الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجارة الفتاوى والنظريات العلمية

سليمان الخليلي

2015 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قرأت مؤخرا تغريدة منسوبة للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ((نحن نعيش في عصر، أصبحت الفتاوى أكثر من النظريات العلمية!!))، ولا أعلم حقا اذا كانت هذه المقولة لحسنين هيكل أم لا، أو الحساب التويتري الذي غرد بها حسابه الخاص أو لا لكثرة الحسابات المعنونة باسمه، عموما، سواء كانت المقولة له أم لا تخصه، فهي مقولة مهمة للغاية وخطيرة وعميقة في ذات الوقت تستحق الوقوف عندها ودراستها بتمعن.

بالفعل، عصرنا الحالي بمجتمعاتنا العربية والاسلامية أصبح يهتم بالفتاوى أكثر بكثير من النظريات العلمية، فتنهال علينا كالمطر، فمنها الغث ومنها السمين، وفيه ما يصلح للمجتمع وكثيرُه ما (يهلكُ) المجتمع، حيث أصبحت الفتاوى كالتجارة الرائجة فكثر المتاجرون بها، وأزداد أعداد رجال الفتاوى، فهم يجولون في كل الميادين لأنهم أصحاب البركات والمكرمات،  وبفضلهم لم نعد بحاجة إلى نظريات علمية تسهم في تطوير حياتنا، فلديهم كل ما يبحث عنه المسلم، فلا حاجة إلى التجارب الطبية ومنجزات العلم، فهم يدعون أنهم يملكون كل أدوات العلاج الشرعي والرقى والأدعية المباركة . فلا حاجة للبحوث في   الفيزياء  والكيمياء فلديهم المكرمات والقدرات المقدسة، ولا نظريات تطبيقية يكتفون بتفاسيرهم من الأعاجيز العلمية للقرآن، ولسنا بحاجة إلى نظريات إقتصادية ولا إجتماعية، فهم يملكون مفاتيح الحلول لكل الأمور.

أنهم كالابطال المغاوير، يحتاجهم المجتمع للوصول إلى برالامان، بل اصبحوا من فئة (المشاهير) تنهال عليهم الملايين من تجارة الفتاوى، إحتلوا مواقعا هامة في التلفزيون، الذي  كانوا يعتبروه شيطانا من شياطين إبليس ينجس البيت بالدناءة، وبذلك أصبحوا نجوم كبار  في صناعة  (showbiz)لديهم برامجهم التلفزيونية الخاصة، ولزيادة أرباح تجارتهم الرائجة، دخلوا وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتبروها من وسائل الانحلال الخُلقي للمجتمعات لخدمة أهدافهم، والامر المؤسف يزداد عدد المتابعُين لهم بهذه الوسائل  حتى وصل الملايين من العقول التي تبحث عن تفاهتهم، وفي نهاية كل دعاء يشتمون أولئك الكفار الذين لا فائدة لهم في الحياة غير البحث عن غرائزهم الحيوانية البعيدة عن طاعة الله، ناسين او متناسين بأن الادوات والوسائل التي يستخدمونها  في تجارتهم من اختراع وابتكار هؤلاءالذين يصفونهم  بــ(الكفار) حسب تعبيرهم.

بكل أسف، صارت صناعة الفتاوى حرفة تجارية لمن لا صنعة له، يتُلاعب بها كقطعة نردٍ في ساحة مبارزة حيث يتنافس فيها أصحابها بفتاوى حمقاء تظهر بأننا وصلنا إلى مرحلة منزلقة من (التفاهة) الدينية تقاد فيها مجتمعاتنا بسبب هولاء، كفتوى إرضاع الكبير، وجماع الزوجة الميتة حديثا، وغيرها من الفتاوى التي لا تحمل من المنطق شيئا، وأيضا إطلاق فتاوى من أجل مصالح خاصة، والفتاوى التي يستغلها (الحكام والحكومات) في السيطرة على الشعوب من وجهة نظرة دينية.

المشكلة المريرة جدا من وراء تجارة الفتاوى، مزيد من التخلف لمجتمعاتنا، حيث لم يعد يهتم المسلم للبحث عن النظريات العلمية الحديثة التي تسهم في تحسين حياتنا والمشاركة في  تنمية الحضارة البشرية بقدر بحثه عن فتاوى "لا تسمن ولا تغني عن جوع" لكل أمور الحياة، إن ما يفعله تجار الفتاوى هو مجرد تدمير للمجتمع بفتاوى بعيدة كل البعد عن (الدين) حيث يصيغونها صياغة دينية تتناسب مع رغباتهم ومصالحهم من خلال استغلال عاطفة الناس، فمثلا، لماذا لا يتم الفتوى لــ(فعل الخير) في إنشاء المراكز  العلمية والفكرية والمكتبات ودور النشر والبحوث وليس فقط فعل الخير الوحيد هو بناء المساجد والمراكز الدينية، في حين لو نصح ذلك (فاعل الخير )بناء بنفس التكلفة مركز علمي أو مكتبة أو مركز اجتماعي للمجتمع لرُفض لأنه يفعل الخير ولا يريد رمي أمواله هباء منثورا، بل يريد بناء بيت له في الجنة لان الفتاوى تحض على ذلك.

لو نظرنا إلى العصر الذهبي للحضارة الاسلامية لوجدنا مثالاً قويا يجب الإستفادة منه، فقد فُتح المجال أنذاك للتجارب العلمية والتبادل الفكري والحضاري بدلاً من الجري وراء أصحاب الفتاوى والخرافات وأستغلال الدين للمصالح الخاصة، حينها أسهمت الحضارة الاسلامية بدور مهم وفعال في التاريخ البشري، ورفدته بالعلوم والمعارف،  في عصرنا الحالي...أين هم العلماء الحقيقون!!؟؟، الذين يبحثون في النظريات والتطبيقات العلمية والاكتشافات والاختراعات،  أين علماء العرب والمسلمين!!؟؟، الذين بهروا الغرب ففتح لهم الاحضان ووفروا لهم الفرص والإمكانيات، وأين هم علماؤنا!!؟؟، الذين يخرجونا من النفق الاسود الذي نعيشه، أين محاضراتهم وندواتهم في المراكز العلمية والتعليمية؟، وأين برامجهم المنتشرة في القنوات التلفزيونية كــ( سؤال أهل العلم)، (وفي رحاب العلوم)، و(من وحي الإبتكار)، و(نظريات علمية لحياتنا) وغيرها.

لقد مللنا من المتاجرين بالدين، والمتلاعبين بالعقول، فالإسلام دين اليسر والوضوح يدعو إلى  العلم والتعلم واستخدام العقل ولسنا بحاجة إلى هؤلاء ليفسروا ويفتوا على أهوائهم، لا نريد أن ننقاد وراءهم في تجارتهم وننسى الهدف الأسمى وهو السعي نحو التنوير والعلم وعصر الاكتشافات والإختراعات والابتكارات، فتجارة الفتاوى ليست إلا هلاكاً للمجتمع لا ينجو منها أحد بل تُنذرنا بمستقبلٍ أسودٍ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ


.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها




.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال


.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة




.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا