الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد النفسية والاجتماعية لظاهرة الزحام.

محمد عزيز

2016 / 1 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرا ما نتساءل عن سر اللانظام الذي تعرفه عقولنا، فترانا نجهل في أحيان كثيرة وجهتنا، نضل طريقنا وتختلط الأفكار في دواخلنا. غالبا ما لا يستقيم خط سيرنا مع وجهتنا ومقصدنا، نتعرج يمينا ويسارا، نقف لنسأل عن ثمن بضاعة ما دون نية مسبقة لاقتنائها، نقتني أشياء لا حاجة لنا بها، نعبر الشوارع في غير الأماكن المخصصة لذلك...أسئلة تجد لها إجابات في الفوضى والعبثية التي تعرفها مجالاتنا. جولة قصيرة في شوارعنا ومحاور تسوقنا تجعل كل شيء بداخلك يختلط. صياح هنا وهناك: بائع الموز بالقرب من بائع الملابس الداخلية للنساء، وبالقرب منه بائع الحلوى والجوارب والحلزون وهلم جرا...ضيق في الأرصفة بسبب احتلال المقاهي والباعة المتجولين لها، وسائل نقل مكتظة، اصطدام وحالات من الخبط والتخبط... خلطة تجعل الذهن غارقا في الفوضى واللانظام وبالتالي جل ممارساتنا تطبعها العبثية واللامنطق.
ولكي تتموقع العلوم الإنسانية والسوسيولوجيا على وجه الخصوص وتسمع صوتها في المحيط العلمي لابد وأن تواكب وتغطي كل الظواهر التي تعرفها المجتمعات الإنسانية. ومن الظواهر التي يجب أن تأخذ حيزا هاما من الاهتمام ظاهرة "الزحام".
ظاهرة حضرية بامتياز برزت مع ما نعرفه اليوم من مشاكل ناجمة عن التغير الاجتماعي والاقتصادي والذي يجعل منها مشكلة تستحق البحث والتقصي وكشف مختلف العوامل الكامنة والمؤثرة وراءها.
لكن الملاحظ هو قلة ومحدودية الدراسات التي تناولت هذا الموضوع رغم أهميته ومساهمته في بروز مجموعة من الظواهر السلبية والضارة بالفرد والمجتمع.
لذلك فالحاجة اليوم ملحة للوقوف على الأبعاد الاجتماعية لمشكلة الزحام ورصد أسبابه وانعكاساته على الأفراد والمجتمع.
يحيل الزحام الى قصور فضاء أو مجال ما عن استيعاب عدد البشر الموجودين فيه، وبذلك يمكن أن يوجد في كل مكان: الشارع، البيت، المدرسة، الجامعة، السجن، الملعب...ويكون دائما مظهرا من مظاهر اختلال الوظيفة التي يؤديها أي مرفق أو مؤسسة.
قد يضع الزحام الفرد أمام شبكة من التفاعلات الاجتماعية تزيد من خبرته وتجعله في مواقف احتكاك مكثف مع الآخر. تجربة وان كانت مفيدة فان لها تبعات سلبية خصوصا في المجتمعات التي لا تهتم بتأطير الأفراد وتنظيمهم من خلال تنشئة اجتماعية يراعى فيها اعداد الفرد لمواقف الحياة المتنوعة.
فالزحام من أعقد المشكلات التي تواجه البيئة الاجتماعية وذلك لما تكتنفه من أخطار وانعكاسات نفسية واجتماعية. فهو يؤثر في العلاقات الاجتماعية من خلال هدم روابط الألفة والود والاحترام ومظاهر السخط والغضب والصراع التي تعيشها مجتمعاتنا أصدق تعبير على ذلك. مظاهر تنعكس بالضرورة على نفسية الأفراد فتسود حالات التوثر والاحساس بالخوف والاكتئاب وتتفشى الجريمة والسرقة والنشل والتحرشات والميولات الجنسية المنحرفة (كما يحدث في حافلات النقل العمومي)، وتغيب قيم التسامح والاعتذار وتضيع الخصوصية والحميمية في ظل غياب/تغييب الحملات التوعوية والتحسيسية وبرامج التأهيل والتأطير.
ان الحرمان من مناخ اجتماعي سليم يعيق قوة الأفراد ويجعلنا نعيش حالة/حالات من التخبط والضياع. هو دور الدولة في تأمين وتوفير المناخ الملائم عبر سن سياسات عمومية تحد من تمركز الأسواق والمؤسسات والمرافق العمومية ووضع خطط مرورية محكمة تحل مشاكل المرور أو تقلصها مع تسهيل حركة المشاة من خلال محاربة احتلال الملك العمومي من طرف الباعة والمقاهي، وتوفير وسائل النقل العمومي التي تراعي وتحترم وتضمن كرامة الانسان وتحفز المواطنين وتشجعهم على استعمالها.
اليوم نحن أمام رهان وتحد حقيقين سيجنباننا تحضرا متخلفا رثا، فمع ازدياد الطلب على المدينة صار لزاما الاستجابة والوفاء بالاحتياجات بتوفير الظروف الملائمة من خلال تهييئ مقومات الحياة الكريمة من خدمات اجتماعية كالسكن والمؤسسات العمومية والمواصلات لضمان مناخ سليم اجتماعيا ونفسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام