الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الإحتفال بإسلام الغربيين الشقر

علي سيريني

2016 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الملفت للإنتباه، على الصعيد الإسلامي، هو إحتفال بعض المسلمين، لا سيما المقيمين في الغرب، وعلى الأخص الحركيين منهم، بإسلام الشقر من ذوي الأعين الزرق والخضر الغربيين. هناك دخول جماعي في الإسلام، كما في المسيحية والبوذية في البلاد التي أهلكتها الكوارث والمجاعات والفقر في آسيا وأفريقيا. لكن الدخول في الإسلام، في تلك الأصقاع، لا يجلب إنتباه هؤلاء المسلمين (العرب خصوصا)، ناهيك عن إقامة إحتفال ولو بسيط تكريما لدخول السود الأفارقة، أو قصار القامة من ذوي الأعين الصغيرة والأنوف المفلطحة في بلاد آسيا. هؤلاء مهما كثر عددهم، فلا قيمة لإسلامهم عند هؤلاء المسلمين، الذين يتصدون للعمل الإسلامي في بلاد الغرب، أو في بلاد الخليج، ويديرون المراكز والجمعيات والمساجد الإسلامية.
في القرآن الكريم، يعاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمد (ص) بسبب إنزعاجه من سؤال ضرير له، حيث كان منهمكا بإقناع رؤوس قريش لقبول الإسلام. ففي تلك الأثناء فاضَلَ الرسول بين إجابة الضرير وإدخال رؤوس الشرك، فوجد الأرجح أن يدخل أولئك في الإسلام، على أن يخصص وقتا آخر للإجابة على سؤال الضرير، لأنه ظن أن هناك متسع كبير للوقت لإستجابة ما يطلبه الضرير. فكان العتاب قوياً من الله سبحانه، مفضلاً الضرير على رؤوس الشرك، وناهيا لإنهماك الرسول نفسه من أجل إقناعهم. فبالإضافة إلى سورة عبس، جاءت الآية صريحة في سورة الكهف، ناصحا الرسول ومن بعده المؤمنين أن يصبروا مع الفقراء والمساكين الذين يذكرون الله غداة وعشيا، وعدم غض الطرف عنهم نحو الأغنياء والمتفوقين وذوي السلطة والجاه:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ-;- وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ-;- وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (الكهف 28).
يبدو أن بعض المسلمين اليوم، يفضلون الكيف على الكم بين المسلمين، أو بالأحرى بين المسلمين الجدد. فإذا كنت غربياً ومشهورا وصاحب جاه ومنصب ومكانة، فإسلامك أكثر بهاءا وأجلّ تكريما من إنسان بسيط في مجاهيل أفريقيا وآسيا، من الذين يعيشون في الظلال الثقيلة من النسيان والإهمال والفقر. لكن المهزلة لا تتوقف عند هذا الحد. بل تتعداه إلى ما هو أضحك وأبكى في نفس الوقت. فإذا كنت أشقرا وعيناك زرقاوتان أو خضراوتان، فلا تحتاج إلى كثير وقت، بعد إسلامك، حتى تتحول إلى إمام و خطيب مفوه، وعالم ومفتي وناصح وراشد للأمة الإسلامية، وسط أبهة وإبتهاج وإحتفاء جمهور المسلمين، الذين يهلل بعضهم بالتكبير، فيما ترورق أعين بعض آخر بالدمع، وكأنهم وجدوا مخلـّـصهم من بعد طول انتظار، أو سيدهم الذي يعطف عليهم بالشفقة والرحمة!
آخر هذه الصرعات العجيبة، هو ما شاهدنا من إحتفاء وترويج عظيمين بأخت طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، هذا المجرم الذي لن تقدر بحار الأرض على غسل جرائمه، وهو المسؤول عن قتل الملايين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتشريدهم وتجويعهم وهدم بيوتهم في أكثر من بلد إسلامي، جنبا إلى جنب مع المجرم الآخر جورج دبليو بوش. اليوم تحولت هذه المرأة إلى داعية مشهورة، وليس بغريب أن نرى طوني بلير غداً إماما للحرم المكي، بعد أن أصبح مستشارا وحبيبا للكثير من الدول العربية والإسلامية، مع أن يداه مازلتا تقطران دماً، من أجساد أطفال المسلمين في العراق وأفغانستان وغيرهما، الذين حولتهم الصواريخ والطائرات إلى أشلاء متناثرة وأرواح هامدة في أحضان الموت.
لا شك أن عائلة طوني بلير، شأنها شأن الكثير من العوائل الغربية من أمثالها، همها الكبير هو جمع المال والشهرة، وعدم الإكتراث بغير ذلك إلا بما يخدم أهدافها الأساسية.
على أي حال، هناك جملة أسباب تدفع ببعض الغربيين إلى إشهار إسلامهم، والإحتفاء بهم من قبل بعض الأوساط الإسلامية. نذكر بعضها:
أولا: يعيش الكثير من الغربيين في مشاكل نفسية كالقلق والكآبة والملل والضجر والعزلة الشعورية، فلدى بعضهم إندفاع قوي لخوض تجربة جديدة في الحياة، كممارسة هواية ما أو البدء في رحلة سياحية نحو العالم، أو الدخول في طقوس وعبادات دينية. لذلك هناك أعداد كثيرة تبدأ في الإلتزام بالمسيحية، أو اعتناق البوذية أو الإسلام.
ثانياً: هناك غربييون أذكياء وماكرون، يعلمون أن اعتناقهم للإسلام يعطيهم الشهرة، وفرصة الحصول على الأموال المجانية من بهاليل الخليج، والدول الأخرى مثل إيران. مثلا من كان يسمع بأخت طوني بلير، من هي، إلا حين أسلمت؟!
ثالثا: هناك جمعيات ومراكز إسلامية تبحث عن الأموال والدعم، وتستثمر فرصة استقطاب الغربيين نحو الإسلام، من أجل كسب الأموال والدعم بسم الدعوة وخدمة الإسلام من دول الخليج، والمؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي.
رابعا: هناك غربييون يعملون كجواسيس لدى أجهزة المخابرات، فيتظاهرون بالإسلام للإنخراط في الجاليات والمراكز الإسلامية، بهدف التجسس أو بهدف إيقاع الشباب المسلم لإلصاق تهمة الإرهاب بهم، وكذلك لصناعة مادة إعلامية تشوه الإسلام عبر إختلاق القصص والحوادث، كما حدث في أمريكا حين جندّت سي آي أي أحد عملائها إلى داخل مسجد كان يحث فيه الشباب نحو الجهاد والعنف (عرض برنامج حول ذلك في قناة الجزيرة).
خامسا: كما أن هؤلاء الغربيين يعيشون العزلة الشعورية والمشاكل النفسية، فإن الكثيرين من المسلمين يعيشون نفس الأعراض ولكن لأسباب أخرى. لا يخفى على أحد أن المسلمين يعيشون تخلفا كبيرا في ميادين العالم المعاصر. هذا الواقع يخلق لدى المسلمين الشعور بالنقص. تزامنا مع هذا، هناك حملة إعلامية عالمية شرسة ومنظمة ضد الإسلام، تجعل الكثير من المسلمين يعاني من الأقلاق النفسية والشعور بالعزلة والإغتراب عن العالم. فدخول بعض الغربيين الشقر الإسلام، يخلق متنفسا شعوريا للإنسان المسلم، ويخفف وطأة أقلاقه ومخاوفه وعقدة النقص الشعورية لديه. لقد أفلح الإعلام العالمي في إلصاق كل أنواع الإرهاب وعمليات الإجرام والتخريب بالإسلام، مما جعل الإنتماء إلى هذا الدين محفوفا بالمكاره والأقلاق والمخاوف. إدخال الغربيين إلى الإسلام قد يؤدي إلى تغيير هذه المعادلات لصالح المسلمين، كأن المسلمون يقولون في لا وعيهم: أنظروا، لو كان الإسلام حقا دين الإرهاب والإجرام، لما اعتنقه الغربييون الشقر من أهل الحضارة المعاصرة.
خامسا: يشعر المسلمون بالمسافة الشاسعة حضاريا بينهم وبين الغربيين، ويدركون تفوق الغرب عليهم بفراسخ زمنية. ولكي يصطفوا مع الغربيين، فكروا في أقصر الطرق لتحقيق هذا الهدف، ليس بتكليف أنفسهم بالبدء في بناء اللبنة الأولى للتطور والتقدم، أفرادا ومجتمعات، بل بتغيير الهوية الدينية للإنسان الغربي المتقدم مسبقا. وكأن المسلمون بذلك يريدون تسليم مهمة الإسلام و واجب الإرتقاء بشأنهم هم، إلى الإنسان الغربي الأشقر، وليس بالمنافسة معه أو البدء في مضمار المسابقة، بل بجعل الغربيين مثلهم مسلمين. والعقل الكسول يفكر هكذا واهماً، أنه يمكن إعطاء التطور المادي والعلمي هوية دينية معينة، بمجرد إعتناق أفراد مجتمع معين ديناً أو ثقافة معينة.
أشعر بأسف بليغ وحزن عميق، حين أرى المسلمين يتهافتون كعبيد أذلاء أمام الغربيين، يقدمون لهم الإسلام بشتى الطرق، حتى مع البرياني والمنسف والكنافة، لكي يتفضل الغربي مشكورا بالتصدق بلفتة الرحمة تجاه الإسلام، وإن شاء اعتلى سدة الدين نفسه. وفي المقابل لا يلقى المسلمون أنفسهم هذا الترغيب والإهتمام والحفاوة، رغم أن القرآن الكريم نفسه يحثهم على الإهتمام بالفقراء الذين يذكرون الله صبحا وعشيا، وأن لا تتغاضى أعين الدعاة عنهم نحو أهل الدنيا، من ذوي المال والجاه والأبهة. كثيرا ما تسمع في دول الغرب، إعلانات إسلامية تدعوك لحضور محاضرة الفلان بن الفلاني الأمريكي أو الأوروبي (الأشقر)، وهو يتحدث بكل ثقة عن الإسلام ويشرحه لنا نحن المسلمين من الدرجة الثانية!
إذا كان المسلمون مأخوذون بشدة نحو التطور والتفوق التكنلوجي، أليس الأحرى أن يبدءوا جميعا بنهضة مسؤولة ترتقي بهم، وتعيد لهم ماضيهم المجيد الذي طالما تغنوا به، بدل التذلل والإستجداء عند أبواب الغربيين كمتسولين يبحثون عن الصدقة والشفقة، والإطمئنان في الدين، عن طريق جلب من هم أرقى وأعلى في دنيا العلم والتكنلوجيا والأمور الأخرى الدنيوية؟!
أليس الأفضل أن يبحثوا داخل جالياتهم عن الطاقات والكوامن التي من الممكن إنماؤها ودعمها من أجل إنجاز ما يدعو للفخر، بدل إهدار أموالهم وعزتهم وجهدهم على أناس قد يسلمون حقا، وهذا شأنهم الشخصي، ولكن كثيرون منهم تركوا الإسلام، لأنهم دخلوه كنزهة وكتغيير جوّ، أو كإطلاع على الإسلام من داخل الجاليات، أو كطريقة لجمع الأموال التي تعطى لهم بسخاء كبير؟!
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية