الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الصنم الجديد

أحمد الطريبق

2016 / 1 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الصنم الجديد
" هناك في جهة ما أيضا شعوب وقطعان، لكن ذلك لا يوجد عندنا: عندنا نحن هناك الدول.
الدولة ؟ ما عساها تكون ؟ حسنا ! افتحوا الآذان، سأتحدث لكم عن موت الشعوب.
الدولة هي الأجمد في كل الوحوش الجامدة: إنها تكذب بوقاحة وها هو الكذب يزحف من فمها: " أنا الدولة، أنا الشعب. "
إنه كذب ! لقد كانوا خلاقين هؤلاء الذين يخلقون الشعوب، والذين ينزعون، من أعلى، عن هذه الشعوب الإيمان والحب: هكذا كانوا يخدمون الحياة.
إنهم مدمرون، هؤلاء الذين يضعون الفخاخ أمام السواد الأعظم ويسمون هذا بالدولة: إنهم ينزعون من فوقهم السيف والمائة شهوة.
حيثما كان هناك شعب، فإنه لا يتقبل الدولة ويكرهها كأنها العين السيئة، ويتمرد على العادات والقوانين.
أعرض عليكم هذه العلامة: لكل شعب لغة عن الخير والشر: وذاك ما لا يفهمه جاره. لقد ابتكر لنفسه هذه اللغة من أجل عاداته وقوانينه.
لكن الدولة تكذب في كل لغاتها عن الخير والشر؛ وفي كل ما تقول، إنها تكذب، وكل ما لديها قد سرقته.
كل شيء فيها خاطئ؛ إنها تعض بأسنان مسروقة وشرسة. حتى أن أحشاءها مزورة.
إنه خلط في اللغات عن الخير والشر. وأعرض عليكم هذه العلامة كما هي علامة الدولة؛ في الحقيقة، إنها إرادة الموت التي تشير إليها هذه العلامة، إنها تعبئ دعاة الموت !
يأتي عدد كبير من البشر إلى العالم: لقد ابتكرت الدولة من أجل أولائك التافهين !
انظروا إذن كيف تجذبهم ! وكيف تقيدهم، وكيف تجترهم مرارا وتكرارا.
" ليس من شيء في هذه الأرض أعظم مني: " أنا الأصبع الآمر للإله " بهذا يصرخ الوحش. وليس وحدهم فقط أصحاب الآذان الطويلة والنظر الضعيف من يهوي ساجدا !
للأسف، ففيكم أيضا يا ذوي الأرواح العظيمة تتمتم كذبها الباهت. للأسف، فإنها تستخبر القلوب الغنية التي تهوى الانتشار !
يقينا، إنها تستخبركم أنتم أيضا يا أيها المنتصرون على الآلهة القديمة ! قد أتعبتكم المعركة والآن أصبح تعبكم في خدمة الصنم الجديد !
كان هذا الصنم الجديد دوما يريد أن يحيط نفسه بالأبطال والرجال النبلاء ! إنه يحب التدفئة بشمس الوعي الصالح، هذا الوحش الجامد !
إنها تريد أن تمنحكم كل شيء إن أحببتم الصنم الجديد: وبذلك تشتري إشراق فضيلتكم واعتزاز النظرة التي في عيونكم.
يجب أن تشغلوا لها دور الطعم للتافهين ! نعم، إنه ابتكار لصومعة جهنمية من أجل سباق نحو الموت، مدوية في لباس الشرف المقدس !
نعم، إنه ابتكار الموت للسواد الأعظم، موت تتباهى بأن تكون هي الحياة، عبودية في قلب كل دعاة الموت !
حلت الدولة في كل مكان حيث الكل يبتلع السم، الخيرون كما الأشرار: الدولة، حيث الجميع يضيع نفسه بنفسه، الخيرون كما الأشرار: الدولة حيث الانتحار البطيء للجميع يسمى "الحياة".
انظروا إذن لهؤلاء التافهين ! إنهم يسرقون أعمال المبتكرين وكنوز الحكماء: ويسمون سرقتهم حضارة، وكل شيء يغدو بالنسبة لهم مرضا وانحرافا !
انظروا إذن لهؤلاء التافهين ! إنهم على الدوام مرضى، يتقيئون حموضتهم ويسمون ذلك صحفا. إنهم يبتلعون أنفسهم ولا يستطيعون حتى هضمها.
انظروا إذن إلى هؤلاء التافهين ! إنهم يحصلون الثروات وبها يغدون أكثر فقرا. إنهم يريدون القوة، وقبل رافعات القوة يريدون الكثير من المال، هؤلاء الضعفاء !
انظروا إليهم وهم يتسلقون، هؤلاء القردة البهلوانيين ! يتسلق بعضهم عبر البعض الآخر وينبت من جديد في الوحل وفي الفجوة.
يريدون كلهم التقرب من العرش: إنه جنونهم، كما لو أن السعادة موجودة فوق العرش ! في الغالب، الوحل هو الموجود فوق العرش، وفي الغالب أيضا يوجد العرش في الوحل.
يبدون لي كلهم كالمجانين وكقردة متسلقة ومتقرحة. يحمل صنمهم رائحة نتنة، رائحة هذا الوحش الجامد: إنهم يفحون بكل شيء نتنا هؤلاء القديسين.
إخواني، هل تريدون إذن الاختناق في نفس أفواههم وشهيتهم ! كسروا بالأحرى الزجاج واقفزوا إلى الخارج !
تجنبوا إذن الرائحة الكريهة ! وابتعدوا عن دخان هذه القرابين البشرية !
الآن، تجد النفوس العظيمة أمامها الوجود الحر. تظل هناك دوما أماكن لأولئك الذين هم معزولين فرادى أو مثنى، أماكن حيث نفس رائحة البحار الصامتة.
تبقى الحياة الحرة مفتوحة للأرواح العظيمة. في الحقيقة، إن من يمتلك القليل هو الأقل تقييدا: فليبارك الفقر الصغير.
هنا حيث تنتهي الدولة، يبدأ الإنسان غير التافه: هنا يبدأ نشيد الضرورة، واللحن الفريد وما ليس له مثيل.
هنا حيث تنتهي الدولة، انظروا إذن إخواني ! ألا ترون قوس قزح وجسر الإنسان الأعلى. هكذا تكلم زرادشت "
ترجمة أحمد الطريبق( هكذا تكلم زرادشت فريدريك نيتشه)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك