الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل مشروع حضاري لمستقبل آمن

محمد عادل زكي

2016 / 1 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن الانتصار على الرأسمالية، من خلال مشروع حضاري لمستقبل آمن، إنما يبدأ من فهم قانون حركة الرأسمال وتكونه الاجتماعي عبر حركة تاريخ الإنسانية بأسرها، وليس تاريخ أحد أجزائها، رفضاً لوثنية الفكر؛ بقصد تجاوز الرأسمال، كظاهرة تاريخية، إلى عالم رحيم. رحيب. عالم لا يقود فيه المخبولون العميان... عالم يطلق النداء الَّذي يستنهض الإنسانية من سباتها السحيق... النداء الَّذي يرفض إبادة الإنسان بزعم بقاء الإنسان... النداء الذى يمنع الإنسانية من الانتحار والدفن فى مقبرة جماعية حفرتها طليعة الانحطاط.
إنه النداء الذى يستمد قوته من علوم بابل وأشور وأساطير سومر وأكد... إنه النداء الذي يصدر عن إيمان المصريين القدماء وحكمة فارس... إنه النداء الَّذي ينبع من عالمية الفن الأفريقي الذي يعبر بدقة حين يكون نحتاً عن قوة سامية تكسبنا النشوة، وحين يكون رقصاً، كرقص شيفا على سفوح الهيمالايا، عن طقس شعائري يمسك بمعنى الحياة ويوجد لها المعنى... إنه النداء الذى يطلق صرخته مدوية، دوي مدرسة تشان البوذية التي توحي للإنسانية بحتمية التأمل والتحرر من كل رغبة وكل مفهوم كي تتمكن من تجاوز اختلاط المجتمع التقليدي والاندماج في الطبيعة كي تكتشف أن الكل واحد... حينما يسود صمت ضوء القمر... إنه النداء الَّذي يبدأ الحكمة ابتداءً من حكمة الصين الجدلية بين اليانج والين المنطوي على تصور معقد وبسيط للمد والجزر، للفعل ورد الفعل، داخل جملة وحيدة فريدة من الظواهر، إنها الحكمة الناهضة على رجحان الموجة على الجزيء... إنه النداء الذى يعلو شاهقاً، علو رب الثلوج فى هند الفيدا والأوبانيشادا:" إننا نتضرع إليك يا براهما كما ترفع الشمس إليك صلاتها كل صباح". ألا تلهب تلك الكلمات مشاعر الإنسان نحو الإيمان... نحو الخلاص. إنها أناشيد الفيدا. تلك الأنشودة الدينية المكتملة التى مجدت اتحاد الله مع الكل ما يقرب من ألف عام قبل أي روحانية أخرى:" تعددت أسماؤه الحسنى، ولكنه واحد أحد". كتب طاغور:"إن أسمى هدف وذروة اكتمال الإنسانية، هو تلك الحالة التى نحققها بتقربنا مع الكل، حينما نمتزج بكل شىء عبر الوحدة مع الله". وفى القرن الرابع قبل الميلاد كتب تشوانج تسو معرباً عن رسالة الطاوية:" كل الأحياء وأنا فى الأصل واحد... كل الكائنات واحد فى الكل الهائل. واحد مع الكل".
إنه النداء الذي يستمد ملحميته من تلك الملاحم الخالدة من منطق العطار، ومقدمة ابن خلدون، وإمتاع التوحيدي، ورسائل إخوان الصفا، وفتوحات ابن عربي، وملوك الفردوسي، وهياكل السهروردي، وقصبة الرومي، وياسمين الشيرازى الذي كتب:" إن الخير الأسمى الذى تشرئب نحوه كائنات هذا العالم يظهر للجميع في إمارات المحب والمحبوب، ففى حب المحب والمحبوب القوة نفسها التى تجذب الإنسان إلى الحقيقة الإلهية، الحقيقة العليا. إن حب الجمال يتيح تأمل الوجود السرمدى".
إنه النداء الذى يستمد جلاله من جلال أحرف الكتاب. ويستمد أخلاقه من تعاليم روح الله وكلمته. يسوع المسيح. ذلك النبي الذي من ناصرة الجليل.
إنه النداء المتواصل مع رسل الله كي يقولوا بالفناء فى الواحد... إنه النداء الذي ينفتح لتقبل كل شىء.
لقد صار قلبى قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب دينى وإيمانى
لقد حان الوقت أن ندرك وأن نعيش رؤية توحيدية للتاريخ الذى كان إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد فيه لحظات تنبيه واستيقاظ. بين المسيحية الأصلية، المسيحية التي كانت قبل إضفاء الهيلينستية عليها ورومنتها فى مجمع نيقيا، وبين عصرنا لم يكن سوى القمع ضد الهرطقات ومنافسات الأكليروس، والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، والتفسير من داخل النص؛ إحكاماً لقبضة لاهوت السيطرة. وكان هناك أيضاً القرآن والثقافة الإسلامية العظيمة التى أنارت الدنيا طيلة عصور أوروبا المظلمة، ولم تزل تنيره بنور نبوى أدركه يواكيم دي فلورى، والقديس فرنسوا الأسوزى، والمعلم إيكارت، والقديس يوحنا الصليبى، ويوحنا السلمى، والراهب بيير. هكذا كتب أسقف كوز:" إن ما ستجدونه ليس إيماناً آخر بل إيماناً واحداً وحيداً مفترضاً فى كل مكان... فليس ثمة سوى دين واحد وعبادة واحدة. إنهما مفترضان فى تنوع الطقوس... لقد أرسلت يا رب أنبياء لكل الشعوب؛ ذلك أنه ما من مخلوق يستطيع أن يفهم معنى لنهائيتك...". وهكذا كتب الشاعر ألكسندر بوب:
ولو أن الأرض فقدت توازنها وطاشت بعيداً عن مدارها
ولو أن الملائكة الحاكمة قذفت بها بعيداً عن أفلاكها
ولو أن كل وجود إنهار وتحطم على كل وجود
وكل عالم إنهار وتحطم على كل عالم
فسوف نرى أركان السماء توميء إلى مركزها
والطبيعة ترتجف أمام عرش الله
إنه النداء الذى يعيد التواصل مع بغداد والكوفة وقرطبة. الإسكندرية وطيبة وعيلام. بخارى وسمرقند وخراسان... إنه النداء الذي يتواصل مع جابر، وابن رشد، وابن سينا، وابن طفيل، والخوارزمى، والمسعودى، ومالك، والرازى، وابن مسكويه، والطبرى، وابن الفارض، وابن حزم... إنه النداء الذى يستمد إنسانيته من عبقرية ريكاردو ومالتس، ومنهجية ماركس، وموسوعية آدم سميث... إنه النداء الذي يقول بخلق الفكرة... إنه النداء الطامح لمعرفة سر وجوده من خلال عجزه أمام معنى محدودية الألوان والألحان والأفكار ومفردات اللغة... إنه النداء الذى يعلمنا معنى كوننا نصنع الحياة من حولنا ولا نملكها، ومن ثم يجنبنا اللهث خلف السراب... إنه النداء الذي يذكرنا دوماً بأننا ننتفع بقدرة لا نملكها. ولذا فإنه يرفض وثنية الفكر نقشاً مقدساً على قبر الإنسان... إنه النداء الذى ينبهنا بأننا نحاصر بأشياء هي نتاج عملنا، لكنها تخرج عن حدود سيطرتنا؛ من أجل ذلك فهو النداء الذي يراجع لنا موقفنا من قضية وجودنا. فلنطمح إلى أكثر من الوجود. فلنطمح إلى أكثر من الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -