الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول مسودة قانون اتحاد الأدباءالعراقيين

جاسم العايف

2005 / 11 / 7
المجتمع المدني


طرحت علينا مسودة قانون اتحاد الأدباء العراقيين مع
نظامه الداخلي* ,ولأن ديباجة القوانين أو مقدمتها هي الخلفية الفلسفية والمرجعية والتي يعدها البعض من خبراء القوانين جزءاً منها ، والتي على وفق ضوئها تشرع وتقترح فقرات القانون, أي قانون كان ، وتلعب المستجدات التي تترافق مع رحلة إصدار القانون والضرورات الموضوعية - الاجتماعية العامة دورها في ذلك، ولقد غابت الى حد في ما طرح علينا، تلك المستجدات التي توفر عليها الوضع الاجتماعي – الثقافي العام بعد زلزال 9 /4/2003 وما رافقه من انهيار تام لكل ما هو قائم في دولة القمع البعثي التي تجاوز عمرها ثلاثة عقود, ولم يحاول القانون اسشتراف ذلك الذي حدث واستخلاص ركائز مشتركة للثقافة الوطنية العراقية الديمقراطية ، ولم يقف أمام الحقبة الكارثية البعثية وما خلفته من مآس اجتماعية صنعتها الروح العدوانية للنظام السابق ، وقد انعكست هذه النزعة بهذا الشكل أو ذاك في المضامين الثقافية - الفكرية التي أنتجتها وكرستها المؤسسة الثقافية للسلطة البعثية الفاشية التي أدمنت وروجت لثقافة العنف والوحشية والأستلاب من خلال وحدانية الخطاب الثقافي الآيدلوجي لمؤسسات وزارة ثقافة (الحزب الواحد والقائد) وتمجيد وتكريس النزعة العسكرية العدوانية (للقائد الضرورة) وتأبيد توجهاته في كل المفاصل الحياتية الخاصة والعامة ولقد تجاهل القانون الجديد ومعه النظام الداخلي – وهذا ما يدعو للدهشة حقاً- المغيبين من الأدباء والكتاب والمفكرين طيلة الفترة المنصرمة مضافاً لهم قتلى الحروب من الأدباء الشباب, ولم يطلب أو يدعُ لإنصافهم معنوياً أو مادياً ولم يقترح لأسرهم أية حقوق في عنق الدولة العراقية بهذا الشكل أو ذاك ولم يأخذ على عاتقه تشكيل لجنة او مكتب للاهتمام بذلك حيث يمكن دعوة الفروع في معرفة و تقديم أسماء المغدورين والشهداء والقتلى وتشكيل لجان محلية في الفروع لهذا الغرض تسعى للاتصال بعوائلهم ومعارفهم لمعرفة نتاجاتهم وحجمها وتشكيل صندوق وطني تسهم فيه الدولة والاتحاد ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالثقافة لدعم نشر نتاجاتهم وأرشفة آثارهم الثقافية وجعلها في متناول الذاكرة الثقافية العراقية ، وهذا ابسط ما يمكن تقديمه لهم, ولم يهتم القانون بحرية الإبداع وإطلاق حرية الضمير الإنساني ولم يلزم السلطات أياً كانت بعدم أهليتها ومعها أي مكون اجتماعي او طائفي أو ديني او عرقي أو سياسي في متابعة حرية الأديب والمفكر والمثقف في التفكير والإنتاج الفني والنشر على وفق روح المواطنة الحرة والحرية الإنسانية وروح وقيم الحداثة التي تهب على العالم ولم يضع أي ثوابت قانونية تلزم السلطات في التعامل مع الاتحاد واحترم استقلاليته الفكرية الثقافية والمهنية ، ولقد تجاهل القانون مئات الأدباء العراقيين الذين قذفتهم سنوات الرعب البعثي خارج العراق ، وماقاموا فيه من تاسيس مراكز ثقافية ومؤسسات وتجمعات ، ولم يحاول تأكيد العلاقة معهم ومع تلك المؤسسات بما فيه خدمة الحركة الثقافية في العراق واعتبار الإنتاج الثقافي العراقي في الخارج جزء حيوي في الإنتاج الثقافي العراقي ككل بعيداً عن أطروحة (داخل- خارج) البائرة ، كما تجاهل القانون التجمعات الثقافية التي انبثقت بعد زوال النظام والتي تؤدي دورا ثقافيا وطنيا وتتخذ من المقاهي واماكن اخرى مقرات لها ، وتسهم في نشاطاتها اسماء عراقية معروفة من الكتاب والادباء ولم يحدد طبيعة علاقة الاتحاد معها ، ولم يضع النظام الداخلي أو قانون الاتحاد أية ضوابط ، او ثوابت للترشيح للهيئات الإدارية والمراكز القيادية في الاتحاد، أو في الفروع والتي هي ضرورية جداً في المرحلة الانتقالية الراهنة لأننا لا يمكن أن نتصالح مع الماضي بدون تحصيل الحقوق وتحصيل الاعتذارات مع تحمل المسؤوليات الأدبية والاخلاقية ، اوالقانونية لاولئك الذين وفَروا للنظام الوحشي غطاء ثقافيا لسنوات طويلة في اعمالهم المختلفة والتي لاتزال قابعة في الذاكرة بعهرهها في تمجيد قائد المافيا البعثية ، وتمجيد حروبه التافهة والبعض منهم استدار (مطلقا اللحية مستأسدا) تارة اخرى وعلى منصة الأتحاد بالذات دون حياء او ندم ، فيجلس في مأتم النظام الذي اغدق عليه الامال والألقاب او يسعى لتقديم الاعتذار العلني عن تلك النتاجات المهينة متوجها بأخلاص لذاته وللعراقين0 ولست ممن يدعون للأجتثاث ولا من مروجي فكرته ولكنني ممن يدعو للمصارحة قبل المصالحة وبعد ذلك تقبل الأعذار ولا اعتقد اننا سنسمع الاعتذارات لاننا كما يقول الشاعر عبد الكريم كاصد في سيرك ..؟ والا كيف يمكن ان نبرر ما جرى او ما يجري في العراق الان ؟
لقد سعى القانون في تهميش الاتحادات في المحافظات حينما أطلق على هيئاتها الإدارية تسمية (مجالس) وجعلها تابعة في قراراتها لموافقة المكتب التنفيذي كما جاء في الفقرة 4 المادة 16 والتي أفرغت الفروع من استقلالية القرار، و شخصيتها الأدبية والمعنوية المستقلة وارتهن حتى نشاطاتها الثقافية والاجتماعية والمالية لموافقة المكتب التنفيذي انسجاما مع الصرامة المركزية في السيطرة الأدارية .
لقد احتوى القانون على املاءات لا تنسجم مع الوضع الذي يجب أن تكون عليه منظمة ثقافية ديمقراطية مدنية من خلال مصطلحات وكلمات مثل (توجيه) و (على الأديب) و (الثقافة الرصينة) و (التمتع بسلوك لائق) وبالنسبة للأخيرة, فأن عضوية الاتحاد اشترطت صلاحية الإنتاج الثقافي فقط للعضوية في الاتحاد ولم تطالب بشهادة حسن السلوك المعزز بدلالة الشهود والمخاتير.!!
وقد جاء في أهداف الاتحاد ما يثير الجدل وتعدد وجهات النظر فعلى سبيل المثال (يسعى الاتحاد لنشر التراث العربي(الجديد) !! وكذلك (القديم) فكيف يمكن الجمع بين (التراث) والجديد والقديم !؟ ولقد خص القانون التراث العربي فقط ؟ فكيف يكون لأتحاد و في العراق بالذات والمعروف بتعدد مكوناته وثقافاته ان يخص قانونه التراث العربي فقط ، مع اهميته التي لاجدال فيها قطعا ..؟ وكذلك ثمة في أهداف الاتحاد إلتى ذكرت في القانون (إبراز دور الحضارة العربية) لماذا تم الاكتفاء بالحضارة العربية فقط ؟ - مع التأكيد على اهميتها ثانية - وتم تجاهل الإسلام كمكون أساس في تلك الحضارة ؟ ولماذا تم تجاهل المنجز الحضاري والثقافي الرافديني ؟ وقد أعطى القانون للاتحاد مهمات متعددة جداً إذ ورد في إحدى الفقرات ما يلي (الاهتمام بالحركة الأدبية والثقافية للفئات الاجتماعية والأطياف السياسية) وهذه ليست من مهمات الاتحاد إطلاقا ، كما ليس للاتحاد أي إمكانية مادية وقانونية وتأهيلية في ذلك.
لقد ظهر تعارض واضح في فقرات القانون حيث نصت المادة (6) على أن (المؤتمر العام هو أعلى سلطة ويقوم بانتخاب الهيأة الإدارية العامة وانتخاب رئيس الاتحاد بالاقتراع السري المباشر) وقد أكدت المادة (7) على ذلك بينما نصت المادة (14) على ما يلي: (يتولى رئيس الاتحاد مسؤولياته بعد انتخابه مباشرة من قبل الهيأة الإدارية ويتولى ممارسة الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة له) ففي المادتين( 6 و7 ) يتم أنتخاب الرئيس من قبل الهيأة العامة بالاقتراع السري المباشر وفي المادة( 14) يتم انتخابه من الهيأة الأدارية ، و هذا تعارض واضح جداً ولا يمكن حله إلا بإلغاء المادتين (6) و (7) أو تعديلمها على ما جاء في المادة (14) أو العكس.
ولقد كرس القانون الجديد الصلاحيات الإجرائية والتنفيذية في منصب الآمين العام ، وبذلك حولت رئاسة الاتحاد إلى منصب شرفي فقط جرياً على ما كان عليه القانون القديم الذي شرعه مجلس قيادة الثورة المقبور، لغرض سيطرة الأ مين العام على الاتحاد والذي يجب ان يكون عضواً أو مسؤولاً للمكتب المهني التابع لحزب البعث الفاشي ، وقد تابع القانون الجديد ذلك وسار على خطاه حينما أعطى صلاحيات واسعة للامين العام حيث نصت الفقرة (3) من المادة (15) أولاً بأن للامين العام (حق تعيين من ينوب عنه قانوناً لتولي أعماله عند غيابه) ونعتقد أن هذا الحق يفرغ الاتحاد من مفهوم تولي المناصب بطريقة الانتخاب الديمقراطي ونرى حذف تلك الفقرة واستبدالها بفقرة تنص على انتخاب الأمين العام ونائبه الذي ينوب عنه عند غيابه لاي سبب كان ، ولا يترك الأمر لعلاقات الأمين العام الشخصية او مزاجه الخاص .
ولقد حُددت الدورة الانتخابية بسنتين ، ونأمل أن ينص القانون على ان عضوية الهيأة الإدارية والرئاسة والأمانة والمكتب التنفيذي وهيأت الفروع بدورتين انتخابيتين لا يجوز بعدهما قانوناً الترشيح مرة أخرى لمن تمتع بها ، وذلك لفسح المجال للطاقات الجديدة للعمل وللخدمة العامة خاصة نحن في منظمة ثقافية -ديمقراطية ولعدم تكريس المناصب أو تأبيدها لأشخاص محددين ، دفعا لخلق (اللوبيات) المنتفعة من المناصب العامة. وتمتينا لعلاقات المركز العام بالفروع المنتشرة في المحافظات نرى ضرورة ان ينص القانون على ان يكون رؤساء الفروع اعضاء في الهيأة الأدارية للأتحاد لخلق حالة من التوازن بين الفروع والمركز العام.
ثمة بعض الفقرات التي تميزت بالشفافية والوضوح خاصة في ما يخص إعلان التقارير الإدارية والمالية والثقافية في وسائل الاعلام العلنية قبل عشرة أيام من عقد المؤتمر الانتخابي العام ، لغرض الاطلاع على تلك التقارير والتهيؤ لمناقشتها بحرية ووضوح من قبل المؤتمر الانتخابي العام بإعتباره اعلى سلطة في الاتحاد، و يمكن إضافة شفافية أخرى في انتخاب هيأة مراقبة من قبل المؤتمر، لها الحق في حضور بعض أفرادها اجتماعات الهيأة الإدارية ومراقبة أدائها العام وتقديم تقريرها الى المؤتمر الانتخابي .
اكتفي بهذه الملاحظات وادعو الزملاء خاصة في المحافظات واتحاد أدباء البصرة بالذات لبحث هذا القانون والرد عليه لغرض إجراء التعديلات المناسبة بما ينسجم وطموحنا في الانفلات من السيطرة المركزية التي تسعى لتهميش الأطراف ، من أجل تكريس سيطرة المركز وصرامته والتي بانت في مسودة القانون الجديد والذي لا ينسجم مع طموحاتنا في تأسيس منظمة ثقافية مدنية تنسجم مع القيم المعاصرة التي تسم عالمنا الراهن، والذي نأمل أن يكون وطننا واتحادنا وثقافتنا العراقية - الديمقراطية جزء منه.
*مداخلة القيت في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة في جلسة مكرسة لمناقشة مسودة مشروع قانون الأتحاد الذي ارسل من المركز العام في بغداد وكانت برئاسة الكاتب ، وساهم فيها المحامي طارق البريسم والشاعر كاظم الحجاج وكان مقررالجلسة القاص باسم القطراني ، وقد ساهم بعض اعضاء الهيأة العامة في التعقيب والحوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا


.. طفل يخترق الحكومة التركية ويسرب وثائق وجوازات سفر ملايين الس




.. أمهات الأسرى الإسرائيليين تنظم احتجاجات ضد حكومة نتنياهو في