الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسة : قاطرة أم مقطورة ؟ أداة للرقي الاجتماعي أم عامل مساعد على التهميش...

محمد الطيب بدور

2016 / 1 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


و أنت تستقبل التلاميذ الواحد تلو الآخر ...داخل قاعة بمدرسة في أقاصي الريف...و تنتظر حتى يكتمل عددهم ...في ذات شتاء..ليبدأ الدرس...و تنظر الى الأجسام المرتعده...تصطدم نظراتك بعيون حزينه
و فرائص مرتعشة ...و أحذية بلاستيكية ..لا تقي من البرد...و تدرك حينها أنه ليس بامكان البيداغوجيا
أن تسعفك لتتناول القسمة الاقليدية ...أو غيرها من المحتويات...و تتذكر أن الكثير من أشباه هؤلاء
يتواجدون بمدارس شبيهة ...فتشعر و كأنك تمتطي قطارا مهترئا...بطيء الحركه...يدخل في نفق
طويل مظلم...داخل فضاء يصبح فيه الكل مجهولا...صمت رهيب تشقه بعض الأصوات الفزعة.
و اذا صادف ..أن يزيد احباطك...فانك ستدرك ما معنى أن يعيش طفل في منطقة همشت لعشرات السنين...فالوضع ليس أفضل ...فكأن الحياة تقتصر على التنفس و الحركة و مزاولة أشغال لا علاقة
لها بظروف عيش كريمة.
المدرسة هنا...كغيرها من المؤسسات العمومية ان وجدت...صورة مصغرة ...تعيش رتابة مقيته
و ليس بوسعها وان أبدع المربي ..أن تصبح فضاء نمو...لكل أبعاد شخصيته...بل على العكس
فقد تنشب بها متناقضات المحيط الخارجي لتعطل حركتها البطيئة أصلا.
و يصبح من الواضح أن كل المثيرات المنعدمة في هذا الفضاء الحزين لن تذهب بعيدا بتطور وجدان
و عقل الطفل...و قد ينعكس ذلك احباطا للمربي ...فيقل ابداعه و لن يكون له مطلب سوى أن يرحل بعيدا
و لن يتسنى له ذلك بسهولة.
اذن..بات من الواضح أنه لا يمكن الحديث عن تطوير المدرسة بمعزل عن بقية مكونات المحيط الذي تتواجد به. تلازم حتمي يستند الى مفهوم ايجابي لتكافؤ الفرص التعليمية في علاقة
بعدالة اجتماعية ...تضع المؤسسات العمومية في مرتبة الأولوية القصوى .
معادلة صعبة...حققتها بعض الدول التي راهنت على المعرفة ...واعتماد العقل البشري لتطوير كل مجالات الحياة...ضرورة وضعتها مجتمعاتهم و باقتناع تام ...وفروا لها الظروف الملائمة و حموها
من كل الشوائب...عن طريق هياكل و مؤسسات استهدفت مساندة المدرسة و انجاح رسالتها بما يضمن
ريادة الفكر ..و البحث و تفجير طاقات ابداع كل من التلميذ و المربي...ذاك مجتمع يجل المعرفة و يدركها..خلاصا لكل المعوقات ..محيط مرغب للطفل و لكل القائمين على الشأن التربوي..يحلو فيه العيش..تسنده نظرة ايجابية للمنظومة التربوية ...و كيف لا اذا احتلت كل العناصر الفاعلة في التربية
مكانتها من حيث هي تهيئة المستقبل بوعي و فاعلية خاضعة للتقييم و التعديل. هذا نموذج تحتل فيه التربية الريادة...هي قاطرته...على عكس منظومات تربوية تستقي حركة نموها البطيء أو تخلفها من
محيط يستعديها...لأنه لا يجل المعرفة...بل ربما سيعمد الى تدمير رسالتها بمختلف أشكال التحقير
و في ذلك تحقير لمهنة المربي و ازدراء لمستقبل الطفل... ظواهر العنف ...و سرقة الحواسيب من
المدارس و تفشي تعاطي المخدرات ...دليل واضح على فقدان حماية المجتمع أساسيات حقوقه و أهمها سلب الحق في الأمان و التعلم....و مزاولة الحياة
على أسس سليمة...و في كل ذلك منزلة متدنية للمدرسة و لكل القائمين على الشأن التربوي...فكأنهم جميعا يركبون قطارا نحو نفق ...لا يعرفون ما يفعلون...لا هم يدركون طوله...و لا حتى متى يظهر

نور ..ليعرفوا أنهم أحياء ...و أنهم كانوا في غفوة...
من ناحية أخرى :
اذا اختارت المنظومة التربوية برامج و طرقا و سبل تكوين متساوية من حيث المحتوى..و كذلك فعلت للكتب المدرسية ..و الحياة المدرسية...فان
ذلك يبدو كافيا مبدئيا لتكريس مبدإ تكافؤ الفرص بين المتعلمين و الجهات
غير أن مبدأ تكافؤ الفرص و بهذه النظرة الضيقة لم يأخذ من تعقد المشهد
الاجتماعي و الجغرافي للبلاد ..ما يجعله قابلا للتطبيق...و القضية لا تحسم بالنوايا..بل بدراسة واقعية لمكونات البنية التربوية في علاقتها بالجهات و المحليات و الأسر..و توزعها جغرافيا و تموقعها اجتماعيا و ثقافيا..
ماذا يعني تكافؤ الفرص التعليمية ؟
أن يجد المتعلم فرصته الكافية في التعلم و النجاح باعتماد نسق تعلمه دون أن يخضع لضغوطات مادية و اجتماعية ..و أن يتقدم في المعرفة و توظيفها تبعا لقدراته الذاتية..يشجعه على ذلك محيطه أينما كان...
يفترض هذا التصور..أن يرتقي المتعلمون سبل المعرفة و يكتسبون المهارات و يتملكون ما يمكنهم من الذهاب الى مستوى يؤهلهم للدخول في
سوق الشغل ..
يفترض هذا التصور أيضا أن يتلقى المتعلمون و في ظروف متكافئة
تعليمهم ...فلا التنقل و لا الجوع و الخصاصة و لا الظروف الصحية
تكون عائقا..و هو ما لا ينتبه اليه القائمون على حظوظ التربية في بلادنا..
التكافؤ يبدأ حين يكون كل المتعلمين جاهزين لتلقي المعرفة و بنائها عندما نعزل.كل المعوقات آنفة الذكر..
انه و بعزل تلك المعوقات..تظل الفوارق قائمة ..أسلوب التعلم الشخصي في التعلم...و نسق تدرجه...و هي من المؤشرات الخاضعة للتطوير..
لذلك فان الفوارق التي تضاف لهذه المؤشرات و التي هي من صنع المحيط الاجتماعي و الجغرافي و الثقافي تزيد في الهوة بين المتعلمين
و تشكل صعوبات حقيقية أمام المدرس..الذي يجد نفسه عاجزا على تحقيق
الأهداف التعليمية التعلمية.وتضيف المؤسسة التربوية و بواسطة التقييم
الذي تنتهجه ..تفريقا آخر..بين الحد الأدنى..و عدم التملك..و الامتياز و غيرها ..مؤشر يؤكد العزم على تقسيم المتعلمين و فتح باب التنافس ..
و اللهث وراء الدروس الخصوصية...و في النهاية ينتج ن ذلك..
تكريس النخبوية
اقصاء أكثر من50 في المائة من السباق..المغالطي..
التسرب من المدرسة
لينتهي الأمر في النهاية الى تصنيفات من قبيل الذكاء و الدونية
و المتوسطية و غيرها من الأوصاف المحبطة..
لكل هذه الأسباب نقول ان المنظومة التربوية لا تعمل على تحقيق مبدإ تكافؤ الفرص بل هي ترسي اعادة انتاج الفشل و التهميش لشريحة كبيرة من المتعلمين..يساعدها في ذلك ارساء مؤسسات و منظومات شجعت التعليم بمقابل..أصبح ذلك جليا بفقدان الثقة في المؤسسة التربوية العمومية
المثقلة بملفات طال انتظار حلها.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة