الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نستقبل العام الجديد؟

فوزي بن يونس بن حديد

2015 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل نحن مقتنعون فعلا أن العالم قد تغير، نعم لقد تغيّر ولكنه التغير نحو الأسوأ، فنحن مع حلول عام جديد والعالم يموج بتحوّلاته الكبرى على جميع المستويات، ولأن الأخلاق هي قوام الأمم، فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا، بدأنا نعيش حالة من الهيستيريا صعبة الهضم، الهيستيريا التي تجعلنا نحيا باضطراب وتوتر على الدوام، لا خبر مفرح على شاشات التلفاز ولا تفاؤل بشأن مستقبل يبدو غامضا للأجيال، كأن الدهر قد غيّر شكله ولونه كالحرباء ينتظر إشارة الفناء، والناس في غفلة من أمرهم، لم يعد يحزنهم الفزع الأكبر لأنهم قد ألفوا مشاهدته كل يوم.
قبل سنوات كنا نعد القضية الفلسطينية القضية الأم على مستوى الدول العربية شبه الآمنة واليوم وبعد ما سمّي بالربيع العربي الذي أتي علينا برياحه العاتية والقاسية وكأنها رياح عاد، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، صار ما يعرف عندنا بتغيّر المناخ والمزاج معا، ظهرت أشواك لا ندري من زرعها ولأنها تثير الشكوك فقد عمد أبناؤنا إلى تحدي الألم بألم أكبر منه وأكثر إزعاجا، انبهر الشباب بما حدث في تونس من ربيع عربي شكّل نموذجا من الحرية والديمقراطية، ونزع ثياب الاستبداد والظلم والقهر، ولكن سرعان ما كشف القناع ليظهر الوجه الحقيقي من وراء حكاية ألف ليلة وليلة، وظهر شهريار العرب شاهرا سيفه في وجه كل من يتحداه ليعمّق الجراح ويبحث عن شهرزاد في كل مكان، ربطهما حبّ قسري لإنجاب أبناء شداد غلاظ لا يعصون أوامر البغدادي بعد أن كانت أوامر بن لادن أخف وطئا، ولأن البغدادي صديق حميم رغم العداوة التي يبديها، حافظت أمريكا عليه ولم تفعل به مثل ما فعلت بعدوّها الأول في العالم أسامة بن لادن رغم أنه أخطر لأنه يذبح العرب والمسلمين بدعوى تطهير البلاد الإسلامية من المنافقين.
هذه الموجة الشرسة أطلعتنا على حقيقة دامية وهي أن أمريكا دولة المصالح ولا يهمّها الإنسان في المقام الأول بل تهمّها مصلحتها حتى لو مات الشعب العربي كله رغم ما تدّعيه أمام العالم أنها راعية حقوق الإنسان، وتدافع عن الحقوقيين ليس من باب الدفاع عنهم بل بدافع إثارة الاضطراب وزلزلة الدول الأخرى التي لا تراعي حقوق من تدافع عنهم، فأمريكا ليست دولة مثالية، إنها دولة مصلحيّة تبحث عن نفسها في البلاد الأخرى، تدوس على كل القيم والأعراف والعادات والتقاليد من أجل أن تتبنّى نظريّة واحدة، ومن أجل أن تقول للعالم أجمع أنّها الدولة الراعية للإرهاب.
فالذي يجري في فلسطين دليل قويّ وبرهان جليّ على بشاعة انتهاك حقوق الإنسان، فهي لم تدافع عن حقوق الفلسطينيين ولو مرّة واحدة بل كانت تقف حجرة عثرة في وجه كل محاولة لإدانة إسرائيل ولو بالقول، مستخدمة الفيتو الذي لا شرعيّة قانونية له أمام الزحف العالمي نحو منح الفلسطينيين حقوقهم، هي الدولة الوحيدة التي تستعمل الفيتو ضد أي قرار أممي لإدانة مرتكبي الجرائم في إسرائيل بل إنّ فعلها ذاك يمنح الصهاينة لارتكاب أبشع الجرائم في حق شعب أعزل يريد الحياة فقط لاشيء غير ذلك، كيف تسمح إسرائيل لنفسها وتجيز أن تقتل رجلا أو امرأة أو طفلا أو شابا أو طالبة بمجرد أن يشك فيه أو فيها جندي أنه سيطعنه فيوجه إليه أو إليها رشاشه ليشبعه أو يشبعها رصاصا في كل أنحاء جسمه أو جسمها، وأين أمريكا من كل هذا هل عمت أو أصابها العمه على بشاعة قتل وحرق الإنسان أمام مرأى العالم في بورما وفي الصين وفي بلدان عدة، لأن المسلمين يذبحون فلا بأس، ولأن العرب يتقاتلون فلا بأس.
فالعرب عموما لم يفقهوا طعم الديمقراطية والحضارة الإنسانية وإلا لما تقاتلوا لأسباب تافهة، لم يستمعوا لصوت الحكمة والعقل، لأن الحرب في النهاية مدمّرة لكل الأطراف، وخسارة في كل الجوانب، ومفزعة آثارُها على المديين القريب والبعيد، ولذلك جاءت دعوة الإسلام المسلمين إلى السّلم بدل الحرب وتصوير المسلمين وكأنها يلهثون وراءها ويرغبون في إذلال الآخر، ألم يقرؤوا قوله تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها"؟ ألم يتدبروا قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا ادخلو في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين"؟ ألم يفقهوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".
حرام على المسلم أن يعتدي على مسلم مهما كان السبب ومهما كانت المؤثّرات، إنها خطوات الشيطان اللعينة، هي التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من ويلات الحروب والدمار أفظع من الظلم والقهر والاستبداد، وإن كان كلاهما مرّ، غير أن الأخفّ ضررا يمكن أن يتعايش معه الناس بسلام، إذا كانت المصادمة ستجلب الضُّرّ لأكبر عدد ممكن من الناس بكافة أطيافهم، فهلا أدرك المسلمون ذلك وتصرفوا بحكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_