الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط

طوني سماحة

2015 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في البدء كان هناك آلهة ذكورا وإناثا. كانوا يحرثون الارض وكان عملهم شاقا. وإذ كانوا تعساء اجتمعوا ليتناقشوا في ما يجب عمله. ذهبوا لاستشارة انكي الحكيم والذكي. كان انكي راقدا في بيته السفلي تحت مجاري المياه. اقترح انكي خلق كائنات تقوم بالعمل بدلا عنهم. فرح الآلهة باقتراح انكي الذي أخذ طينا وصنع منه اشكالا. نفخ انكي الحياة في هذه الكائنات لكنه وضع لهم عددا محددا من السنين على نقيض الآلهة الذين كانوا يعيشون للأبد. فرح الآلهة بالناس الذين كانوا يحرثون ويفلحون الارض. وهكذا صار الناس يخدمون الآلهة وكانوا يضعون الطعام على موائدهم. (أسطورة بداية الخليقة بحسب ثقافة بلاد ما بين النهرين، مأخوذة عن موقع (Mesopotamia.co.uk)

كان لكل شعب قديم تفسيره الخاص ببداية الكون وفهمه للآلهة الذين كانوا أسياد الارض. كان إيل رئيس مجمع الآلهة الكنعانيين الذي يضم ما يزيد عن سبعين إلها. كانت عشيرة زوجة لايل وكان بعل ابنه أكثر الآلهة قوة ونفوذا في المجمع. لم يكن الحال في بلاد ما بين النهرين ومصر مختلفا. كان مردوخ المرادف لأيل في مجمع الالهة البابلي، أما أشور فكان رئيس الآلهة الأشوريين. كان كل منهما يترأس مجموعة تعد العشرات وأحيانا المئات من آلهة الحرب والخصب والنور والظلمة والموت، إلخ. لا يختلف آلهة مصر عن أبناء عمومتهم الكنعانيين او البابليين والاشوريين. فعبدوا أمون ورا وأنوبيس وتفنون والعشرات غيرهم. أما سكان بلاد الاغريق والرومان، فاقتبسوا بعض الآلهة من شعوب الشرق الاوسط، وأفاضوا عليهم نفحة إغريقية ومن ثم أضافوا إليهم آلهتهم الخاصة بهم. فكان زوس اليوناني يقابله جوبيتر الروماني. وكان كل منهما رئيس مجمع يتبعه العشرات او المئات من الآلهة التي تتفاوت بالاهمية بحسب عبادة الناس لها واجتياجهم اليها.

قد تكون الميثولوجيا اليونانية من أغنى ميثولوجيات العالم على الاطلاق. فمن الآلهة الى انصاف الآلهة الى حوريات البحر، الى الاقزام والعمالقة الى الكائنات الخيالية المكونة من انصاف البشر و الآلهة و الحيوانات. ومن جبل الاولمب مرتع الآلهة الى أعماق البحار الى الجبال والوديان الى المساكن السفلية او الهادس (الذي يقابله الجحيم في الثقافات الاخرى) الى السماوات والفضاء. ومن الحب والجنس بين الآلهة انفسهم وبين الآلهة والبشر حيث أنتجت هذه العلاقات آلهة أخرى وأنصاف آلهة مثل هركوليس. ومن العشق الى الكراهية والغيرة والانتقام والقتل والولاء. ومن حب السلطة الى حب المال والشهرة والتملك. ومن الخلود الى الموت والمعاناة. ومن الحروب الى تآمرات السياسة وتقلباتها والأحلاف والعداوات والصداقات. ومن الجوع الى العطش وخيبة الامل والالم والحزن والفرح والخوف. كلها أمور طبعت الميثولوجيا اليونانية وأثرتها كيما تترك للإنسانية إرثا لا يستهان به.

ككل الثقافات والديانات الاخرى، تعطينا الميثولوجية اليونانية تفسيرها للبدايات: في البدء كانت الفوضى. ومن رحم الفوضى ولد "إربوس"، المكان المجهول حيث يسكن الموت والليل. كل ما عدا ذلك كان صامتا، فارغا، مظلما ولا بداية له او نهاية. ومن ثم ولد الحب الذي جلب معه النظام، ومن الحب ولد النهار والضوء. أخيرا ولدت غايا أو الأرض.
عاشر إربوس الليل وولد لهما "أثير" الضوء السماوي و"نهار" ضوء النهار. ثم أنجبت "الليل" الموت، القدر، الكآبة، التشاؤم، الاحلام، الكوابيس، و"نمسس" إله الغضب. في الوقت ذاته، أنجبت غايا التي هي الارض أورانوس الذي هو السماء والذي أصبح خليلها الذي يظللها من كل النواحي. عاشر اورانوس غايا وأنتجت هذه العلاقة السيكلوب الثلاثة، أو الوحوش الثلاثة ذوات العين الواحدة والذين كانوا يمثلون الرعد والبرق، ومخلوقات الهيكاتونشورس التي تمتلك الواحدة منها خمسين رأسا ومائة ذراعا قوية، ومخلوقات التيتان الذين كانوا جبابرة اشداء. كان أورانوس والدا فاسدا وزوجا شريرا. حنق أورانوس على مخلوقات الهيكاتونشورس فدفنهم في باطن غايا أي الارض. حنقت غايا على اورانوس، فصنعت منجلا وأمرت أولادها بالقضاء على زوجها. خاف الكل باستثاء كرونوس أصغر التيتان الاثنا عشر.

فاجأ كرونوس أورانوس وهو نائم مع غايا، فخصاه بالمنجل ورمى أعضاءه التناسلية فوق البحر. تحولت هذه الاعضاء الى جبابرة ومخلوقات عجيبة، وآلهة، فكانت إحداها أفروديت سيدة العشق والجمال والشهوة. أصبح كرونوس الإله المطلق السيادة بعد ان سجن أشقاءه السيكلوب والهيكاتونشورس، لكنه لم ينعم بالاستقرار إذ ان والداه تنبأَ أن احد اولاده سوف يستولي على عرشه. تزوج كرونوس من شقيقته ريا. وإذ أراد إبطال مفعول النبؤة، قام بأكل أولاده الخمسة مما أثار حنق زوجته عليه. فعند ميلاد مولوده السادس، قامت ريا بإخفاء ابنها زوس ولفت صخرة بغطاء وأعطتها لكرونوس على أنه ابنه. ابتلع كرونوس الصخرة دون ان يدري انه يبتلع حجرا. في هذه الاثناء، كانت مخلوقات التيتان قد تكاثرت على الارض.

نما زوس على جزيرة كريت واصبح شابا وسيما. تآمر زوس مع ميتيس سيدة الحكمة والمعرفة. قامت ميتيس بصنع شراب سام. في تلك الاثناء، اقنعت ريا كرونوس بان يسمح لزوس بالعودة الى جبل الاولمب، فوافق الوالد وأعطى ابنه منصب ساقي الإله. قدم زوس الشراب السام لكرونوس مما جعله يتقيأ أولاده الخمسة الذين ابتلعهم. شكر الاشقاء زوس وملكوه عليهم.

تآمر الاشقاء الستة للتخلص من الوالد الإله. رد كرونوس بالتحالف مع مخلوقات التيتان الجبارة. أخذ أطلس المبادرة بالحرب ضد الآلهة الصغار الذين بدا التغلب عليهم سهلا. لكن زوس كان ذكيا داهية، فتوجه الى اعماق الارض وحرر السيكلوب والهيكاتونشورس. حارب السيكلوب كرونوس وأمطروا الاعداء بالبروق والرعود. أقام زوس كمينا و استدرج التيتان اليه. فما ان تقدم الاعداء ووقعوا في الكمين حتى أمطرهم الهيكاتونشورس بالصخور العملاقة. ارتعب التيتان إذ ظنوا ان الجبال تتساقط عليهم ففروا تاركين ساحة المعركة، مما سمح لزوس بالانتصار.

وفي النهاية، ازداد شأن العمالقة فشنوا حربا ضد زوس في جبله المقدس. قام العمالقة برص الجبال الواحد فوق الآخر في محاولة للوصول الى اعلى قمم الاولمب. لكن الآلهة كانوا قد أصبحوا أقوياء، فانقضوا على العمالقة بمساعدة هركوليس وقضوا عليهم للأبد وهكذا استقر الحكم في يد زوس والآلهة.

لا تختلف الميثولوجيا الرومانية كثيرا عن شقيقتها الاغريقية، لا بل يصح القول ان الرومان اخذوا معظم تفاصيل ديانتهم من اليونان، فاختلفت الاسماء والتفاصيل لكن الفكر واحد في كلتا الحالتين باستثناء أسطورة رومس وروملس التي اعطت مدينة روما اسمها. تخبرنا الحكاية ان رومس وروملس هما ابنا ريا ومارس (وفي حكايات اخرى هما ابنا هركوليس). يكتب فرجيل في الالياذة ان الطفلين هما حفيدا نوميتور ملك ألبا في وسط ايطاليا. قبل ولادة الطفلين، قام اوميليوس بخلع شقيقه نوميتور عن العرش للاستيلاء عليه. قتل اوميليوس كل ابناء أخيه وأجبر ريا زوجة شقيقه ان تصبح كاهنة للإلهة فيستا حيث كان عليها ان تنذر العفة وان تحرص على بقاء الشعلة المقدسة مشتعلة في الهيكل. أمر أوميليوس أحد جنوده بالقضاء على الطفلين روموس وروملوس. لكن الجندي الذي أخذته الشفقة على التوأم، رمى بهما في أحضان النهر التيبر. قذفهما النهر بمساعدة الاله تيبرنوس قرب جذع شجرة تين. رأتهما ذئبة، فأشفقت عليهما وأرضعتهما. أخيرا، وجدهما راع واعتنى بهما هو وزوجته. أصبح الطفلان رعاة مثل ابيهما وذات يوم تشاجرا مع رعاة الملك أوميليوس. اختطف الرعاة رومس واقتادوه الى عمه الذي لم يعرفه. لكن روملوس قام باستدعاء أصدقائه وبادر بالحرب ضد عمه وقتله. دعا سكان المدينة الشقيقين لتبوء العرش لكنهما رفضا كيما يبنيان مدينتهما الخاصة. اختلف الشقيقان على تحديد موقع المدينة، فلجأ الى السحر. ابتدأ كل منهما ببناء مدينته، لكن رومس كان يسخر من أخيه ويرمي بنفسه على أسوارمدينته مما دفع شقيقه لقتله. وهناك في الموقع الذي قضى فيه رومس تم بناء مدينة روما ودعيت على اسم مؤسسها روملوس.

يزعم بعض الدارسين ان كتبة التوراة استوحوا ديانتهم من الديانات المعاصرة والمجاورة وتأثروابها. قبل الرد على هذا الادعاء، سوف نقوم في المقال القادم بالجولة على آلهة شعوب أخرى كيما نتعرف عليها أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
طوني سماحة ( 2015 / 12 / 29 - 01:26 )
ورد خطأ في المقال ان فرجيل كتب في الالياذة والصحيح انه كتب في الاونيدة وليس الالياذة. لذا يرجى المعذرة


2 - تصحيح
طوني سماحة ( 2015 / 12 / 29 - 01:26 )
ورد خطأ في المقال ان فرجيل كتب في الالياذة والصحيح انه كتب في الاونيدة وليس الالياذة. لذا يرجى المعذرة

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah