الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أفلست الاديان شكلا ومضمونا؟

عادل صوما

2016 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الصدام العلني المحتمل الوشيك بين السُنة والشيعة، بعد الصدامات المتفرقة في الشرق الاوسط منذ عراق صدّام حسين وإيران الخوميني، وتبني بابا روما لقضيتي البيئة ودعم قبول اللاجئين في أوروبا بعدما عجز عن اتخاذ قرار جذري باصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وتخبط الكنيسة الارثوذكسية في التعامل مع الواقع المتطور، والانشقاق الكبير الحاصل في الكنيسة الانغليكانية بعد تجريد الكنيسة الاسقفية الاميركية من صفتها في الكنيسة الانغليكانية العالمية بسبب موقفها من زواج المثليين والجنسية المثلية، والتعنت الاسرائيلي الذي يقضي باعتراف الفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين بيهودية دولة تقول عن نفسها انها ديموقراطية وعلمانية، أمور حياتية خطيرة تشير إلى إفلاس معنوي لمنظومة الاديان الابراهيمية، بعد سلسلة أهوال وحروب وسفك دماء منذ سنة 1271 قبل الميلاد حتى اليوم.
أُذن خوفو
الناس الاذكياء الذين وجدوا أنفسهم منذ آلاف السنين في وضع أو طموح حكم الجموع، إخترعوا الدين بعد الانتماء إلى القبيلة، كمنظومة أوسع تتألف من إله مرئي يتحد الناس حوله وتُقدم له الطقوس، وافكار عن القبة الفضائية والبيئة والعالم المحدود آنذاك، والازياء والطواطم التي تميز كل معتقد عن الآخر، والعلاقات الاجتماعية مع الآخر وضد من لا ينتمون إلى الإله نفسه، واحكام قانونية واخلاقية وسياسية.
وعندما اضاف الفراعنة فكرة الخلود والسير على الصراط المستقيم لعبوره أو السقوط منه إلى مكان العذاب أو مقر التافهين قبل وصول المستحقين إلى حقول السلام الازلية، جاء من يهمس في أذن خوفو يوم إفتتاح الهرم الأكبر أن موضوع الحياة الاخرى التي بنى من اجلها مقبرته العظيمة ليُحفظ داخلها حتى البعث، مجرد تصوّر ابتكره الكهنة ليتحكموا في الناس والنذور.
الوراثة والاضافات
ورثت الاديان الابراهيمية منذ النبي ابراهيم المعتقدات التي كانت قبلها وتأثرت بها، وتميزت عليها بوجود وحي مباشر وإتصال بالسماء ووجود إله غير مرئي ونصوصه التي يستحيل تجاوزها، إضافة إلى عدم قبول الآخر كما هو، ومحاولة جعله منها لانعدام جدوى أي دين بمجرد ظهور التالي عليه.
كان هذا الامر واضحا في الدين التالي لليهودية عند القديس بولس الذي قال "ولكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومَن على الارض ومَن تحت الارض"، رغم أن المسيح قال "في منزل أبي أماكن كثيرة". الامر نفسه واضح في الاسلام "إن الدين عند الله الاسلام ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين".
اصطدم القيمون على الاديان السماوية باستحالة ضم كل الناس تحت عقيدة واحدة. كان أول فشل تداركوه مضطرين بآيات اخرى أقل تشددا، وهكذا تكونت الحضارتين المسيحية والاسلامية من حضارات متعددة ومركبة من عناصر عرقية ودينية وسياسية وثقافية مختلفة، رغم وجود الدم والمناكفات بين الدينيّن الابراهيميين، وحتى بين الدين الواحد الذي صار مذاهبا، ثم أصبح اليوم مجرد أماكن فاخرة لها مواقع ألكترونية يقول فيها كلٌ ما يشاء ويبرره بآيات، لأناس تبلغ نسبة الامية الثقافية بينهم أكثر من 70%.
الكلام نفسه لا ينطبق على اليهودية لأنها دين مغلق لا تبشير فيه لتسامي عرق اصحابه وطوائفهم على الاعراق كافة، لأنهم المختارون من الله شخصيا.
يبدو من سياق ما يحدث في عالم اليوم ان الأديان الابراهيمية ستنزوي في المستقبل، لأن المشاكل العرقية والمذهبية الدموية، لابد أن تضع "السبعون بالمائة" بعد الخسائر الفادحة التي ستطالهم والمعرفة المفتوحة التي ستنورهم على الانترنت امام سؤال حاسم: ما فائدة الاديان؟
مكامن الخطورة
حل المجتمع المدني والقانون الكثير من مشاكل المجتمعات، حتى مفهوم العقاب تغيّر فلم يعد مقبولا رجم الزانية أو قطع يد السارق، لأن الواقع يقول ان معظم الناس سرقوا وزنوا في وقت ما من حياتهم، فلماذا يقع العقاب على المساكين الذين لا سند لهم لترهيب المجتمع.
الدولة ومؤسساتها وعَلّمها حلوا محل الدين ومؤسساته وطوطمه. القانون المدني الذي يتطور وفق حاجات المجتمع وتقدم التقنية، حل محل الوصايا ومفاهيم الحلال والحرام والعقاب، فأصبح المجرم يؤهل للعيش في المجتمع مرة اخرى، أو يُعزل عنه بحكم مؤبد، أو يُعدم مع الحفاظ على إنسانيته، مع عدم تطفل القانون على سلوكيات الانسان الخاصة ما لم تؤذ المجتمع.
بدأ العلم يحل محل الغيبيات والنبوءات والعرافين والواصلين والمختارين عند شريحة تتعاظم يوميا من البشر. ووضع الطب اسئلة عميقة خصوصا عن قدر الانسان جينيا وعمره بعد تطور الجراحات والادوية المذهل. كما بدأت وسائل الاتصال تحل محل الرحلات الخيالية الخارقة بين الفضاء (قالوا عنه السماء) والارض. كما ان الدول الكبرى متعددة القوميات والاديان، اصبحت أقل قبولا لنصوص جامدة لا تقبل التعايش مع تعدديتها وتهدد مصالح مواطنيها وسلمهم الأهلي.
الايمان بعلمانية المجتمع يستحيل أن يفضي إلى عمليات حربية أو استشهادية أو جهادية أو استباحة ارزاق الناس وتدمير ثقافاتهم من أجل اقناع الآخر بنظرية الانفجار الكبير أو تطور الكائنات كافة أو بتخليق طفل خارج الرحم أو زراعة الاعضاء أو باحترام حقوق الانسان وقبول الآخر كما هو بدون ضغينة مستترة أو الدعاء عليه بدخول سعير جهنم.
الدين نفسه خرج تماما عن رسالة العبادة والغفران والسلام والعلاقة بين الله والانسان، واصبح اداة يُستفاد منها سياسيا للحكم، وتبرير العدوان على الآخر والدول وممتلكات الناس بسبب نصوص كُتبت لغير زماننا وأشخاص لا تربطنا بهم أي علاقات.
المفاجأة الكبرى
ماذا يبقى؟ معرفة قصص ومآثر اهل الغيب؟ معرفة أصبحت لا تهم الناس كثيرا لأنهم على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحوا يعرفون الواقع أكثر، وهذا أهم وأربح. وإذا إفترضنا جدلا وجود حياة اخرى فيها الثواب والعقاب فستكون أكبر مفاجأة فيها عدم عقاب أي علماني على علمانيته لأنه إحترم حقوق الناس ولم يهدر دمهم ولم يكذب عليهم ولم يحكمهم باسم العلمانية.
ويبقى تساؤل علماني محض لا جواب دينيا عليه حتى اليوم ولن يكون: ما هي حكمة الله في جعل الناس يقتلون بعضهم بعضا بهذه الطريقة من أجله، إذا كان الحاكم الذي يفعل ذلك بشعبه يسقط أو يُغتال يوما ما.
استمرارية الاديان الابراهيمة تضع سؤالا واقعيا أمام القيمين عليها: ما فائدتنا لحياة الانسانية في المستقبل القريب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف