الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية إناسية لرأس السنة

محمد لفته محل

2016 / 1 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يحتفل العالم بعيد رأس السنة منذ عقود كمناسبة عالمية عابرة للقومية والأديان مع أنها مرتبطة بدين معين ولادة المسيح؟ فلماذا يتقبل العالم هذه المناسبة ذات الأصل الديني دون أن تثير حساسيات ثقافية؟ هل بتأثير العولمة؟ أو وسائل الاتصال التي قربت المسافات بين البشر؟ وإذا كان صحيحاً هذا أو ذاك فهل هذا وحده كاف لتفسير عالمية راس السنة؟ وهناك الكثير من التقاليد التي صمدت بوجه العولمة؟ إذ صدرت دعوات لتحريم الاحتفال بهذا العيد لم تلقى صدى عند العامة من الناس الذين يعتبرون هذا اليوم فرصه للترفيه والاحتفال وإقامة العلاقات العاطفية، لابد أن هناك سببا آخر وراء عالمية رأس السنة انه السبب الإناسي وهذا ما نبه إليه مؤرخ الأديان (مرسيا الياد) حيث يقول: إن كلمة عالم=كون تستخدم بمعنى (سنة) في كثير من لغات السكان الأصليين في أميركا الشمالية، أنهم يتصورون الكون وحدة حية تولد وتكبر وتخمد في اليوم الأخير من السنة وتبعث في سنة جديدة(1) إن الإنسان الديني في الثقافات الغابرة يرى العالم يتجدد في كل سنة(2) وخلق العالم يتضمن ولادة زمان جديد وهذا العالم وهذا الزمان هي الأنموذج لكل خلق وزمان لاحق(3) إن أسطورة تكون العالم تروي لنا كيف نشأ الكون. ففي (بابل) كان الناس ينشدون "قصيدة الخلق" ال(انوما أليش) التي كانت تجري في الأيام الأخيرة من السنة والأيام الأولى من السنة الجديدة وبهذه الشعائر كانوا يعيدون للحاضر القتال الذي جرى بين (مردوخ، وبين تيمات(4) الذي حدث للقضاء على حالة العماء وقد خلق (مردوخ) الكون من جسد (تيمات) (ولما كانت (السنة الجديدة) إعادة في الحاضر لنشأة الكون فإنها تتضمن استئناف (الزمان) منذ بدئه)(لذا يعمد الناس، بمناسبة (السنة الجديدة) إلى إجراء "تطهير" وطرد للخطايا والشياطين، أو انهم يكتفون بكبش الفداء) بل إنه يتناول أيضاً حذف السنة المنصرمة والزمان الماضي) بشعائر تطهير مثل
ويفسر (الياد) الصخب الاجتماعي والإباحية الغرامية والحفلات الحمراء التي ترافق رأس السنة أنها رمز إلى تقهقر الكون وسقوطه في العماء ليعيد خلق نفسه من جديد كما تقول أسطورة الخلق إن هذا التقهقر الدوري للعالم إلى العماء يدل على أن الخطايا كلها يغسل ويزال(5) والإنسان الذي يشارك رمزياً في إبادة العالم وإعادة خلقه كان هو أيضا يخلق من جديد كأنه ولد وبدأ حياة جديدة، فيشعر بأنه أنقى وأصفى من الماضي بعدما تخلص من أخطائه (إن الإنسان يعود، رمزياً، معاصراً لنشأة الكون، فهو يشاهد خلق العالم)(6) ولذلك كان يعتبر هذا اليوم عند بعض الثقافات مناسبة للعلاج والشفاء من الأمراض كونه يمثل ولادة رمزية له(7) ونحن عندنا إن كلمة (عام) مشتق منها كلمة (عالم) وكلمة (سنة) تدل ايضاً على قوانين الكون والطبيعة ثم أن كلمة (رأس السنة) قد تكون بقايا للأساطير التي يتحارب فيها الآلهة وتصنع من رؤوس الآلهة الميتة كون جديد؟ ومراجعة ابرز أحداث العام الماضي الذي نقوم به في نهاية كل عام، أشبه بمحو الخطايا عند المعتقدات القديمة، والتفاؤل بالعام الجديد الذي نتبادله بيننا هو امتداد للولادة الجديد كما عبرت عنه الثقافات السابقة، وعالمية الشجرة كونها رمز استمرارية الحياة كما كانت ولا زالت حيث إن حياة الجماعة تمثل غالباً عندنا بشجرة سواء في الأرض أو السماء يكون الأوراق أفرادها والجذع والأغصان ألأجداد. لكن التفسير الأسطوري الذي يقدمه (الياد) غير كافي وحده، فزعيم التحليل النفسي (سيغموند فرويد) يفسر العيد بأنه تكرار لجريمة قتل الأب الذي جرت في الأزمنة السحيقة، وان الفرح الذي يحس به الأنا كونه اللحظة التي يتصالح بها مع الأنا الأعلى، والإباحية هي في طبيعة العيد ذاته، أما عالم الاجتماع (إميل دوركهايم) إن كل طقس جماعي يولد مشاعر دينية عند الفرد لا يشعر بها في عزلته.
والعراقيون يحتفلون بعيد راس السنة مثل كل عام لان لهم تاريخا بها الذي يسموه بالعامي (دورة السنة)، يتفائلون بالعام المقبل (كل عام وأنت بخير) وهي ذات الكلمات التي تقال بعيد الفطر ما يوحي بالأصل الديني لعيد راس السنة وان بدا مظهره علماني، وقد ذكر (الياد) الأصل البابلي لرأس السنة وهذا احد خيوط احتفال العراقيين بهذا العيد، ونحن أيضا نعتبره فرصة لتحقيق الأمنيات (تحقيق الأمنيات، يوم زواجك، أو يا ربي تنال ...) مثل الزواج أو التعيين أو النجاح، أي انه أشبه بالدعاء الديني لطلب أو مراد، وطبعا تقديم التهنئة ملزم الرد عليه وإلا يعتبر إساءة أدب، مع ذلك غالبا ما ينحصر الاحتفال برأس السنة ("كرس مس" كما يسميه الشباب)، بالمناطق الغنية (المنصور، الكرادة) حيث تتوافر الأشجار والأضواء والاختلاط بين الجنسين، أما المناطق الفقيرة فتكتفي بالتهنئة بين الشباب، ومع انتشار والانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت التهنئة عبرها أكثر تداولا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_مرسيا الياد، المقدس والعادي، ترجمة عادل العوا، التنوير، ص107.
2_نفس المصدر، ص109.
3_نفس المصدر، ص110.
4_نفس المصدر، ص110.
5_نفس المصدر، ص112.
6_نفس المصدر، ص113.
7_نفس المصدر، ص115.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو