الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاموس العامي للمجتمع العراقي 1

محمد لفته محل

2016 / 1 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا كان معروفا أن اللغة العامية بلا قواعد لغوية رصينة وإنها تخضع للعشوائية باللفظ فانه من غير المعروف للكثير أن اللغة العامية ذات قواعد ثقافية من حيث المعنى وليست عشوائية أبدا وهذا السبب في احتقارها وتسميتها بال(جلفية، سوقية، دارجة، عامية، شعبية) في مقابل (الفصيح) وتم تجاهلها وإهمالها واعتبارها خطرا على اللغة الفصحى التي وضعت في قواميس ولا زالت توضع، دون أن يفكر احد في وضع قاموس للغة العامية الذي سيكون كنزا ثقافيا دفينا يكشف لنا شخصية المجتمع العراقي أو أي بلد عربي آخر. هذا القاموس ليس لمناهضة الفصحى التي نكتب بها ولا نتكلم، ولا دعوى للكتابة بالعامي الذي نستعمله في حياتنا اليومية والمؤثر حتى في لغتنا الفصحى المنطوقة كقولنا لكنة (عراقية، سورية، مصرية)، وإنما كنوع من الحفاظ على الفلكلور والحفر الثقافي. وقد وجدت أن الكلمة العامية تعبر بدقة عن ثقافتنا أفضل من الفصيح بكثير وأكثر التصاقاً وحميمية بأنفسنا. هذا القاموس هي محاولة أولى أقوم بها لعلي انجح بذلك. ومهمتي هي عرض الكلمة في استخدامها العامي وليس الفصيح حتى لو كانت ذات أصل فصيح، وشرح الأسباب التي تجعلها تستخدم هكذا من خلال الموروث الثقافي، واثبات إن الكلمة العامية لها معنى واحد وان تعددت دلالاتها.
تعب: كلمة سلبية في مجتمعنا العراقي لا تستخدم للإرهاق فقط بل لسلوكيات وأوضاع تخالف قيم المجتمع فهي رديف الضعف، فعيب على الرجل أن يقول (أنا تعبان)، ولذلك نصف الفقير (وضعه تعبان أو ظروفه تعبانة) والشخص ذو الخلق السيئ نقول عنه (خل يولي هذا تعبان) أو سيارة تعبانه وهكذا دواليك، والتعب حالة فزيولوجية طبيعية لكن نرجسية الرجل العراقي وكرامته تأبى الاعتراف بضعفه.
سبع: كلمة لا تعني الشجاع فقط بالعامية بل كل شخص عملي ذرائعي أو حتى شقي، فحين نمدح شخص نقول له (سبع، أو سباعي، أو سبعي) وهي قيمة بدوية تمجد الشرس والشجاع وكل من يتعدى على الآخرين، ولا يخفى أن هذه الكلمة أطلقت على حيوان الأسد كقولنا (حلك السبع) وهي تعني بالتالي كل من يغلب غيره في شتى نواحي الحياة بغض النظر عن أي التزام أخلاقي، فنطلقها على (المرتشي، والشرس، والشقي) فهذا التشبيه بالحيوان الغرض منه إعفائه من الالتزامات الأخلاقية كما الحيوان معفي منه في سبيل بقائه، والإنسان في سبيل نجاحه، أنها بلغة الحرام النوعي حيونة ايجابية، وإلا لماذا لا نطلقها على المؤمن والخلوق؟.
لعب: تستخدم عاميا ليس بمعنى اللهو فقط بل العبث وكل ما هو سلبي، فهي كلمة مقرونة بالطفل ونقولها حين يعبث بأشياء لا تعجبنا (لا تلعب) ومن كثرة تكرارها تصبح في ذهنه كلمة سيئة، وحين يلعب الكبار نتهمهم بالمراهقة والطيش وعدم المسؤولية، ونعتبر هذه المرحلة قلة عقل، فيا ترى لماذا اقترن اللعب بالعبث والطيش؟ إننا لو لاحظنا إننا نستخدم هذه الكلمة في غزلنا الجنسي بدون اعتراض فنقول للشريك (اليوم اللعب بيك لعب) ونحن نصف المرأة بالدمية التي نسميها باللغة الدارجة (لعبة) والدمية هو موضوع للعب عند الطفل، والخبيرة بالحب نسميها (لعوبة) كذلك غالبا ما نستخدم كلمة لعبة للإشارة للعلاقة الغرامية (لعبة الحب) وحتى يمكن القول (لعبة الجنس) واللعب كما أشار التحليل النفسي يمثل بداية اكتشاف الجنس والحيوانات تبدأ خبرتها الجنسية من اللعب، وعلى أساس هذا التصور افترض سبب استخدام كلمة لعب بمعناها السلبي.
زوج: كلمة تقال للمغفل أو الذي تم الاحتيال عليه وكما يقال بالعراقي (انضحك عليه) أو هي السخرية والاستخفاف والنصب على شخص، حيث لا تستخدم بمعناها الفصيح كزوج للتمييز عن الأعزب، والشخص المخدوع يقال عنه (أنزوج أو زوجوك)، فهي تعني الذي تم نكحه مثل المرأة بمعنى المفعول به جنسيا، ودليلي انها ترادف دائما كلمة (انطرح/طرحوك زوج) والطرح مرادف للمضاجعة، فال(زوج) هو الذي زُوّج كالمرأة، والمرأة كائن أدنى اجتماعيا في المجتمع الرجولي.
صاك: كلمة تقال للشيء الجيد، والماء البارد، والمرأة الجميلة أو المغرية (صاكه) وشاع استعمالها في الحرب الأهلية الطائفية بمعنى القتل (فلان انصك=أنقتل، صكوا=قتلوه، مصكوك=مقتول، صكاك=قاتل) فما أصل هذه الكلمة ولماذا تستخدم تعبيرات متناقضة متعددة فتعني الجمال والجيد والقتل؟ اعتقد أن اصلها هو القتل واستعمالها للمرأة يعني (أنها قاتلة بجمالها) كما نقول بالعامية (تكتّل من الجمال)، وحين نقول على الماء الجامد (صك، أو صاك) أي أصبح ذو برودة قاتلة. وبهذا يكون مفهوما تعدد المعنى للكلمة الواحدة. وال(صك) استعملت بدل تسمية (قتل) لانها تحيل المقتولين من (بشر) الى (أشياء) وهذا ما تؤكده فرضية (الحرام النوعي) وهو ما لاحظه (اريك فروم) ففي حرب فيتنام كان بعض الجنود الأمريكيين يطلقون على أعدائهم أسم (الأشياء القذرة اللزجة) gooks، (وحتى كلمة "القتل" قد أزيلت باستخدام كلمة "الإتلاف") وكان هتلر يدعو خصومه السياسيين "دون البشر"untermenschen، (ويكاد يبدوا قاعدة أن ألمرء عندما يريد أن يسهل على الجنود الذين هم في جانبه أن يقضوا على البشر في الجانب الآخر، أن يلقن جنوده الشعور بأن الذين يجب قتلهم ليسوا من البشر)(اريك فروم تشريح التدميرية البشرية).
فرخ: كلمة تطلق على الرجل المستخنث وعلى صيصان الدجاج وعلى الطفل في بعض لهجات الجنوب، وهي تستخدم بهذه المعاني لكون الطفل مخلوق محتقر يعطف عليه ولا يحترم لذلك يسمى (جاهل) فنبيح ضربه أو استغلاله، وان كلمة طفل يشتق منها كل ما هو سلبي مثل (طفولي=ساذج، متطفل=فضولي) وهذا سبب تسميته باسم حيوان (فرخ) وفي الحرام الوعي فإن الأنا حين تريد انتهاك كرامة إنسان عليها أن تخرجه من النوع البشري إلى الحيواني وهو ما اسميه التصنيف النوعي للنقيض السلبي للآخر، وبهذا يصبح واضحا سبب إحالة المستخنث إلى الطفل المحيون أصلا أي حيونته المستخنث كذلك، وحتى عندما تغير المسمى للمستخنث بقي محيوناً فقد استبدل (فرخ) بكلمة (جرو) وهذا تأكيد لفرضية الحرام الوعي.
أصل: الأصل عندنا مقدس كونه هو من يقرر صفات الفرد ويورثها للإخلاف، والإنسان بدون أصل لا قيمة ويسمى نغل أو بلا أصل وفصل، فنشتمه بكلمة (مقطم، نغل، مقطوع من شجرة) ولا نزوجه أو نتزوج منه، لهذا أصبحت تقال للشكر والإطراء والجودة، فإذا قلت لشخص (أنت أصيل) فإننا نمدحه وإذا قلنا على بضاعة أنها (أصلية) فإنها تعني جيدة، لأنه (الأصل) أصبح استعارة للجيد والمتين، وحين نقول (ألأصول) فإنها تعني الأدب أو الأساس أو الصحيح، وأي شخص نتعرف عليه يجب أن نعرف أصله فنسأله عن نسبه (من يا عمام؟) والناس تفتخر بأصلها باستبدال النسب بدل اسم الأب مثل (فلان الطائي، فلان النعيمي، فلان الشمري الخ) حتى أن المشكلة الثقافية بيننا وبين الغرب هي صدام الأصالة والحداثة، وأصبحت كلمة للسخرية تطلق على الكذاب والغشاش، فنسمي الكذاب والمخادع سخرية (أصلي)، واكتسب الأصل هذه الأهمية بسبب تصور العرب للبشر كشجرة جذرها الأصل/الأجداد وأوراقها الأفراد، وبما أن الأوراق تموت بدون جذر (الأصل) من هنا اكتسب الأصل هذه المكانة، وحتى كلمة (جديد) من جذر (جد) كما يلاحظ عالم الاجتماع (خليل احمد خليل) أي أن أي تجديد يجب أن يحافظ على الأصل، فأصبحت كلمة (أصالة) مرادفة للإبداع وهذه الأخيرة من جذر (بدعة)! التي تشير لكل ما هو دخيل وطارئ وأجنبي وهذا يعكس نظرتنا للتغيير الذي يجب أن ينهل من الأصل/الجدود أو لا يتعارض معه حتى يسمى (تجديد).
الكبير: كلمة لا تدل على الحجم الفيزيائي في العامية وإنما على الحجم المعنوي وهي انتروبولوجيا استمدت من عمر الأسلاف الأوائل الذين أسسوا الجماعة الأولى ثم قدسوا بعد وفاتهم فاصبحوا آلهة بعدها لهذا لازلنا نقول للمتكبر (بس الله اﻟ-;-ﭽ-;-بير=كبير) وإذا قلنا كلمة كبير على شخص يجب أن نرفقها بجملة (واﻟ-;-ﭽ-;-بير الله) وهذه القدسية المستمدة من الأجداد لازالت فاعلة إلى يومنا هذا فكبير السن له حرمة وقدسية في مجتمعنا وكلامه محترم وله آداب وحقوق خاصة يجب الالتزام بها كعدم السير أمامه أو الدخول قبله من الباب وعدم الأكل أو شرب الماء قبله وعدم مقاطعة كلامه والسكوت عن توبيخاته والإعجاب بما يقول، والكبير تستعمل للدلالة على صاحب السلطة ولله، حيث نسمي شيخ العشيرة (كبير الفخذ، كبير القوم، كبير العائلة) ولا زال الأخ الأكبر له أفضلية على أخوته أو ما شابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل