح الهام.

اخر الافلام

.. بـريـطانـيا: هـل تـطوى صـفـحـة الـمحـافـظيـن في الـحـكـم؟ •


.. حزب الله يستهدف إسرائيل بـ200 صاروخ.. معلومات عن انكشافه وبل




.. ماذا يجري في كوكب الأرض؟ وأين ذهبت الكهرباء؟ | #منصات


.. القسام: إطلاق صواريخ -سام-7- تجاه طائرات الاحتلال في مدينة غ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - حزب الله يقول إن الجبهة ستبقى مشتع