الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!! دوابنا الثقافية

ياسر العدل

2005 / 11 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لأن تاريخ التقدم لا يمجد غير الشرفاء وبعض الأقوياء، من يحبون الحياة ويملكون إرادة التغيير ويصنعون حضارة الإنسان، ولأن عائلتنا تعانى منذ قرون مشاكل الانحدار والتخلف الحضارى، لذلك اجتمع أصحاب الأمر من رجالنا مع الحكيمات من أمهاتنا، وقرروا أن تحتل عائلتنا مواقع الفخر فى كل البقاع، كان رجالنا أكثر التحاما بالطبيعة، يدبّون فى الأرض حفاة الأقدام ويحتفظون بما يستر أبدانهم ويحطبون بأيديهم خشن الطعام، وكانت نساؤنا أكثر امتلاء بالحكمة، يملكن قلوبا مليئة بالحب وأيادى ساعية بالخير، تساوم الجميع وانعقد أمر تفوّق عائلتنا على امتلاك دابّة تجوب بنا أصقاع الحضارة، تكفينا مشقة الانتماء لصناع التاريخ وتحمينا عواقب السير حفاة عراة جائعين.
فى القرن الأول، كنّا نرحل فى الوديان وشقوق الجبال وراء الماعز، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الماعز هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا شعرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل القفار، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، تجوب البلاد والعقول والقلوب، حتى أن ولاة أمورنا أهملوا شكاوانا من هجوم الضباع على دوابنا، وحين جيفت الضباع حياتنا عاد أهلنا حفاة عراة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الضباع، ذلك بأن الماعز لم يركبها من عائلتنا غير قصار القامة، ولم يستفد من جلدها غير قارعو الطبول، أولئك الذين أورثونا قدرا كبيراً من حنكة ضرب الأسافين وزرع الشقاق بين البشر.
فى القرون التالية، كنّا نرحل فى الوديان والصحارى وراء الجمال، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الجمال هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا وبرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل الفيافى، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، تجوب البلاد والعقول والقلوب، حتى أن كل الولاة تناسوا شكاوانا من هجوم الذئاب على دوابنا، وحين هتكت الذئاب حياتنا عاد أهلنا حفاة فقراء للمرّة الألف، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الذئاب، ذلك بأن الجمال لم يركبها من عائلتنا غير طوال القامة، ولم يستفد من وبرها غير صناع الخيام على وجه الصحارى، أولئك الذين أورثونا قدراً كبيراً من البلاهة والسّفه.
فى القرون الأخيرة، وصلنى بعض ما فعله الأجداد فى عائلتنا الكريمة، فبعت كل ما ورثته من ماعز وجمال، واشتريت بآبار الزيت دواب من ثقافة تكرس بين العقول فكر العبيد، وتزرع فى القلوب إيمان التعاويذ، وسعيت وراء أكل عيشى فى تجارة المماليك وجلود المضحكين وحراس المقابر، وأقمت كشوف بركة يغشاها الشّحاذون وبعض الفقراء، ونشَرٌتُ مسارح رقص وخطب وصالات دُعاء واستغفار يملأها روّاد المآدب وصانعوا القرار، وحين ذاع صيتى لدى كل البنوك ومخرجى الأزمات، ترصّدنى الحسّاد وقاطعوا الطريق، يدفعوننى مع كل الضعاف من ولاة الأمور فى عائلتنا كى نختبئ فى حفر من موائد طعام تنصب فى مواسم الغفران، موائد لا تستحى فيها عيون الجوعى وتموت بها قلوب المفكرين.
فى العقود الأخيرة، مازلنا نبحث عن دواب ثقافية تحمل تيار التحضر بين أهلينا، وبرغم صقيع بياتنا الحضارى إلا أن صورة الأقوياء فى عائلتنا لم تتجمد بعد، فمازال بيننا من يفكّر ويحمل رأيا ويبحث عن دواب ثقافية أكثر تحضرا، لكن سلطة القهر فى بلادنا تراه حاسدا وقاطع طريق، يدعو بالتّلف على ثقافة عقلنا الجمعى، ويشيع أن ثقافتنا المعاصرة ثقافة فقيرة لا تحمى غير ولاة الأمور من بعض الشرر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل