الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خربشات على اللوح المحفوظ 3 3

علي الخليفي

2016 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خربشات على اللوح المحفوظ 3 ـ 3

نقلت لنا كُتب الموروث الإسلامي أن القرآن تم جمعه وحِفظُه على يدّ الخليفة الأول للمسلمين، ويُفهم من هذا أن المسلمين صار لديهم نص قرآني متكامل ومحفوظ في نسخته النهائية التي تَوافق عليها جميع أصحاب محمد، لكن الموروث الإسلامي يُفاجأنا بقصة أخرى تُحدثنا عن جمع ثاني للقرآن .

فبعد زهاء العقد من الزمن قرر الخليفة الثالث للمسلمين أن يقوم هو أيضاً بجمع القرآن، وعِلّة هذا الجمع الثاني لن تختلف عن عِلّة الجمع الأول، ففي المرة الأولى كان الخوف على القرآن من الضياع، وفي المرة الثانية سيكون الخوف من إختلاف المسلمين في القرآن، وإختلاف المسلمين في النص القرآني سيؤدي مع تطوال الزمن إلى ضياعه ، وإذاً فالخوف على القرآن من أن يضيع كان بالحقيقة سبب الدعوة لجمعه في المرة الأولى والثانية، وهذا يدفعنا لإعادة طرح السؤال الذي طرحناه في الجزء الأول من المقالة، والذي تسائلنا فيه عن سر خوف أصحاب محمد على قرآنهم من الضياع، إذا ما كانو يعلمون أن الله قد تكفل أن يقوم بنفسه بحفظه .

تحكي لنا كُتب الموروث الإسلامي السبب الذي دفع ابن عفان للقيام بجمع القرآن فتقول، أن أحد أصحاب محمد وبعد قيامه بجولة في مُستعمراتِ بدو قريش الجديدة، لاحظ إختلاف الناس في تلك البلاد المُستَعمرة حول القرآن إلى الحد الذ كان يدفعهم لتكفير بعضهم البعض، فعاد إلى ابن عفان يرجوه أن يُدرك المسلمين قبل أن يختلفو في كتاب ربهم، فقرر ابن عفان أن يقوم بجمع القرآن ونسخه في عدة مصاحف، وأن يُرسل لكل مُستعمرة من مُستعمرات البدو نُسخة منه، لتكون هي النَص النهائي الذي يجب أن يلتزم به الجميع .

كلّف ابن عفان زيد بن ثابت للقيام بعملية الجمع الثانية، وهو ذات الشخص الذي كلفه الخليفة الأول بالقيام بعملية الجمع الأولى ، وأرسل إلى حفصة بنت عمر يطلب إليها أن ترسل إليه القرآن الذي تم جمعه في المرة الأولى، والتي كان محفوظاً عندها لينسخ عنه نُسخاً يُرسلها إلى الأمصار المختلفة .

ونحن هنا لا نستطيع أن نفهم لماذا سُميّ ما قام به ابن عفان بالجمع، فمن المُفترض أن عملية الجمع قد تمت وانتهت في عهد الخليفة الأول ُ، وأن ما سيقوم به عثمان لا يتعدى أن يكون عملية نسخ، لكن كُتب المورث تقول غير ذلك، فالقرآن الذي جمعه الخليفة الأول لم يكن متفقاً عليه بين أصحاب محمد، بل إننا سنكتشف أنه كان لأكثر من صحابي قرآنه الخاص به، ولقد ظهرت تلك الخلافات عندما قرر ابن عفان بعد أن أتم عملية الجمع لمصحفه أن يحرق كل ما عداه من مصاحف لدى بقية أصحاب محمد .
هنا برزت الخلافات ونقلت لنا كُتب الموروث تلك القصص التي تحكي لنا رفض بعض أصحاب محمد التخلي عن مصاحفهم، إلى الحدّ الذي جعل ابن عفان يضرب ابن مسعود علقة سُخنة أدت إلى كسر أضلاعه ومنع عنه عطاءه لإجباره على التخلي على مصحفه .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تبرز هذه الخلافات في زمن الخليفة الأول والثاني ؟
لقد إحتفظ ابن مسعود بمصحفه والذي كان يشطب منه سورتين وفي بعض الرويات ثلاث سور من القرآن وهي سورة الفلق وسورة الناس وفاتحة الكتاب كما تروي بعض قصص الموروث ، وأحتفظ أُبي بن كعب بمصحفه الذي كان يتضمن سورتين إضافيتين للقرآن وهما سورة الحفد والخلع، فكيف قبِلَ الخليفة الأول والثاني بوجود هذه الإختلافات وكيف غضا الطرف عنها، ليظل المسلمون يتعبدون بالآيات التي أوردها ابن كعب والتي سيتضح لاحقاً أنها ليست من القرآن، فيما ظل البعض الأخر يتعبد بقرآن ابن مسعود المنقوص .

الخلافات بين مُصحف ابن مسعود ومصحف ابن كعب ليست الوحيدة بين صحابة محمد حول القرآن، ولكننا نُركز عليها لأنها تُقدم لنا صورة واضحة للبلبلة والإختلاف حول النص القرآني، ولعله من المفيد أن نورد بعض الإختلافات الأخرى، فلقد نقلت لنا كُتب الموروث أقوال عائشة زوج محمد، والتي كان القرآن يتنزل على محمد في حُجرتها قولها بأن سورة الأحزاب كانت في زمن محمد تَعدل سورة البقرة في طولها، فإين ذهبت بقية تلك السورة، ونقلت لنا كتب الموروث أيضاً قولها عن آيات رضاع الكبير، والتي قالت عائشة أنها كانت تُتلى كجزء من القرآن حتى وقت رحيل محمد ، وتنقل لنا أيضاً قولها عن أية الرجم التي كانت قرآناً تجرأة عليه شاة كافرة فالتهمته، وذات قولها حول أية الرجم يُنقل لنا على لِسان ابن الخطاب الذي كان يرغب في إضافتها للقرآن ليقينه من أنها وحي من السماء، كذلك تنقل لنا كتب الموروث تسائُل ابن عوف عن بعض الآيات التي لم يجدها في القرآن .

كل هذه الإختلافات حدثت في فترة زمنيه لا تتجاوز عقدين من الزمان عن رحيل محمد وبين أقرب المُقربين إليه، وقبل أن تنشب الفتن والخلافات والحروب بين من تبقى من أصحاب محمد حول الحكم والرئاسة .

فكيف لمُدعٍ أن يدعي أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو نص مُكتمل وصلنا عن محمد عن ربه كما أنزل عليه، في حين أن كل ما أوردته كتب المورث تدفعنا للشك فيما إذا ما كان لمحمد نفسه أية صلة بهذا المصحف الذي بين أيدي المسلمين اليوم، خاصة إذا ما علمنا بأن مصحف عثمان هذا الذي يدور حوله كل هذا الجدل ليس له أيَّ وجود، ولا أحد يمتلك ولو جزء من صفحة من صفحات تلك المصاحف الأربعة التي يقال أن عثمان قد أرسلها إلى الأمصار المختلفة، ولا أحد يستطيع أن يستوعب كيف تُضيع أمة دستورها وشريعتها وكلام ربها وتعجز على أن تحتفظ ولو بصفحة من صفحات كتاب ربها المُقدس .

بعد إنتهاء فترة حكم ابن عفان إشتعلت الحروب بين من تبقى من أصحاب محمد، بل وكانت زوج محمد نفسها طرفاً في تلك الحروب التي لم تنتهي حتى كادت تأتي على من تبقى من نسل محمد، وحُمِل حفيدات محمد سبايا إلى قصر يزيد بن معاوية، وأستببحت مدينة محمد لعدة أيام لجند يزيد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ،هل يمكن لعاقل أن يُصدق بأن أولئك الذين كانت لهم كل تلك الجرأة على سفك دماء أحفاد نبيهم وأحب الخلق إليه، لم يجدو الجرأة على تبديل نصوص القرآن لما يوافق مصالحهم طوال فترة قيام دولتهم، والتي إستمرت لما يقرب من قرن من الزمان .

  فأيهما أعظم، الجرأة على الدماء أم الجرأة على تعديل وتغير بعض الكلمات في كتاب لم يؤمن معاوية ولا أباه ولا إبنه يوماً بأنه وحي من السماء .
لم تكن جرأة بني أمية مقتصرة فقط على سفك دماء أحفاد محمد بل بلغت بهم الجرأة في عهد بني مروان على محاصرة بيت ربهم وقصفه بالمنجنيق وهدمه وإحراقه، فهل من تجرأ على إحراق بيت ربه سيتردد في تبديل كلمات يعلم أن محمد نسبها إلى ذاك الرب .

ضياع مُصحف عثمان ـ بفرض أنه قد وجد ـ يدل على أن ذلك المصحف لم تكن له أية قيمة تذكر عند أولئك الذين لم يكن يعنيهم من أمر محمد إلا أن يرثو الدولة التي تركها، أما ما تعلق بأمور دينه فلم تكن تعنيهم في شيء، لانهم وببساطة لم يؤمنو يوماً بذاك الدين، بل كانو يؤمنون إيماناً قاطعاً بأن كل ما إدعاه محمد لم يكن يعدو أن يكون حيلة إحتالتها بنو هاشم ليستولو بها على سيادة قريش وليجعلو الأمر خالصاً لهم دون غيرهم .
الإدعاء بحفظ القرآن وما يروج له من أن هذا القرآن كان قد كُتب منذ الأزل في اللوح المحفوظ ، هو إدعاء غاية في السذاجة، ويحتاج إلى شخص يضع بين أذنيه قطعة لحم مُصمته حتى يُصدقه، فحتى إذا ما سلمنا جدلاً بأن النص الذي بين أيدينا هو وحي من السماء نقشه الله في لوحه المحفوظ منذ الأزل، فكيف نستطيع تبرير كل المنسي والملغي والمشطوب في هذا القرآن تحت مُسمى الناسخ والمنسوخ، فلماذا إحتاج الله ليُنزل آيات على محمد تم يعود ليُنسيه إياها ، ولماذا إحتاج ليُنزل أحكام تم يعود لنسخها بأحكام أُخرى ، ألم يكن لدى الله ما يكفي من الوقت ليقوم بالشطب والتعديل في مسودة خارجية حتى يستقر رأيه على نسخة مُنقحة مما يريد إنزاله فيتبثها في لوحه العجائبي المحفوظ، وهو الذي يعلم أن هذا القرآن سيكون أخر رسائله إلى سكان هذا الكوكب التعيس ، وأنه سيظل دستورًا وشريعة لهم حتى يلقونه .

الإستنتاج المنطقي الذي يمكن أن نصل إليه هو أن هذا القرآن أشبه ما يكون يثلمود اليهود ، أي أنه لا يعدو أن يكون كتاب جُمع فيه الحكايات الفلكورية التي توارتثها أجيال متعاقبة ، حتى جاء حاكم طاغية ـ قد يكون سفاح بني العباس ـ ليضمها في كتاب ويُعمل سيفه ويُسخر كهنته لإجبار من حكمهم على قبولها كنص مُقدس مُنزل من السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسئلتك منطقية جدا
سمير ( 2016 / 1 / 20 - 01:00 )
يا سيدي اسمح لي ان اضيف انا ايضا الى اسئلتك المنطقية بضعة اسئلة اخرى: كان هناك 21 كاتب للوحي بعضهم ضل يكتب على مدى 23 عاما وبعضهم اقل من ذلك, اين ما كتبوا ولماذا كان القران في الصدور؟ ان كان السومريون قد دونوا اساطيرهم قبل محمد باكثر من 3000 عام, الم يكن محمد بقادر على يعمل ذات الشيء سيما وان المعلقات امامه قد كتبت على الرق وكذا التوراة والانجيل؟ ذاك الذي دك الكعبة بالمنجنيق هو ذاته الذي اخذ المسلمون منه قرانهم, عجبا كم من اية بدل بالتنقيط والتشكيل؟ ولطالما ان الحجاج قد هدم الكعبة ونقط وشكل القران وعبد الملك بنى المسجد الاقصى , افليس واضحا ان الاثنين قد اخترعا واضافا اية الاسراء اللى القران ليحولا الحج الى بيت المقدس؟ خالص احترامي

اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا