الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية والديمقراطية وجها لوجه

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مسار الطائفية التاريخي يُقسم إلى مرحلتين، الأولى: تبدأ بمرحلة التناحر العقائدي يوم كان الهم العام لدى البشر هو المعتقد المترافق مع الأعمال البسيطة تجارية ومهنية، ويوم كانت القصيدة تحدد الحرب أو السلم، والثانية: تُعتبر مرحلة المُستَنسَخ العقائدي، الذي حدد استثمار المعتقد لأهداف سياسية.
حسب التاريخ فقد حارب اليهود عيسى بن مريم رفضا للدين الجديد، وحورب محمد بن عبد الله رفضا لدينه أيضا، وهذه المرحلة تميزت بنـزيف دموي/ صُلب المسيح وعُذّب محمد خلالها/ ساهم إلى حد كبير في تعزيز الصورة السيئة للأطراف المتناحرة بأذهان بعض، وعلى ذلك كانت تتناقل هذه الصور للأجيال من أتباع الديانات الثلاث بما فيهم المجتهدون، فبنت عداءاتها على أساس الفعل القديم بين الأجداد، الذين تعادوا لأسباب الأولويات في الهموم الحياتية وما بعد الحياة، وهذا مابدأ بالانحسار لدى الأجيال التالية وصولا إلى مانحن عليه في هذه الأيام، وذلك بحكم تغير الأحوال والظروف والبنى، والتطور الذي شمل البشر بكل تلاوينهم.
الوطن العربي كما كل الأوطان في العالم تُشكّله ملل وأديان وطوائف ومذاهب وفرق من كل حدب وصوب، منها ما قدم من أزمان ما قبل الأديان التي جاءت لتوحدها، ومنها ماتم تشكيله إثر الصراعات التشيُّعيّة/التشيُّع يعني التبعية/التي أثمرت فرق جديدة داخل الدين الواحد، من ثم صراعات داخل الفرقة الواحدة لتثمر المذاهب وما اشتُقّ عنها من فصائل تجاوزت الثلاث والسبعين فرقة التي قيل عن واحدة منها ناجية مآلها الجنة.
نحن من الجيل الذي جاء في زمن تجاوز مئات الفرق من الأديان الثلاثة وربما أكثر، فوجدنا أنفسنا على دروب آبائنا سائرين، ليس لنا من ذنب غير وجودنا في هذه الحياة التي تحتم علينا العيش خوفا من الموت لتعلقنا بها والتي هي طبيعة البشر.
من أسرار الضرورة المحافظة على البقاء، وكي نبقى لابد من تأمين حياتنا بشيء من العدالة التي تحققها المشاريع الضامنة لحقوق الجميع المادية والروحية، وذلك على أساس تعاقد البشر فيما بينهم لتنتج المشترك الحامي للحياة والملك.
الاستبداد في بلادنا عهدناه منذ أن مورس التعذيب والقتل بسبب المعتقد، الذي فرض علينا معاناة من نتائجه الفعل أو رداته، وعندما ظهرت الأحزاب جاءت لتحلً تلك المعاناة لكن حضورها أضاف لمعاناتنا الكثير حيث دخلت مقومات التناحر الديني أو المذهبي واشتقاقاته صلب الحزب السياسي، وعلى ذلك لم تتحرر الأحزاب/يُستثنى بعضها/ من التوجس الفئوي، وهذا مادفع بعض ممن تناولوا هذا الموضوع بشيء من اليأس بإعادته إلى قدريته/مكتوب علينا/.
عندما تُطرح الديمقراطية كأولويه في المشروع السياسي، وكحل لمشاكل البلد الذي يعاني من الاستبداد، لابد من إدراك مدى حضور الوعي الديمقراطي في الحاضنة الثقافية للقوى الفاعلة في هذا الخيار والمتبنية له، لأنه أشد مايُخشى منه تكتيكات المستبد المعارض، لأن تبني الديمقراطية كخيار للتخلص من الاستبداد غير كاف إن لم يقترن باستراتيجية المشروع الديمقراطي لمُستقبل البلد، والمبني على الوضوح وليس على التقاطع المرحلي بغاية التخلص من الاستبداد، فغاياتنا بعد كل المحن التي ألمّت بمجتمعنا نتيجة الاستبداد تدفعنا لرسم وممارسة الديمقراطية كي لايتكرر أو يعود الاستبداد لهذه البلاد بطرق أخرى، ومن أوساط تطرح الديمقراطية اليوم، لأن المطلوب تحقيق ديمقراطية الأكثرية الوطنية وليس الأكثرية الحزبية أو الطائفية المُفرغة من الثقافة الديمقراطية أو وعيها، وإلا ستواجهنا ثقافة الخبيط بعد زوال الاستبداد، وهذا بتقديري يُعزز التوجس بكل أشكاله في مستقبل بلادنا، لأن مجتمعنا بما فيه أحزابنا لم يتحرر بعد من ذهنية الاستبداد وعقل المؤامره، ومثلا أضربه للتنبيه وهو أن أحد قادة الأحزاب يتمتع بخطاب وطني ديمقراطي متميز، لكنني لم أجالس واحدا من أعضاء حزبه مصادفة أم عن معرفة مسبقه إلاّ ووجدته يختلف كل الاختلاف عن القيادي، بل أكثر من ذلك أن هؤلاء لازالوا يتبنون الخطاب الحزبي الذي لايخدم المشروع الديمقراطي، ونبّهت القيادي إلى ذلك صراحة وهذا بحد ذاته يدعوا للتدقيق، لأن مثل هذا الحال يُربك المسار الديمقراطي لو بدأ على الأرض.
الطائفية شعورا أو وعيا نتيجة من نتائج الاستبداد بمعنييه التاريخي والحاضر، وتُشكّل عائقا للمسار الديمقراطي وتًخرّب العملية الديمقراطية، وهي قضية مُجتمعنا العربي بأكمله وتشمل كل الطوائف، لأن الطائفية تعني الانتماء السلبي للطائفة، والسعي لتحقيق مصالحها على حساب المجتمع التي هي جزء منه، أي الانتماء الماقبل وطني، والطائفة الطائفية هي الطائفة المتوجسة من غيرها، فيُصبح المواطن من خارجها مواطنا من درجة أخرى بالنسبة لهذه الطائفة، وعلى ذلك تلغي المواطنة بمعناها الوطني الأكبر والأشمل، والمواطنة أحد أركان النظام الديمقراطي، وهذه المُشكلة تطرح السؤال التالي:
كيف يُمكن للطائفية أن تحضر في الشارع الوطني، وأن تتحرر من هواجسها متجهة نحو الانتماء الأكبر، وهل يمكن ذلك، أم تبقى مُشكلة مستعصية على الحل يترتب عليها مشاكل مستقبلية، وهل هي مشكلة ثقافية أم حياتية مباشره؟.
للإجابة على هذا التساؤل أقول: يُمكن للمواطن أن يكون مواطنا عندما يتأكد من المقومات الضامنة له، والتي تحرره من كل أشكال الاستبداد الديني والسياسي، ومنطق المصادره المفروض عليه والفارضه على غيره، أي أن يكون مواطنا مدنيا ينتمي لمجتمع مدني، لأن أزمتنا اليوم مرتبطة إلى حد بعيد بالممارسات القسرية لنظم الاستبداد، المتحكمة بمفاصل الحياة وأكثرها خطورة الثقافية التي هي حاضنة الفكر، والتي تُحدده بإنسانيته أو تُضيق الخناق عليه وصولا للقبيلة والعشيرة و..و..الخ
الطائفة كبيرة كانت أم صغيرة أكثرية كانت أم أقلية فهي أصغر من الوطن، ولايمكن للمشروع الديمقراطي بمعناه الوطني أن يتحقق إن لم تتوفر فيه شروط الانتماء للوطن الجامع مكونه البشري والثقافي والمللي، أما أن نطرح الديمقراطية كحكم الأكثرية فهذا يجب الوقوف عنده، لأننا نكون أمام مفترق ينقلنا من حيث ندري أو لاندري إلى بديل طائفي، وهو مانسعى للتخلص منه صونا للوطن الذي بأمس الحاجة للكفاءات المتوفرة في كل مكون المجتمع، وليس في جانب منه، فنقدنا للسلطة الحاكمة قائم على هذه الأسس التي هي، الاحتكار والاستبداد والمكاسب وتجييش المجتمع الذي أثبت فشله بمصادرة الأطفال والشباب والعمال والفلاحين.
تسييس المجتمع على أسس مواطنية وطنية ديمقراطية هو السبيل للخروج من أزماتنا بأسلم مايمكن، وهو الطريق لاعداد المجتمع للبناء الوطني والمواجهة الوطنية، لأن قضيتنا بالنتيجة قضية وطنية عامة مرفوض أي طرح أقلوي(أي فئة أصغر من الوطن) مهما كان لحلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah