الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلامُ هو الإرهاب - حُكم تارك الصّلاة على المذهب المالكي

مالك بارودي

2015 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإسلامُ هو الإرهاب - حُكم تارك الصّلاة على المذهب المالكي

أمور كثيرة لا يعرفها معظمُ المسلمين عن الإسلام، لأسباب عديدة لعلّ أهمّها أنّ هؤلاء أخذوا دينهم بالوراثة ودون بحثٍ أو قراءة في تعاليمه ممّا جعلهم مجرّد "مسلمين بالإسم فقط"، يردّدون ما تمّ حشوه في أدمغتهم وما بُرمجوا عليه ويكتفون بذلك دون زيادة. وقد لاحظتُ من خلال تجربتي البسيطة ومن خلال الحوارات على مواقع التّواصل الإجتماعي أنّ أعدادا كبيرة من المسلمين العاديّين لديهم صورة خياليّة رسموها للإسلام في مخيّلاتهم، صورة مركّبة إلتحم فيها الواقعي المعيش مع الكثير من الخرافات وتجاورت فيها أكاذيب من يزعمون أنّ الإسلام "دينُ رحمة وتسامح ويُسْرٍ" مع أمنيات وأحلام المسلمين خاصّة في السّنوات الأخيرة التي كثُر فيها الإرهابُ الإسلامي والعنفُ بإسم الله والقتل والسّبي وأشياء أخرى كثيرة؛ فالمسلمُ العاديّ (أو "المعتدل"، كما يُقالُ اليوم) الذي وجد نفسهُ في مواجهة كلّ هذا الإجرام والإرهاب الذي يتركّزُ أصحابه على الإسلام ويستشهدُون بالقرآن والسّنّة والسّيرة والفقه الإسلامي، يتمنّى في قرارة نفسه أن يكون ما يُقالُ لهُ وما يراهُ من أحداث خاطئا أو مجرّد تمثيليّة... وقد وجد هذا المسلمُ نفسهُ في نفس الوقتِ مُجبرًا على إيجادِ حلٍّ يُحاولُ من خلاله إنقاذ الصّورة الوهميّة التي في دماغه عن الإسلام، فإخترع، بمباركة من الشّيوخ الذين يعملون بمبدأ التّقيّة الإسلاميّة الحلال، بعض الأكاذيب التي سرعان ما صدّقها، خاصّة أنّهُ جاهلٌ بخبايا وخفايا دينه وكلّ ما يعرفه منه لم يقرأه في الكتب وإنّما إكتفى بأخذه عن الشّيوخ الذين يعملُون في معظمِ الحالات كـ"مصفاة" أو "فيلتر"، يتّكئ عليهم المسلمُ العاديّ ربحًا للوقت الذي قد يضيّعه في البحث عن المعلومة بنفسه، هذا إذا لم يكن مقتنعًا إقتناعًا تامّا بأنّهُ غير مؤهّلٍ أصلًا للبحث بنفسه عن المعلومة وبأنّ هؤلاء الشّيوخ هم "أهل العلم" والمصدر الذي يجبُ أن يأخُذ منه "حقيقة الإسلام". ومن تلك الأكاذيب الرّائجة والتي يعتمدُ عليها المسلم العاديّ ولا يملّ من تكرارها كلّما حدثت كارثة بسبب الإرهاب الإسلامي: "هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام"، "هؤلاء لم يفهموا الإسلام كما يجب"، "هؤلاء خوارج جهلة كلّ هدفهم تشويه الإسلام" "الإرهاب ليس له دين"، إلخ... والقائمة طويلة جدّا، لا يمكنُ حصرها، لكنّها تُركّز على شيء واحدٍ: تبرئة الإسلام من الإرهاب. وهنا تكمن المهزلة الكُبرى: فالمسلم العاديّ يبرّئ الإسلام من الإرهاب ولكنّه في حقيقة الأمر لا يعرفُ شيئا عن الإسلام ولم يقرأ ولم يفهم منه شيئا.

وبما أنّي أعيشُ في تونس، فقد وجدتُ "ألحانًا" مختلفة يغنّي على إيقاعها المسلمون التّونسيّون نشيد "تبرئة الإسلام" قائلين: "تونس تتبع المذهب المالكي وهو مذهبٌ متسامحٌ ولا علاقة له بالإرهاب"، "تونس أرضُ جامع الزّيتونة، ليست بلاد إرهاب"، "البلادُ التي أنجبت محمّد الطّاهر بن عاشور بلادُ تسامح وإسلامٍ معتدل". وسبب تركيز التّونسيّين على المذهب المالكي يكمن في العدد الهائل من الإرهابيّين التّونسيّين الذين إلتحقوا بمختلف جبهات الإرهاب الإسلامي من العراق وسوريا إلى ليبيا الشّيء الذي جعل تونس تحتلّ المرتبة الأولى عالميّا في تصدير الإرهابيّين، متفوّقة بذلك على المملكة العربيّة السّعوديّة، الرّاعي الأوّل والتّاريخي للإرهاب منذ زمن محمّد بن آمنة. ولعلّ التّونسيّين بذلك يحاولون تبرئة الإسلام وتونس معًا، وبضربة واحدة، من الإرهاب... لكنّها، للأسف، محاولات فاشلة لا تصمُد أمام العقل الباحث في بُطون الكتب، خاصّة أنّها محاولاتٌ لا مرجعيّة ولا مراجع لها. فلا تونس بريئة من الإرهابيّين التّونسيّين (وهم تونسيّون بحكم المولد والجنسيّة، ولا أحد يستطيعُ إنكار ذلك) ولا المذهب المالكي بريء من الإرهاب الإسلامي (وهذا ما سنبيّنُ بعض جوانبه في بقيّة المقال) ولا جامعُ الزّيتونة كما يتخيّلون ولا محمّد الطّاهر بن عاشور بعيدٌ عن تفسير داعش للإسلام.

وقد نشرتُ منذ سنتين مقالًا في فضح الإرهاب الذي في تفسير "التّحرير والتّنوير" للطّاهر بن عاشور عنوانه "خرافة الإسلام التّونسي الزّيتوني الوسطي: الطّاهر بن عاشور أنموذجا". وسأخصّص هذا المقال، اليوم، لجزء من كتاب "الوافي في الفقه المالكي بالأدلّة" لصاحبه أحمد بوساق، يتعلّقُ أساسًا بحُكم تارك الصّلاة في المذهب المالكي وبعض المذاهب الأخرى، لثلاثة أسباب: أوّلًا، قيامُ إرهابيّي الدّولة الإسلاميّة "داعش" بتطبيق هذا الحكم في بعض ضحاياها في العراق وسوريا منذ فترة... ثانيا، إستنكارُ بعض المدافعين عن الإسلام، في حواراتي معهم، لما فعلهُ إرهابيّو "داعش" وإنكارُهم أن يكون هذا الحكم حُكمًا إسلاميّا مستندًا إلى آياتٍ أو أحاديث صحيحة، ومن بين هؤلاء المدافعين مسلمون تونسيّون... ثالثا، تبيين أنّ الدّين الذي يأمرُ أتباعه بقتُلُ إنسان لأنّهُ ترك الصّلاة (التي هي مسألة شخصيّة ومن المفروض أنّها علاقة خاصّة بين المصلّي وربّه) هو دينٌ إرهابيٌّ مائة بالمائة، لا تساوي فيه حياةُ الإنسان شيئا.

في هذا الكتاب فصلٌ يتحدّثُ فيه الكاتب عن "حُكم تارك الصّلاة" على المذهب المالكي، يقول فيه:
"يرى المالكيّة أنّ تارك الصّلاة إختيارًا بلا عُذْرٍ دُون إنكارٍ لها يُقْتَلُ حَدًّا لا كُفرًا؛ أي يُعاقب كعقوبة الحدود الأخرى، ودليلهم على عدم تكفير تارك الصّلاة قوله تعالى: «إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النّساء، 48)، وأحاديث كثيرة منها: حديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خمسُ صلوات كتبهُنّ الله تبارك وتعالى على العباد، من أتى بهنّ لم يُضيّع منهنّ شيئا إستخفافا بحقّهنّ كان له عند الله تبارك وتعالى عهدٌ أن يُدخله الجنّة، ومن لم يأتِ بهنّ فليس له عند الله عهدٌ إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له».
"وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أوّل ما يُحاسبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلُحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن إنتقص من فريضته شيء، قال الرّبّ عزّ وجلّ: أنظروا هل لعبدي من تطوّع، فيُكمّلَ بها ما إنتقص من الفريضة ثمّ يكون سائرُ عمله على ذلك».
"وقال الحنفيّة: تارك الصّلاة تكاسُلًا فاسقٌ يُحبسُ ويُضربُ ضربا شديدًا حتّى يسيل منه الدّمُ إلى أن يُصلّي ويتوب أو يموت في السّجن، ولا يُقتلُ عندهم لا حدّا ولا كفرا، وإستدلّوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهدُ أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاثٍ: الثّيّبُ الزّاني والنّفسُ بالنّفسِ والتّاركُ لدينه المفارقُ للجماعة».
"أمّا الإمامُ أحمد فقد خالف الجمهور وقال: يُقتلُ تاركُ الصّلاة كُفرًا، وإستدلّ بقوله تعالى: «فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيثُ وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ الله غفور رحيم» (التّوبة، 5)؛ فمن ترك الصّلاة لم يأتِ بشرط التّخلية فيبقى على إباحة القتل، فلا يُخلّى من لم يُقِم الصّلاة، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر تركُ الصّلاة»؛ فهو يدلّ على أنّ ترك الصّلاة من موجبات الكُفر.
"ومِثْلُه حديثُ بُرَيْدَةَ عن أبيه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصّلاةُ فمن تركها فقد كفر».
"وهذه الأحاديثُ ونحوها مؤوّلة عند المالكيّة بجحوده لها، كما نُقِلَ القول بكُفره عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وقد ذهبَ مذهبَ الحنابلة في القول بكُفْرِ تارك الصّلاة إبن حبيب من المالكيّة." (أ.د أحمد بوساق، الوافي في الفقه المالكي بالأدلّة، دار الحديث، القاهرة، 2009، ص 121-123)

إذن، تارك الصّلاة إختيارًا بلا عُذْرٍ دُون إنكارٍ لها، كما يقول الكاتب، يُقتلُ كُفرًا، عند الحنابلة؛ ويُحبسُ ويُضربُ ضربًا شديدًا حتّى يسيل منه الدّمُ إلى أن يُصلّي ويتوب أو يموت في السّجن، عند الحنفيّة؛ ويُقْتَلُ حَدًّا لا كُفرًا، عند المالكيّة. ثلاثة مذاهب تحكم على من ترك الصّلاة، دون أن يُنكرها كفريضة وركن من أركان الإسلام، بالموت. وحتّى في مذهب أبي حنيفة، الذي قد يرى فيه البعضُ شيئا من اللّيونة، يُضربُ تارك الصّلاة ضربًا شديدًا حتّى يسيل منه الدّمُ، فإمّا أن يعود للصّلاة أو يموت في السّجن. يعني: الموت من تحصيل الحاصل، كما يُقال. أمّا الحنابلة فيقتلونه كُفرًا، أي يُكفّرُ ثمّ يُقتل... وأمّا المالكيّة فيقتلونه تطبيقًا للحدِّ دون تكفيره.

ويضيف الكاتب بعد ذلك في مسألة "تأخير قتل تارك الصّلاة" قائلا:
"يرى المالكيّة أنّ تارك الصّلاة بلا عذرٍ يؤخّرُ وجوبا بعد الرّفع إلى الحاكم قدرَ ما يسعُ ركعة واحدة قبل خروج الوقت الضّروري إذا كانت الصّلاةُ التي إمتنع عنها فرضًا واحدا، فإن كانتا مشتركتين أُخِّرَ قدر ما يسع خمس ركعاتٍ حضرًا وثلاث سفرًا في الظّهرين، وقدر أربع ركعات حضرًا وسفرًا في العشاءين، فإن أصرّ على الإمتناع بعد إضافة قَدْرِ طُهْرٍ خفيف قُتِلَ بالسّيف حدًّا لا كُفرًا، فيُغسّلُ ويُكفّنُ ويُصلّى عليه ويُدفنُ في مقابر المسلمين، وقال أشهب: لا يُقتلُ إلّا بعد خروج وقت الصّلاة صَوْنًا للدِّماء، والمشهورُ ما تقدّمَ." (نفس المرجع، ص 123)

ولا أدري بماذا ينفعُ تكفيرُ أو عدمُ تكفير تارك الصّلاة، مادام هو في كلتا الحالتين سيتمّ قتلُه؟ وهل هناك نفعٌ أصلًا من كون جسده سيُغسّلُ ويُكفّنُ ويُصلّى عليه ويُدفنُ في مقابر المسلمين أم لا؟ أسئلة جانبيّة أتركها لذوي العقول.

ثمّ في مسألة "حكم المنكر لوجوب الصّلاة" نقرأ:
"لا خلافَ في أنّ من أنكر وُجوب الصّلاة أو أنكرَ معلومًا من الدّين بالضّرورة أنّهُ كافرٌ يُستتابُ ثلاثة أيّامٍ، فإن تابَ تُرِكَ، وإلّا قُتِلَ كُفْرًا، ومالُهُ فَيْءٌ لبيت مال المسلمين". (نفس المرجع، ص 123)

إذن، فهناك إجماعٌ في المذهب المالكي على أنّ من يُنكرُ وُجوب الصّلاة أو يُنكرُ معلومًا من الدّين بالضّرورة كافرٌ يُعطى مهلة ثلاثة أيّامٍ للتّوبة، فإن تاب تُرِكَ وإلَّا قُتِلَ كُفرًا، أي يُكفّرُ ويُقتلُ ويتمُّ إلحاق أمواله ببيت مال المسلمين.

-----------------
الهوامش:
1.. مقال "خرافة الإسلام التّونسي الزّيتوني الوسطي: الطّاهر بن عاشور أنموذجا":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=402761
2.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
3.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه طيبه
احمد ( 2015 / 12 / 31 - 08:35 )
دائما جزيل الشكر عزيزي الكاتب المحترم على هذه المقالات الرائعه
ولك مني صوت عالي يقول الاسلام هو الارهاب منذ اليوم الاول لانبثاقه


2 - دين الله بريئ من هؤلائي الفقهاء السفهاء
إبراهيم بوليفة ( 2016 / 1 / 1 - 10:29 )
ياأخي الفاضل أنت ذكرت أراء أناس و فقهاء لا يفقهون شياء و ألصقتها عنوة و زورا بدين الله وأقول لك أن كل هذه الفقه الساقط لا علاقة له البة بالدين لله الذي أقر في كتابه الكريم صراحة وقالها علانا لا إكراه في الدين و قال أيضا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر و قال كذلك أفتكره ناس حتى يكون مؤمنين و الأيات كثيرات لا يسع المجال لذكرها والتي تقر أن لا سلطة لأحد أن يكره غيره في دين الله


3 - لماذا الصلاة
عابر سبيل 100 ( 2016 / 1 / 1 - 11:39 )
اعتقد ان صلعم طلبهم بخمس صلوات وفي المسجد لاغراض منها

عمل طابور عسكري خمس مرات يوميا وذلك لبقائهم في استعداد دائم للقتال

المقصود ان تكون الصلاة بالمسجد ولذلك وجب الوضوء حيث يجتمع جمهور من الناس بنفس المكان

ويجب الابقاء عليه نظيفا وتقليل الروائح ما امكن

وبقية الصلاة والوضوء مطابقة لصلاة اليهود ووضوئهم وليس له في ذلك اي فضل


وكل عام والجميع بخير

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah