الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في حالة الطوارئ

نعيم حيماد

2016 / 1 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي


يعد التساؤل حول التعليم في حالة الطوارئ مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للنشء. فمعلوم أن للتعليم دورا في البناء النفسي و الاجتماعي و المعرفي للشخصية، و هي جوانب أساسية في نمو الطفل. ففي الحالات الاعتيادية، يتدخل التعليم لتنمية القدرات المعرفية و خلق التوازن النفسي و الدمج الاجتماعي. لكن الظروف الطبيعية و الاجتماعية لا تكون دائما مواتية لتعليم جيد. و في معظم البلدان لا يتم الاستعداد للتعليم في حالة الكوارث، بدعوى أن إنقاذ الأرواح و سلامة الأبدان هما هدفا التحرك الانساني. و لكن ماذا بعد إنقاذ الروح و ضمان سلامة الجسد؟ كيف نتدبر أمر التعليم في أثناء الأزمة أو الكارثة؟ لماذا علينا أن نعلم أطفالنا حينما تحل بنا أزمة أو كارثة؟ لماذا لا ننتظر حتى نتعافى من آثار الكوارث لنعلم الأطفال؟ ماذا سيحصل إذا نحن أهملنا التعليم في مثل هذه الأوضاغ؟
كثيرا ما نجهل الصدمات النفسية التي يتعرض لها أطفالنا في حالة الطوارئ، فقد يتوقف نمو الطفل عند تعرضه للصدمات، خاصة حينما لا نعمل على دعم جهازه النفسي. و هنا نؤكد على أن التدخلات التربوية الانسانية فرصة لمواصلة النشء تعليمهم من جهة، و حمايتهم من جهة أخرى. في حالات الطوارئ تسمح التربية الجيدة للأطفال بمواصلة تعلماتهم، و تمنحهم حماية جسدية و نفسية و معرفية، و تخفف عنهم التأثير الاجتماعي و النفسي الناتجان عن صراع أو كارثة، و تعطيهم إحساسا بالاستقرار وأمل بالمستقبل.
و لننتبه إلى أن النزاعات المسلحة تعد أخطر حالات الطوارئ التي تهدد استمرار الأطفال في تلقي تعليمهم، فقد بين التقرير العالمي حول متابعة التعليم للجميع "الأزمة المتخفية: النزاعات المسلحة و التعليم" بأن الدول التي تعيش حالة النزاع المسلح تشهد تباطؤا في النمو، إذ أن اثنين و أربعين بالمائة من الأطفال الذين لا يتلقون تعليما هم من البلدان التي تحتضن النزاع، و هم بذلك مهددين بأخطار العنف و الاستغلال. لذلك فإن التعليم في حالات الطوارئ يستهدف أول ما يستهدف الحصول على التعليم و تحسين جودة البيئة التعليمية في تجاه احداث تغيير جذري في النظرة الشائعة حول المساعدة الانسانية و تحويلها إلى مساعدة ذات خصوصيات تلائم حاجيات السياقات و الأشخاص. و السبب في التوجه نحو استحداث طرق خاصة للتدخل في التعليم في حالات الطوارئ هو كون الأطفال الصغار الأكثر تضررا منها. فنسبة اثنا عشر بالمائة تقريبا من السكان تكون من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ست سنوات، و يكونون في مرحلة حرجة جدا من النمو، حيث إنه في الفترة من السنة السادسة إلى الحادية عشرة يتكون الذكاء و الشخصية و السلوك الاجتماعي. و الخطر الكبير الذي يتهدد الأطفال هو البيئة القمعية التي تحبط قدرتهم الابداعية، و هي بيئة تفتقر لأدني شروط التنمية الجسمية و العقلية.
و بما أن النزاعات المسلحة تؤثر سلبا على النمو الجسمي و الذهني للأطفال حتى فيما بعد الأزمة، فإن الآباء يفقدون القدرة على العناية بأطفالهم كما اعتادوا أن يفعلوا، بسبب الحالة الخطيرة التي صاروا عليها.
إن من أهم أهداف أنشطة التعليم في حالات الطوارئ ، تأطير الأطفال الصغار لضمان حمايتهم الجسدية و النفسية في بيئة غير مستقرة، لتحفيز نموهم المعرفي و الانفعالي و الاجتماعي و النفسي استعدادا للعبور بسلام نحو مرحلة ما بعد الأزمة. و كيفما كان نوع الأزمة التي يصل تأثيرها إلى المتعلمين، فإن أساليب تدبير التعليم المبتكرة كثيرة و ملائمة لشتى حالات الطوارئ. و جدير بالذكر أن كل أزمة أو حالة طوارئ قد تتسبب في أزمات قد تقل أو تزيد خطورتها حسب نوعية التدخل الانساني المفعل و زمنه و مدته. و كثيرا ما تكون للانتظارات طويلة الأمد لمرحلة ما بعد الأزمة ارتدادات سيئة على سلوك المتعلمين و حياتهم. لذلك فإن تفكير الدولة في نظام التعليم الجيد يقتضي العمل على توفير أنظمة حماية التعليم و المتعلمين و البيئة التعليمية عموما تحسبا لحالات الطوارئ، بل و عقد شراكات تعنى بالرفع من كفاءة التعليم و تدبيره في حال ما وقعت نزاعات في الدولة. كما يمكن أن نعمد إلى رفع الأعلام على المدارس في حالة النزاع المسلح للحيلولة دون المساس بها على أن يكون القرار دوليا و ملزما.
إن تغييب التعليم في حالة الطوارئ، و اعتباره ثانويا، أو تجاهله كليا، قد يضعف من قوة التعليم في الدولة باعتباره أحد أسباب التنمية الشاملة. فيكفي أن ينشب النزاع المسلح حتى يخلي الناس بيوتهم، حاملين معهم أمتعتهم التي هم في أمس الحاجة إليها، مقتادين أطفالهم الذين كانوا يتعلمون في مدارسهم، متنقلين من مخيم إلى مخيم. هل سيفكر الأهل في تعليم أطفالهم؟ و إذا فكروا في ذلك فهل بإمكانهم توفير تعليم مناسب؟ و ماذا سيحصل إذا استمرت الأزمة و لم يتعلم الأطفال؟
إن نتائج تغييب تعليم الأطفال في حالة الطوارئ وخيمة جدا. فمعظم الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع المسلح أو الكوارث الطبيعية يتعرضون لصدمات نفسية خصوصا إذا فقدوا أحد أقاربهم أو شاهدوا آثار الأزمة التي لحقت بذويهم أو بالآخرين. و إذا فكرنا في مستقبل هؤلاء الأطفال فسنتوقع أن يعيشوا أزمة عميقة نفسية و اجتماعية إذا ما تركوا دون تعليم، أزمة تشدهم إلى الخلف و تمنعهم من التخطيط للحظات القادمة. سيكونون عاجزين حتى عن التفكير عندما لا نمد لهم يد العون و نؤهلهم نفسيا و اجتماعيا و معرفيا. إنه دور علم نفس النمو الذي يركز على حاجيات الطفل في مختلف مراحل نموه. و تلبية هذه الحاجيات يحتاج لبيئة خاصة، و تكون تحت إشراف أخصائيين. و إلا فإن جيلا بأكمله سيتضرر من الأزمة، و قد يمتد أثرها إلى الأجيال اللاحقة.
إن وضع مخطط للتعليم في حالات الطوارئ بات ضرورة إنسانية يجب الاضطلاع بها في كل البلدان و المناطق، خصوصا و أن أدوات التعليم صارت في متناول الجميع، و تعلم طرق التعلم صار متاحا لفئات واسعة في المجتمع، يكفي أن تكون لدى الدولة إرادة قوية و استعدادا لبناء مدارس متنقلة أو اعتماد تدريس عن بعد في كافة المجالات، ليكون بالامكان متابعة التعليم عندما تحل كارثة أو أزمة. و للاشارة، فإن الانعطاف نحو التعليم في حالة الطوارئ يقتضي التشبع بفلسفة كون التعليم صانعا للوجود الانساني، و حين نتوقف عن التعليم نتوقف عن الوجود.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع